بقلم: جيديون راشمان
فى عام 1990، نشر المستشار الإدارى كينيتشى أومى كتاباً بعنوان «عالم بلا حدود»، وأثار هذا العنوان روح العولمة، وعلى مدار 25 سنة لاحقة، أكدت التطورات فى عالم الأعمال، والأموال، والتكنولوجيا، والسياسة، الانحسار الحتمى للحدود، وسيادة الدولة التى تحميها.
ولا يكاد ينقضى مؤتمر معنى بالشئون الدولية، دون أن يؤكد أحد على أن أكثر المشكلات أهمية، لا يمكن حلها إذا عملت كل دولة بمفردها، وأدى ظهور الانترنت إلى تدعيم فكرة أن الحدود لم تعد ذات أهمية، ففى العالم الذى لا تحده حدود تبدو المخاوف التقليدية للأمم – الأرض، والهوية، والسيادة – عفى عليها الزمن مثل السيوف والدروع.
ولكن يبدو أن لا أحدا أخبر الساسة والناخبين أن الدول والحدود والسيادة القومية لم تعد ذات أهمية، فخلال الأسبوع الماضي، صوّت %45 من الاسكتلنديين لصالح تأسيس دولة مستقلة عن المملكة المتحدة، وراقبت الحركات الانفصالية الأخرى فى كاتالونيا، والتبت، وكيبيك، وغيرها هذا الاستفتاء عن كثب.
وتعد الحركات الانفصالية أحد أوجه ظهور القومية، ويزداد صيت الساسة القوميين فى أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط، وحتى فى الدول الراسخة.
وأخطر القوميين فى أوروبا هو الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذى ضم القرم مدعياً أن من حقه وواجبه أن يحمى المتحدثين بالروسية فى كل مكان، ويشير الكثيرون بغضب إلى أن هذا يعطى لروسيا ذريعة للتدخل المباشر فى منطقة الاتحاد السوفيتى بأكملها.
ورغم مناضلة أوروبا لحشد المعارضة ضد بوتين، فإن هناك ساسة قوميين داخل أوروبا الغربية، يتعاطفون معه صراحة مثل مارين لو بان، زعيم الجبهة الوطنية الفرنسية، أما فى ألمانيا، فيصعد نجم القوة السياسية الجديدة التى تشكل جزب “البديل من أجل ألمانيا”، والتى تجادل بأن مصالح ألمانيا أصبحت خاضعة لمصالح أوروبا.
وحتى فى السويد المزدهرة، فاز الحزب الديمقراطى اليمينى المتطرف بـ %13 من الأصوات فى الانتخابات العامة.
كما أن أكثر الدول الآسيوية قوة يرأسها قادة قوميون ذوو كاريزما، ويستخدم شى جين بينج، الرئيس الصيني، وشينزو آبي، رئيس الوزراء الياباني، وناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، خطاباً مشابهاً يعتمد على إحياء القومية كدافع للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى فى الوطن، وعلى المستوى الدولي، تظهر هذه القومية فى صورة صراعات على الحدود بين الصين وجارتيها الكبيرتين مما ينذر باحتمالية نشوب حرب.
وللوهلة الأولى، يبدو الشرق الأوسط استثناء لنهج القومية الصاعد، ومع ذلك فإن أخطر الحركات الجديدة فى المنطقة هى الدولة الإسلامية فى العراق والشام والمعروفة بداعش، وهى حركة جهادية تكره الحدود القومية، أما مصر، وهى أكبر الدول العربية من حيث السكان، فقد أخذت منحى قوميا، فى الوقت الذى تسعى فيه حكومتها بقيادة الجيش إلى إيجاد أيديولوجية بديلة عن تلك الإسلامية.
فما الذى يفسر هذا الصعود الغريب لفكرة القومية، بينما تدفع كل القوى الاقتصادية والتكنولوجية فى الاتجاه المعاكس؟
ويعد أحد الأسباب، ربما هو أن دعاة العولمة يقللون من القوة المتبقية للقومية، ويسهل على هؤلاء الذى يعيشون تقريباً فى أروقة المطارات، وفى المؤتمرات الدولية أن ينسوا أن معظم الناس يعيشون حياتهم فى مكان واحد.
وبالتأكيد، فإن الآثار المشوشة للعولمة، تشجع الناس على البحث عن الطمأنينة ومعنى الأشياء ذات الطابع المحلى أو القومي، سواء كانت لغة أو تاريخاً مشتركين، كما أن التشكك فى العولمة والنظام المالى العالمى ازداد بعد الأزمة الاقتصادية فى 2008.
وقد أدى الفقر والحروب إلى تحركات جماعية للاجئين، خاصة إلى أوروبا والأجزاء الآمنة من الشرق الأوسط، ولا يوجد شىء كالتحركات الجماعية أو أزمة لاجئين تجعل الناس أكثر وعياً بأهمية الحدود، ويعد الصدام مع المهاجرين سبباً رئيسياً فى ظهور الأحزاب القومية مثل الجبهة القومية الفرنسية، والحزب الديمقراطى السويدى، وحزب الاستقلال البريطانى.
وفى عهد أكثر تفاؤلاً، روج المفكر اليابانى أومى لفكرة عالم بلا حدود، وعلى مدار ربع قرن بدت رؤيته قوية ومتبصرة، وللأسف تبدو الآن غير متناغمة بشكل متزايد مع عالم تصعد فيه النزعة القومية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز








