بقلم: لورانس سامرز
تشبه الأوبئة والأمراض المستوطنة الزلازل: مأساوية، وحتمية، وغير متوقعة، وتبدأ كحدث عارض حيث يقفز فيروس من طائر أو خفاش أو حيوان إلى «عائل واحد» ينقله إلى البشر الآخرين، واحتمالية أن نصاب فى هذا القرن بأنفلونزا مشابهة لتلك التى قتلت 50 مليون شخص فى 1918 أكبر من عدمها.
وقال رام إيمانويل، كبير موظفى البيت الأبيض، فى بداية الأزمة المالية العالمية، إنه لا يجب أن نترك الأزمات الخطيرة تذهب سدى، وأن الأزمات هى فرص للتعلم، كما أنها توجه إلى الإجراءات الضرورية لمنع انهيار المؤسسات عندما تكون تحت ضغوط هائلة.
وتعد أزمة « إيبولا » بمثابة صيحة إنذار بشأن أوجه القصور التى لا تهدد فقط بمأساة ذات نطاق واسع وإنما تعرض أمن الولايات المتحدة والدول الثرية الأخرى للخطر، فالأوبئة والأمراض المستوطنة مثلها مثل التغير المناخي، لا يوجد جزء من العالم يمكنه عزل نفسه من عواقبها.
وأشار تقرير «الصحة العالمية فى 2035»، الذى اشتركت فى ترأسه، إلى ثلاثة دروس أساسية، الأول هو أن العمل الجماعى أساس لبناء أنظمة صحية قوية فى كل أرجاء العالم، ففى غرب أفريقيا، كان الـ « إيبولا » بمثابة «اختبار تحمل» لأنظمة الصحة الوطنية، وفى سيبيريا وسيراليون وغينيا لم تستطع الأنظمة المواكبة.
وتعانى تلك الدول قلة الأطباء المدربين، ونقصاً شديداً فى المعدات والموارد، وضعف القدرة على مراقبة الصحة العامة ومتابعتها.
وقدمت نيجيريا مثالاً توجيهياً عندما احتوت أول حالة « إيبولا » تم تشخيصها فى يوليو، وهذا النجاح ناتج عن استجابتها القوية ونظام تقصى الأوبئة ومراقبة الصحة العامة لديها، ومدحت منظمة الصحة العالمية هذا النجاح باعتباره جزءاً من العمل العالمى لتقصى الأوبئة.
وتمتلك نيجريا بالفعل نظاماً لتقصى فيروس شلل الأطفال، ويعمل به أطباء مهرة تم توظيفهم سريعاً للتعامل مع « إيبولا » فور اندلاعه، ورغم أن معظم النظام الصحى فى نيجيريا – مثل خدمات الرعاية الأساسية – مازال ضعيفا للغاية، فقد نجح نظام التقصى والمراقبة فى احتواء « إيبولا »، وتحتاج كل دولة لمثل هذا النظام، فالوقاية أرخص من العلاج، وتحقق نتائج أفضل.
وبناء هذه الأنظمة يحتاج وقتاً ومالاً، ويشير بحثنا، الذى شارك فيه فريق دولى من الاقتصاديين والخبراء الطبيين، ونشر العام الماضى فى الجريدة الطبية «ذا لانسيت»، إلى أن «تقوية هذه الأنظمة» سوف تكلف 30 مليار دولار سنوياً خلال العقدين المقبلين، ولحُسن الحظ فقد وجدنا طريقة لتمويل ذلك من خلال الجمع بين المساعدات والإنفاق المحلى.
وستمثل التكلفة أقل من %1 من الناتج المحلى الإجمالى الإضافى الذى سيكون متاحاً للدول منخفضة ومتوسطة الدخل نتيجة ارتفاع معدل النمو خلال العشرين عاماً المقبلة.
ويتمثل الدرس الثانى فى أن نقص الاستثمار فى الصحة العامة بمثابة حالة طارئة عالمية، وبطء استجابة منظمة الصحة العالمية لـ «إيبولا» لم يكن مفاجئاً، بالنظر إلى تخفيض عدد العاملين فيها مؤخراً، ولذلك نحن جميعاً نتحمل المسئولية.
ولا يتطلب الأمر سوى مسافر واحد لكى ينقل العدوى لدولة كاملة، لذا نحن بحاجة إلى منظمة الصحة العالمية أكثر من أى وقت مضى، لأنها وحدها تمتلك الشرعية والتفويض للعمل كوكالة حماية صحية لكل الدول الغنية والفقيرة.
أما الدرس الثالث فيتعلق بالابتكار العالمي، فعندما يأتى الأمر لاكتشاف وتطوير الأدوية والأمصلة، واختبارات التشخيص، نتجاهل بشكل كبير الأمراض المعدية التى تحصد فقراء العالم بدرجات متفاوتة.
وبالتالي، وفى ظل عدم وجود مصل مضاد لـ « إيبولا » حتى الآن، كل ما يمكن فعله هو تقديم دعم الحياة الأساسية مثل المحاليل وعلاج ضغط الدم، أما لمنع انتشار هذا الوباء، فعلينا اتباع الإجراءات التقليدية مثل الحجر الصحي.
وتؤثر «إيبولا» على الأمم الأفريقية الفقيرة، لذا لا ترى شركات الأدوية جدوى من العمل على دواء لهذا الفيروس، كما لا يوجد أى حافز مناسب للاستثمار فى الوقاية منه، ومع ذلك، لن يسمح أى مجتمع لشركات الأدوية بأن تجنى أرباحاً هائلة عندما ينتشر مرض ما بسرعة.
وهنا يأتى دور الحكومات الغنية والمانحين، خاصة أن استثمار عدة مليارات دولار سنوياً، أى أقل من %0.01 من الناتج المحلى الإجمالي، قد يكون له دور حاسم فى منع مأساة تعادل فى نطاقها الحرب العالمية.
وهناك بعض الأمور الأهم من فترات الركود والانتخابات، فـ « إيبولا » مأساة نأمل فقط أن تكون دافعاً لنا لكى نتخذ الإجراءات المناسبة لمنع المأساة الأكبر التى تلوح فى الأفق إذا استمررنا فى المسار السياسى الحالى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز







