بقلم: كيشور محبوبانى
حان الوقت لإفشاء السر الصغير الذى يفسر تفاقم الأمور إلى هذا الحد، مع وصول وباء الإيبولا إلى الولايات المتحدة وإسبانيا، ألا وهو أن منظمة الصحة العالمية، المنظمة العالمية الوحيدة ذات الأهلية والمفوضة لمكافحة الأوبئة العالمية، قد تعرضت بشكل مستمر وعلى مدار عقود للإضعاف والتقويض من خلال الفشل السياسى وتخفيض الميزانية.
والدليل على هذا الإدعاء، ان المنظمة تلقت %62 من ميزانيتها من “أموال الميزانية الاعتيادية”، و%18 من “الأموال الإضافية خارج الميزانية”، وتتشكل الأموال الاعتيادية من المساهمات الإجبارية من الدول الأعضاء فى منظمة الصحة العالمية، بينما الأموال الإضافية تأتى من المساهمات التطوعية من الحكومات والمنظمات غير الحكومية المانحين.
وتعد الأموال الاعتيادية ضرورية لأنها تمول البرامج طويلة الأمد التى من شانها تطوير قدرة المنظمة على محاربة الأوبئة مثل الإيبولا، وبحلول عام 2012-2013، تراجعت الأموال الاعتيادية إلى أقل من ربع الميزانية الإجمالية، بينما شكلت الأموال الإضافية – التى تستخدم عادة فى خدمة مشروعات الدول المانحة – ثلاثة أرباع الموازنة.
وكان ينبغى على الرئيس جيم يونج كيم أن يشير إلى ذلك عندما انتقد فشل دول المجتمع الدولى فى الاستجابة إلى فيروس الإيبولا، كما كان يجدر به أن يوضح أن نقص الاستجابة كان نتيجة للسياسة الغربية طويلة الأجل فى تخفيض ميزانية منظمة الصحة العالمية مما أضعفها بشدة، وهذا مثبت بالوثائق.
وأدى تأثير الفترة المطولة من تخفيض ميزانية منظمة الصحة إلى نتائج كارثية على الأرض وإلى انتشار الكثير من الوفيات، وكان ماريانو لوجلي، ممرض إيطالى من المؤسسة الطبية الخيرية “أطباء بلا حدود”، أحد أول المستجيبين الذين وصلوا إلى غابات غينيا حيث تم الكشف عن فيروس الإيبولا لأول مرة فى مارس 2014، وقال إنه فى كل الاجتماعات التى حضرها حتى فى كوناكري، لم ير أى ممثل من قبل منظمة الصحة العالمية، ولم تلعب المنظمة الدور التنسيقى الذى من المفترض أن تلعبه.
ولم تكن المنظمة حاضرة فى غينيا لأن قدرتها على نشر الأطباء المختصين تم تقويضها باطراد على مر العقود، وقال لورانس جوستين، استاذ القانون الصحى العالمى فى جامعة “جورج تاون” لوكالة “رويترز”: “تدهورت ميزانية منظمة الصحة العالمية وقدرتها على الاستجابة، وأصبحت فى الغالب منظمة تقنية”.
ولحسن الحظ، يوجد بصيص أمل فى هذه الأنباء السيئة، فبمجرد تحليلنا للمشكلة التى تواجه منظمة الصحة العالمية، يمكننا وصف حل واضح: فبدلا من تجويع المريض، حان الوقت لتغذيته، ويجب التخلى عن سياسة البخل فى ميزانية منظمة الصحة، وينبغى على الدول الغربية زيادة مساهماتها فى “أموال الميزانية الاعتيادية”.
وسيسعد بقية العالم بالعمل مع الغرب إذا قرر عكس مسار تعاملاته مع منظمة الصحة العالمية، ودعونى أؤكد أننا نتحدث عن مبلغ تافه هنا، فالميزانية السنوية لمنظمة الصحة العالمية تبلغ حوالى 4 مليارات دولار، والقرار بشأن زيادة ميزانية المنظمة من 25 إلى %75 يعنى أن نسبة الزيادة ستكون بمقدار 2 مليار دولار فقط من المجتمع الدولي.
ولكن الحل لا يقف عند هذا المستوى فقط، وإنما يجب أن ينخرط الغرب فى تفكير عميق لمعرفة إذا كان من الحكمة تجويع المنظمات المهمة متعددة الأطراف مثل منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد شرحت فى كتابى “التقارب الكبير”، كيف ظهرت هذه السياسة المأساوية، ولماذا من غير الحكمة الاستمرار فى إضعاف المؤسسات متعددة الأطراف.
وأكد ظهور وباء الإيبولا واقع جديد وهو أننا نعيش فى قرية عالمية آخذة فى الصغر، ويعلم كل سكانها بشكل غريزى أن الأوضاع الطبية لجيرانهم سوف تؤثر عليهم بشكل مباشر، وبالتالى، فإنهم يجاهدون لتحقيق إدارة أفضل للقرية من أجل الجميع.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز







