بقلم: رولا خلف
اندلعت معركة جديدة فى الشرق الأوسط مع اقتراب عام 2014 من نهايته، لكن لحسن الحظ، لن تسكب هذه المعركة على اسمها مزيداً من الدماء ولن تخلف وراءها مزيداً من الأرامل والأيتام، كما أنها لن تسفرعن فقدان الأراضى أو تشريد اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل كما أن رحى هذه الحرب لا تدور من أجل دين أو أيدولوجيا.
ورغم من ذلك فإنها تفوق الحروب التقليدية من حيث إنها تمثل صراعاً حاسماً فى مستقبل منطقة الشرق الأوسط، والاحتفاظ بمكانتها على خريطة العالم.
أنها معركة البترول ذلك المورد الذى يوفر للمنطقة دعامتها الاستراتيجية فقد يكون هناك أكثر من البترول كاعتبارات جيوسياسية فى هذه المنطقة المضطربة، ولكن ليس هناك شئ أكثر أهمية منه.
تتحمل المملكة العربية السعودية مسئولية توجيه المعركة لانها أكبر مصدر للخام وتتزعم مجموعة الأوبك للدول المصدرة منذ زمن طويل وتقاتل من أجل الاحتفاظ بوضعها كملكة للمواد الهيدروكربونية.
ويعد الحفاظ على هذه المكانة أمراً حيوياً ليس فقط لاقتصاد السعودية، ولكن أيضاً للحفاظ على دورها كمركز قوة منطقة لخليج والحليف العربى الاستراتيجى للغرب.
ثبت أن المملكة العربية السعودية غير قادرة أو غير راغبة فى وقف التدهور فى أسعار الخام فى الأشهر الأخيرة واحتدم الجدل حول دوافع الرياض، فهل كان ذلك يهدف لتدمير اقتصاد منافسها الإقليمى إيران عمداً؟ وهل هى حيلة مشتركة أمريكية – سعودية لتكثيف الضغط على روسيا؟.
كما اتضح لنا فكلا الأمرين غير صحيح فالمملكة لم تتخل عن سياستها التقليدية لفصل استراتيجية إدارة البترول عن السياسة الخارجية، حتى لو كان من المرجح أن هذه السياسة لها آثار ثانوية على الدول التى تختلف معها.
بالنسبة للرياض هناك شئ أكثر أهمية على المحك فبالنظر لموقفها الأكثر حزماً الذى أظهرته فى العام الماضى فقد اتخذت مخاطرة كبيرة بالسماح بانخفاض أسعار البترول أملاً فى الحفاظ على حصتها فى السوق الدولى الذى يعانى تنامى ضعف الطلب على البترول وزيادة المعروض، خاصة من ازدهار البترول الصخرى المزدهر فى الولايات المتحدة.
أكد بعد صمت طويل وغامض على النعيمى وزير البترول السعودى المخضرم قبل إجازة عيد الميلاد على رفض بلاده خفض الإنتاج دون تحرك مماثل من قبل المنتجين خارج منظمة أوبك وهى محاولة من المملكة العربية السعودية أن تثبت للعالم أن البقاء للأصلح.
والأصلح فى هذه الحالة هو السعودية التى لديها أدنى تكلفة إنتاج وأيضاً ديون منخفضة واحتياطيات من النقد الأجنبى الضخمة التى تتخطى 700 مليار دولار.
ليس فقط المملكة العربية السعودية التى تدافع عن حصتها فى السوق بحسب ما ذكره النعيمى فى نشرة إخبارية لمسح اقتصادى للشرق الأوسط حيث قال «الدول التى تتمتع بإنتاج ذو كفاءة عالية هى التى تستحق حصتها فى السوق».
قال وليد خدوري، رئيس التحرير السابق صحيفة أخبار البترول والغاز فى الشرق الأوسط إن النعيمى لديه أعصاب من حديد وتصميم على الاستمرار فى أى استراتيجية يختارها، لكنه أيضاً يتبع سياسة عليها الكثير من علامات الاستفهام خصوصاً فى تحكم السعودية فى إنتاجها من الخام وليس أى شئ آخر.
ومن غير المعروف، على سبيل المثال ما إذا كانت المملكة العربية السعودية لديها حد أدنى للسعر تأخذه فى الاعتبار ليكون بعدها لديها استعداد لتقليص الإنتاج، ثم الى اى مدى يمكن للمملكة الحفاظ على الإجماع ضد قرار خفض الإنتاج حتى بين أقرب الشركاء العرب فى أوبك، فبعضها غير قادر على تحمل الألم المالى الناجم عن انهيار الأسعار.
ولعل اللغز الأكبر فى السعودية هو الموازنة العامة التى صدرت مؤخراً لمشروعات عام 2015 بزيادة طفيفة فى الإنفاق العام على الرغم من الانخفاض الكبير فى الإيرادات لتخفيف مخاوف المشككين فى أن هبوط عائدات البترول سوف يؤدى الى التباطؤ الاقتصادي.
السيد النعيمى هو الأقوى من بين المسئولين التكنوقراط من غير أبناء العائلة المالكة ويتمتع بثقة كبيرة لدى العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز المريض، فعلى الرغم من تذمر مجتمع الأعمال، فمن المنطقى أن يحظى مثل هذا القرار الحاسم بدعم واسع نسبياً بين كبار الأمراء.
ومع ذلك قد تكون المعركة مع البترول الصخرى فى الولايات المتحدة، ممتدة لزمن بعيد بما يمثل اختباراً للإجماع الخليجى الذى ربما يكون هشاً فكم من الوقت سيمر قبل أن يبدأ هؤلاء فى الشجار بينما تغوص المملكة أكثر فى عمق احتياطيات النقد الأجنبى لديها.
المصدر: صحيفة فاينانشيال تايمز
إعداد: ربيع البنا







