ربما تكون دول جنوب أوروبا سوقاً جاذباً للمستثمرين الصينيين، الذين يسعون وراء الصفقات منخفضة التكلفة فى الغرب منذ بداية أزمة الديون، لكن المملكة المتحدة ظهرت كوجهة رئيسية فى القارة للتدفقات النقدية الصينية.
وسجلت الاستثمارات الصينية فى المملكة المتحدة منذ بداية عام 2012 ضعف ما سجلته خلال السنوات السبع الماضية. وأفادت بعض التقديرات أن الاستثمارات بلغت ما يزيد على إجمالى استثماراتها فى العقود السابقة.
وأوضحت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية أن الشركات الصينية تمتلك حصصاً فى مطارات «هيثرو» و«مانشستر» و«ويتبيكس» لصناعة الحبوب وبترول بحر الشمال، كما أنه من المرجح أن تستثمر الشركات الصينية فى محطة «هينكلى بوينت سى» للطاقة النووية، المتوقع أن توفر %7 من الكهرباء فى المملكة المتحدة بمجرد استكمال إنشائها عام 2023.
وأفادت بيانات وزارة المالية البريطانية والبيانات التى جمعتها مؤسسة «هيريتيتج» أن الزيادة الأخيرة فى التدفقات الاستثمارية الصينية إلى بريطانيا، لم تكن كافية لتجعل المملكة المتحدة تتفوق على فرنسا عام 2012 وتصبح أكبر وجهة أوروبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة الصينية.
وأشادت الحكومة البريطانية بالتدفقات الاستثمارية.. وقال وزير المالية البريطاني، «جورج أوزبورن»: «أتحدى أن يكون مثل هذا التعاون ممكناً فى أى دولة أخرى فى الغرب»، مشيراً إلى الاستثمارات الصينية المخطط لها فى مشروع «هينكلى بوينت».
لكن تعميق الروابط الاقتصادية ورياحها العاتية، صدم بعض الساسة البريطانيين الذين تساورهم نار القلق حيال فتح الطريق أمام الشركات الصينية للاستثمار فى مشروعات البنية التحتية المهمة فى قطاعات الاتصالات والطاقة.
وانتقدت لجنة الاستخبارات بالبرلمان البريطاني، العام الماضي، حكومة «ويستمينستر» لعدم اتخاذها الاحتياطات الكافية لإدارة مخاطر الاختراقات الأمنية المحتملة أو التجسس من خلال الأجهزة التى تقدمها مجموعة الاتصالات الصينية «هاواي» لشركات الاتصالات البريطانية.
وذكرت الصحيفة أن مجموعة «هاواي»، التى انكرت أى صلة لها بالحكومة الصينية، والتى ظلت خارج سوق أجهزة الاتصالات فى الولايات المتحدة بسبب المخاوف الأمنية.
وبعيدا عن مثل هذه الاستثمارات الضخمة، فقد أشار العديد من رجال الأعمال والمستثمرين الصينيين إلى صعوبة الحصول على تأشيرة باعتبارها عائقا أمام مزيد من الاستثمارات.
ويقول أحد المستثمرين البريطانيين ممن لديهم علاقات مع المستثمرين الصينيين والساسة البريطانيين: «إذا لم يتمكن الأشخاص حتى من دخول البلاد، فهذا لا يرسل أى إشارة جيدة».
ومن إحدى الخيارات التى أصبحت شائعة على نحو متزايد بين رجال الأعمال الصينيين الأكثر ثراء – هى تأشيرة مستثمر فئة 1، التى يستطيعون بواسطتها الحصول سريعا على طلب الإقامة الدائمة فى المملكة المتحدة، مقابل إقامة استثمارات تبلغ قيمتها مليوناً أو 5 أو 10 ملايين جنيه استرليني.
ويعد هذا النظام مختلفاً تماماً عن أنظمة «التأشيرة الذهبية» التى تم إطلاقها فى البلدان التى تعانى ضائقة مالية فى منطقة اليورو مثل البرتغال ومالطا.
وحتى تتجنب المملكة المتحدة المضاربات العقارية، فقد سمحت للمتقدمين بطلبات الإقامة الدائمة بتخصيص ما يصل إلى ربع استثماراتهم، لشراء عقارات على أن تكون باقى الاستثمارات فى الشركات أو السندات البريطانية ولا يمكن أن تكون فى شركات التطوير العقارى.
ويسمح الحد الأقصى من الاستثمارات، لحاملى التأشيرة بالتقدم بطلب الاقامة الدائمة بعد عامين فقط. ومنذ بداية هذا النهج عام 2008، حصل المتقدمون الصينيون على ربع التأشرات الممنوحة التى بلغت 2000 تأشيرة.. وأصبحوا أكبر مجموعة تحصل على مثل هذه التأشيرات.
ومع ذلك، بات القلق يساور الحكومة البريطانية، نظراً لأن تأشيرة «الفئة 1» لم تعد تجلب المنافع المرجوة للاقتصاد البريطانى، ولاسيما منذ أن سمحت القواعد بأن تكون الاستثمارات فى صورة قرض للأعمال التجارية للمتقدم بطلب الإقامة.
ومن المتوقع أن تعلن وزيرة الداخلية البريطانية، «تيريزا ماي»، أن الحد الأدنى لقيمة الاستثمارات سوف يرتفع إلى 2 مليون جنيه استرلينى.