فاينانشيال تايمز: تخفيف السياسة النقدية والإصلاحات الهيكلية وإنعاش الإنفاق الرأسمالى مهام عاجلة
أجرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» استطلاع رأى فى منتصف ديسمبر الماضى، اشترك فيه 32 خبيراً اقتصادياً، وتناول الاستطلاع مستقبل أكثر القضايا الإشكالية فى منطقة اليورو فى 2015 فى صورة 9 أسئلة.
ناقش الاستطلاع، العديد من القضايا، من بينها النظرة المستقبلية للنمو، والتضخم، والقرارات السياسية، والميثاق المالى، وبرنامج التيسير الكمى، وشراء السندات، وميزانية البنك المركزى الأوروبى، وموقف ألمانيا، ومستقبل العملة الموحدة، اليورو.
أيد 29 من أصل 32 اقتصادياً من المستجيبين للاستطلاع، مناشدة ماريو دراجى، رئيس المركزى الأوروبى، الحكومات بتنفيذ إجراءات أكثر تأثيراً، بينما رأى غالبية المستجيبين للاستطلاع، أن قواعد الموازنة القاسية لا تتناسب مع هدف إنعاش النمو فى منطقة اليورو.
كان دراجى قد حث الساسة مراراً وتكراراً، على دعم الإجراءات التى يتخذها المركزى الأوروبى، من خلال تخفيف السياسة النقدية وإصلاح هيكل اقتصاداتهم، وتردد صدى نداءاته جزئياً لدى كبار صانعى السياسة النقدية، بما فى ذلك، ينس ويدمان، رئيس البنك المركزى الألمانى، الذى قال إن البلاد يتعين عليها تنفيذ إصلاحات قوية فى جانب العرض، لتعزيز إمكانات النمو فى المنطقة.
من جانبه، قال توم روجيرز، خبير اقتصادى لدى «أكسفورد ايكينومكس»، إن ماريو دراجى على حق فى تأكيده على دور الحكومات الوطنية، وأن المزيد من الإصلاحات الطموحة، قد تفتح باب الاستثمارات فى السنوات المقبلة، وتعزيز الإمكانات الاقتصادية الكامنة وتحسين الوضع المالى.
والآن سنستعرض الأسئلة التى اشتمل عليها الاستطلاع وأبرز الإجابات.
ما هى توقعاتكم للنمو فى المنطقة خلال الاثنى عشر شهراً المقبلة؟
تراوحت معظم توقعات المستجيبين للاستطلاع بتحقيق معدلات نمو تتراوح بين %0.8 و%1، فى حين ذهبت أكثر التوقعات تفاؤلاً إلى %1.7، ويعتقد معظم الاقتصاديين أن أسعار البترول المنخفضة، سوف تدعم النمو فى المنطقة.
توقع كريس ويليامسن، المحلل فى شركة «ماركيت»، ألا يتعدى النمو فى منطقة اليورو %0.8 بسبب ضعف الاقتصاد الفرنسى والألمانى، مقابل نمو أقوى فى دول أوروبا الطرفية مثل أسبانيا وإيرلندا.
قال كارستن بيرزيسكي، من «آى إن جى ديبا»، إنه منذ مطلع عام 2009، كانت المفوضية الأوروبية تفتتح توقعاتها بالعبارة الشهيرة «التعافى التدريجى» الذى لم يتحقق قط، ولكن فى 2015، قد تختلف الأمور على خلفية أسعار الطاقة الرخيصة، واليورو منخفض القيمة، والإصلاحات المتواصلة، وتوقع أن ينمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة %1.2.
ويرى كريستيان شولز، من بنك «برينبيرج»، أن النمو الأوروبى، سيدعمه تعافى النمو الألمانى، وتواصل النمو فى الدول التى تطبق إصلاحات، بالإضافة إلى أسعار البترول المتراجعة، ولكن سيعوقه تعثر النمو فى فرنسا وإيطاليا، وتنبأ شولز أن يبلغ النمو فى منطقة اليورو %1 فى 2015، وأن يتسارع تدريجياً.
ما هو مسار التضخم فى 2015؟
توقع معظم المستجيبين للاستطلاع، انخفاض التضخم فى 2015 دون الصفر على الأقل، فى النصف الأول من العام، فى حين وقفت أكثر التوقعات تفاؤلاً عند %1 بنهاية 2015 أو أوائل 2016، فيما توقع ألاستير وينتر، من شركة«دانيالستيروات»، تراجع التضخم دون الصفر فى 2015 عند سالب 4، بينما يعتقد كارستين بيرزيسكى، من «إى إن جى ديبا»، أن يقع التضخم فى المنطقة السالبة خلال أول شهرين أو ثلاثة من العام الجارى، وأن يظل منخفضاً خلال النصف الأول من العام، ثم يرتفع تدريجياً فى النصف الثانى من 2015 ليصل إلى %1 بنهاية العام، مضيفاً أن متوسط التضخم العام الجارى قد يكون %0.7.
قال فريدريك دوكروزيت، الاقتصادى فى «كريدى أجريكول»، إن معدل التضخم قد يكون سلبياً بشكل طفيف فى الربع الأول عند حوالى سالب 3، وينبغى أن ترتفع أسعار البترول إلى حوالى 70 دولاراً للبرميل حتى يعود التضخم للمنطقة الموجبة فى النصف الثانى، بينما يتوقع جورج ماجنوس ألا ينخفض التضخم لمستوى سلبى، وأن يكون ما بين %0 و%0.3، وأرجع ذلك إلى احتمالية التحسن الطفيف فى الطلب بسبب هبوط أسعار البترول، كما توقع أن يؤدى برنامج التيسير الكمى إلى انخفاض توقعات التضخم لفترة قصيرة.
هل شراء البنك المركزى الأوروبى للسندات السيادية سوف ينجح فى إنعاش النمو؟
أجاب الاقتصاديون الخمسة،الذين توقعوا عدم إطلاق البنك المركزى لبرنامج تيسير كمى، بالنفى وقال وينتر من «دانيال ستيوارت» إن معظم حاملى السندات السيادية لن يرغبوا فى بيعها، فيما قال يويلين إنه من المستحيل إجبار العالم الغربى – باستثناء الولايات المتحدة – على الإنفاق إذا كان لا يريد ذلك، وقال آخر إن المشكلة تكمن فى نقص الطلب وليس العرض المحدود للتمويل من البنوك.
وقال جوناثان لوينز، من شركة «كابيتال إيكينوميكس»، إن هذا النجاح يعتمد على حجم البرنامج، فإذا كان كبيراً بما يكفى، سوف يكون له تأثير على الاقتصاد، وأما إذا كان هدفه تخفيض قيمة اليورو، فالأمر يستحق المحاولة.
هل ستتساوى قيمة اليورو مع الدولار فى 2015؟
قال الاقتصاديون المستجيبون لاستطلاع الرأى إن قيمة اليورو ستستمر فى التراجع خلال العام الجارى، ومن غير المرجح أن تتعادل قيمته مع الدولار، فيما توقع أحدهم، أن تتساوى قيمة الدولار مع اليورو، وأن قيمة العملة الموحدة قد تتراجع إلى مستويات لم تشهدها المنطقة منذ عام 2002.
ويرى 10 اقتصاديين، أن سعر صرف اليورو قد يصل إلى 1.10 دولار، وهو مستوى لم تره منطقة اليورو منذ ربيع عام 2003، فى حين توقع 18 اقتصادياً من المستجيبين للاستطلاع، وصول قيمة العملة الموحدة إلى 1.20 دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات، فى حين قال 3 اقتصاديين أنهم ليسوا على دراية بما سيحدث فى قيمة اليورو.
هل سيشرع البنك المركزى الأوروبى فى برنامج تيسير كمى على نطاق واسع؟ وإذا كانت الإجابة نعم، وكم ستبلغ قيمته ومما سيتكون؟
نفى 5 من المستجيبين للاستطلاع، أن يطلق المركزى الأوروبى حزمة تحفيز بسبب العقبات السياسية الكثيرة التى قد يواجهها، وقال جون يويلين، من شركة «يويلين للاستشارات، إن المركزى الأوروبى سيكون حذراً، وقد يشترى بعض الأوراق التجارية وبعض السندات الحكومية فى السوق الثانوى، مضيفاً أنه من غير المرجح أن يشترى الديون السيادية بطريقة مباشرة خوفاً من مواجهة ألمانيا فى محكمتها الدستورية، بينما توقع 26 من الاقتصاديين، أن يطلق المركزى الأوروبى البرنامج، وتوقع جورج كرامر من «كومرزبنك» أن تبلغ قيمة البرنامج تريليون يورو وأن يركز على السندات الحكومية وسندات الشركات، مضيفاً أن المركزى الأوروبى سيشترى من كل دولة عضواً طبقاً لحجم مساهمتها فى رأسمال البنك.
وتوقع داريو بيركينز، الاقتصادى فى شركة «لومبارد ستريت» للأبحاث، أن تبلغ قيمة البرنامج حوالى 500 مليار يورو وأن يركز البرنامج على السندات الحكومية، مضيفاً أنه يأمل أن يتوسع البرنامج مع الوقت.
هل يتناسب الميثاق المالى مع هدف تعافى منطقة اليورو؟
يعتقد 20 اقتصادياً أن الميثاق، الذى تم تمريره فى ذروة الأزمة، غير قادر على دفع المنطقة نحو التعافى، رغم دفاع رئيس البنك المركزى الأوروبى عن الميثاق المالى، وهو مجموعة من قواعد الموازنة التى تفرض قيوداً صارمة على عجز الدول الأعضاء.
ويعتقد المستجيبون للاستطلاع، أن الميثاق المالى، الذى يفرض حداً أقصى للعجز الهيكلى يبلغ %0.5، يعد قاسياً، وطالب كريس ويليامسون، اقتصادى لدى «ماركت»، بتخفيف القيود المالية للسماح للحكومات بتعزيز الإنفاق وإنعاش اقتصاداتهم.
ويرى المستشار الاقتصادى، جورج ماجنوس، أن الميثاق المالى فاشلاً، لأنه لم يشخص المشكلة التى تعانيها منطقة اليورو تشخيصاً صحيحاً، كما أنه يروج للفكرة الخيالية بأن أزمة اليورو هى أزمة مالية.
بينما اعتبر اقتصاديون آخرون أن الميثاق المالى تحول فى الاتجاه الصحيح، وقال نيك كونيس، اقتصادى لدى «إيه بى إن أمرو»، عندما تكون القواعد المالية أكثر تعقيداً يكون من الأسهل تفاديها، واعتقد أن الميثاق المالى لم يُطبق بالصرامة اللازمة.
ما هى الخطوات التى يجب أن يقوم بها صانعى السياسة فى منطقة اليورو لتعزيز انتعاش المنطقة؟
توافق معظم الاقتصاديين على ضرورة تخفيف السياسة المالية، والإصلاحات الهيكلية، لدعم خطوات المركزى الأوروبى، والتى من المرجح أن تتضمن شراء السندات السيادية نهاية الربع الأول من العام الجارى.
قال ستيفان شنايدر، خبير اقتصادى لدى دويتشه بنك، «إنه لا يوجد حل سحرى، فالحل يجب أن يكون مزيجاً من المزيد من تخفيف السياسة النقدية، واستغلال المرونة المالية إن وجدت، والأهم من ذلك هو الإصلاحات الهيكلية، ولاسيما فى إيطاليا وفرنسا».
دعا الاستاير وينتر، اقتصادى لدى «دانيال ستيوارت سيكيوريتيز»، إلى مزيد من المرونة فى قوانين العمل، بما فى ذلك تحرير المهن والحرف، لتشجيع الشركات المبتدئة، فى حين رأى جون يويلين، من شركة «يويلين» للاستشارات، أن الساسة عليهم الشروع فى برنامج استثمار واسع فى البنية التحتية يركز على تقليل الاعتماد على روسيا فى الطاقة.
ويعتقد كين واتريت، المحلل فى «بى إن بى باريبا»، أنه ينبغى على الساسة تقديم المزيد من المحفزات النقدية، وتخفيض الإنفاق الحالى غير البنّاء، وزيادة الإنفاق الرأسمالى، مؤكداً على أهمية الإصلاحات فى جانب العرض، وأنها قد يكون لها أثار سلبية على المدى القريب فى بعض الحالات، ولكنها ستسهم بالأخير فى إنهاء حالة عدم اليقين.
ما حجم ميزانية البنك المركزى الأوروبى بحلول نهاية عام 2015؟
توقع 26 اقتصادياً، أن تتراوح ميزانية المركزى الأوروبى بنهاية 2015 ما بين 2 و3 تريليونات يورو، فى حين توقع اثنان فقط، ان تزيد على 3 تريليونات يورو، ويعتقد أربعة محللين ان تقل عن 2 تريليون يورو، وقد كان حجم ميزانية المركزى الأوروبى بنهاية العام الماضى 2.15 تريليون يورو.
هل ستطلق ألمانيا حزمة تحفيز مالى؟
قال 4 اقتصاديين فقط من أصل 32 ممن شملهم الاستطلاع، أن أكبر قوة اقتصادية فى منطقة اليورو قد تطلق حزمة تحفيز، ولكن صغيرة، وقالوا إن معارضة الشعب الألمانى للتحفيز النقدى، قد تؤثر على قرار أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية.
يتوقع الاستاير وينتر، من «دانيال ستيوارت»، أن ألمانيا ستطلق حزمة تحفيز نقدى، ولكنها ستكون متواضعة ولن تستهدف سوى الاستثمار فى مشروعات البنية التحتية والأبحاث العلمية.
بينما يقول كارستين بيرزيسكى، خبير اقتصادى لدى «أى إن جى ديبا»، إن ألمانيا تبدو مهووسة بتوازن الموازنة، فبالطبع الحاجة إلى استدامة أوضاع المالية العامة أمراً مهماً، ومزيد من التحفيز المالى سيصب فى مصلحة ألمانيا الخاصة نظراً للانخفاض القياسى فى أسعار الفائدة ونقص الاستثمارات فى ألمانيا، ولكن تعافى الاقتصاد الألمانى على خلفية انخفاض أسعار البترول وتراجع قيمة اليورو سيكون نقمة أكثر منه نعمة لأنه سيؤجل الإصلاحات الجديدة.
ويرى الاقتصادى جورج كرامر لدى «كوميرزبنك»، أن تراجع أسعار البترول هو بالفعل حزمة تحفيز.