بقلم: مارتن وولف
قال ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، «تومض أضواء الإنذار الحمراء مرة أخرى على طاولة الاقتصاد العالمي »، الأضواء ليست حمراء كما كان الحال عام 2008، ومع ذلك فالصعوبات الناجمة عن التقشف المالى الذى أوصت به حكومته أصبحت واضحة خاصة فى اليابان ومنطقة اليورو، وتعد هذه الاقتصادات ذات الدخل المرتفع الراكدة هى أضعف حلقات الاقتصاد العالمي ، وحتى نفهم السبب، يتعين على المرء تحليل أهم معاناة اقتصادية اليوم وهى نقص الطلب المزمن.
وقال جاك ليو، وزير المالية الأمريكي، فى قمة مجموعة العشرين الأسبوع الماضي، إن التعافى العالمى كان غير متكافيء مع المسارات المختلفة اختلافا حادا، ففى الولايات المتحدة، تجاوز الطلب المحلى مستويات ما قبل الأزمة فى الربع الأول من عام 2012 وتعد الآن أعلى من مستويات ما قبل الأزمة بنحو %6.
وأضاف ليو أن الطلب المحلى فى اليابان والمملكة المتحدة أعلى من مستويات ما قبل الأزمة بحوالى %2، ولكن الطلب المحلى فى منطقة اليورو لم يصل بعد إلى المستوى الذى فقدته خلال الأزمة ومازال أقل من مستويات ما قبل الأزمة بما يزيد على %4.
والأمر الذى لم يضفه ليو هو أن هذا الأداء الهش – حتى ارتفاع الطلب الحقيقى فى الولايات المتحدة بنسبة %6 على مدار ما يزيد على ست سنوات لا يعد انجازاً كبيراً وفقاً للمعايير التاريخية – تم الوصول إليه رغم السياسات النقدية الأكثر تشددا فى التاريخ، فالتدخلات الرسمية لبنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى والبنك المركزى الأوروبى وبنك انجلترا المركزى أبقت على أسعار الفائدة على مقربة من الصفر منذ أواخر عام 2008، وحاول المركزى الأوروبى رفع أسعار الفائدة لتتجاوز %1 فى عام 2011 ولكنه استسلم بعد ذلك للانزلاق نحو أسعار فائدة المقتربة من الصفر، ويقدم بنك اليابان المركزى أسعار فائدة قريبة من الصفر منذ عقدين من الزمن.
ورغم ذلك، لم يكن ذلك كافياً، إذ رفعت جميع هذه البنوك المركزية موازناتها العمومية ارتفاعا حادا، ففى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تم تحقيق التوازن فى الموازنات، وفى منطقة اليورو أخذ الانكماش يتراجع منذ عام 2012، فى حين ارتفعت الموازنة العمومية لبنك اليابان المركزى ارتفاعا هائلا حتى شكلت %80 من الناتج المحلى الإجمالى ولا تزال تلك النسبة آخذة فى الارتفاع.
وكيف نفسر هذا الطلب الضعيف، ولاسيما فى منطقة اليورو واليابان؟ يستطيع المرء تحديد ثلاث مجموعات من التفسيرات الأساسية.
يسلط التفسير الأول الضوء على أعباء الدين الخاص فى فترة ما بعد الأزمة والثقة التى دُمرت بسبب الانهيار المفاجئ للنظام المالي، ومع القوانين الحالية التى تتضمن تنظيف الموازنات العمومية وضخ رأس المال فى النظام المصرفى التى دعمها اختبارات التحمل لإقناع الرأى العام بأن النظام المالى أهل للثقة مرة اخرى، وذلك من شأنه أن يضيف إلى الدعم المالى والنقدى للطلب، وفى اطار هذه النظرة فإن العودة إلى النمو ستكون سريعة.
وينفى التفسير الثانى الافتراض الاول ويقول إن الطلب فى فترة ما قبل الأزمة كان غير مستدام لأنه اعتمد على تراكمات ضخمة من الدين العام والخاص- تلك الديون الناجمة عن فقاعات أسعار العقارات.
ويشير التفسير الثالث إلى تباطؤ النمو المحتمل جراء مزيج من التغييرات الديموغرافية وتباطؤ ارتفاع الإنتاجية وضعف الاستثمار، ولكن هذا التفسير يؤكد التفسير الثانى فإذا كان من المتوقع تباطؤ نمو الامداد المحتمل، فسوف يضعف الاستهلاك والاستثمار، مما سينتج عنه نمو ضعيف فى الطلب، واذا حاربت البنوك المركزية ذلك الضعف فستواجه فقاعات وإذا انصاعت له فسوف يتحول النمو الضعيف للامدادات إلى نبوءة تحقق ذاتها.
وتعانى الاقتصادات ذات الدخل المرتفع العلل الثلاث السابقة، فحتى الصين التى تتمتع بتوقعات نمو أعلى، فإنها تعانى أيضا من العلتين الثانية والثالثة، حيث قاد نموها فى السنوات الأخيرة تراكمات سريعة غير مستدامة من الديون ومعدلات مرتفعة من الاستثمار، نظرا لتباطؤ النمو الاقتصادى الحقيقي. ويكمن عدم فاعلية السياسات المتشددة فى أن الاقتصادات تعانى مثل هذه المشكلات المتأصلة، فالأمر لا يتعلق فقط بالامداد الضعيف أو الطلب الضعيف أو حتى أعباء الديون والصدمات المالية، ولكن كل اقتصاد يعانى مجموعة مختلفة من العلل.
المصدر: فاينانشيال تايمز