بقلم: جون جابر
يحدث غسيل الأموال عندما يقوم شخص ما بوضع أموال السرقة والاحتيال والمصادرة فى حساب بنكى فى سويسرا، أو فى شقة باهظة الثمن فى مانهاتن، لكى يجعلها تبدو نظيفة، لذا ما هو المصطلح المناسب لتلويث أرباح شرعية لشركة ما من خلال التهرب الضريبى والحيل؟ ربما، تلطيخ المال.
وجال هذا السؤال فى خاطرى هذا الأسبوع عندما قرأت عن 30 ألف عميل للبنك السويسرى الخاص التابع لـ«اتش إس بى سي»، وعلى ما يبدو كان يتجنب البعض الضرائب المحلية، والبعض الآخر كان يتصرف بشكل قانونى ولكن غريب جدا، ولم تكن النشاطات سوداء بالكامل، ولكنها لم تكن بيضاء كذلك، فقد كان هناك درجات رمادية مختلفة.
وغرباء هذا العصر هم السكان غير المقيمين، وهم فاحشو الثراء المجهولون الذين تغريهم العقارات والملاذات المالية الآمنة فى نيويورك ولندن، بجانب الوعود بالسلام والهدوء والمعاملة الضريبية السخية، وبالتالى يشترون منازل هناك من خلال شركة وهمية، ويضعون النقدية فى حساب مصرفى سويسري.
وقد يكون هذا قانونيا ولكنه يدمر الممولين الآخرين الذين يواجهون عجوزات فى الموازنة وتخفيض فى الإنفاق الحكومي، وفى نفس الوقت يناضلون للحصول على رهن عقارى كبير بما يكفى لدفع ثمن المنزل الذى ارتفع سعره بشدة بسبب أسعار الفائدة المنخفضة، وفيضان الأموال الخارجية.
وهناك ملياردير قد تكون حياته أصعب فى بعض النواحى من حياتنا، وهو مارك زوكربيرج، مؤسس الفيسبوك، الذى احتلت قصته الصحف بجانب قصة «إتش إس بى سي»، وكيف أنه اضطر لشراء جميع العقارات حول منزله.
واشترى مطور عقارات منزلا خلف منزل زوكربيرج، وأخبره أنه ينوى بناء واحد أكبر بكثير سوف يطل على غرفة نومه، حينها لم يضطر فقط زوكربيرج لدفع 1.7 مليون دولار لميرسيا فوسكيريشان، مطور العقارات، مقابل المنزل، بل قام مستشار زوكربيرج المالى بشراء ثلاثة عقارات أخرى فى الجوار بقيمة 39 مليون دولار.
ومع ذلك، لاحقه فوسكيريشان قضائيا بسبب فسخه للعقد، مدعيا أن جاره وعده بتعويضه عن المبلغ الصغير مقابل منزله، وبتقديمه لأشخاص مفيدين له فى عمله فى سيليكون فاللي، وهو ما نكره زوكربيرج، ويفلح الضغط فى هذه الحالة على مؤسس الفيسبوك لأنه ملياردير يعيش فى حى عادي، وإن كان باهظ الثمن.
وربما تكون هذه مشكلة ملياردير واحد ولكنها توضح لماذا يفضل الأغنياء التخفي، ويقدر بنك «كريدى سويس» عدد الأغنياء حول العالم الذين تزيد أصولهم على 50 مليون دولار بـ128.000 شخص، وقال أحد المصرفيين لصحيفة «ذا جارديان» إنه يضع 5 ملايين جنيه استرلينى فى بنك «إتش إس بى سي» لكى يخفى مكافآته عن زملائه.
وهناك أسباب مقبولة بعيدة عن التهرب الضريبى أو حتى التهرب الضريبى القانونى تجعل الأثرياء يضعون أموالهم فى البنوك السويسرية، السبب الأول أنها غير آمنة فى الوطن، حيث يمكن أن تأخذها حكومة أخرى، أو فى حالة روسيا، يأخذها نفس الرئيس بطريقة مختلفة، وعلاوة على ذلك، هناك تاريخ من المصادرة التعسفية لممتلكات المواطنين الأوروبيين.
ولكن رغم اتخاذ كل السابق فى الحسبان، لا يزال وضع الثروة فى بنك خاص أو فى شركة وهمية يبدو مثل غسيل الأموال تماما، وتنتهى النقدية فى الأخير فى أماكن مشابهة بعيدة عن نظر العامة، وعندما يبدأ الأثرياء النظفاء فى التهرب من الضرائب، فإن اختلافهم عن الآخرين يصبح غير قائم تقريبا.
وهذا الوضع لا يبدو سليما بالنسبة للحكومات التى تبدو وكأنها تعطى إعفاءات ضريبية لنخبة العالم على حساب مواطنيها، أو بالنسبة للبنوك الخاصة التى تلطخ سمعة كل عملائها من خلال تسهيل أخطاء القلة، أو لرجال الأعمال الذين يعملون بكد لخلق ثروتهم، فكل هؤلاء بإمكانهم القيام بالمزيد لتصحيح الوضع.
وبالنسبة لحكومة بريطانيا، ينبغى عليها إصلاح الإعفاء الضريبى للسكان غير المقيمين، والذى يحابى الأغنياء، كما ينبغى عليها وعلى الدول الأخرى، بما فى ذلك الولايات المتحدة، اطلاق حملة على إساءة استخدام الشركات الوهمية لأنها الأداة المالية لغسيل الأموال، فمعظم عمليات غسيل الأموال خاصة فى العالم النامى تتم من خلال تلك الشركات والحسابات الأجنبية، كما أن استخدام نفس الآلية شائع لإخفاء الملكية الحقيقية للمنازل باهظة الثمن.
أما البنوك الخاصة، فينبغى عليهم حماية واستثمار الثروات القانونية، بدلا من المساعدة على التهرب من الضرائب وغسيل الأموال، وهناك عدد كاف من الأشخاص ذوى الأموال النظيفة – بما فى ذلك 45.000 بأصول تزيد على 100 مليون دولار – وهذا وحده يمكن أن يكون عملا مربحا للغاية.
وعلاوة على ذلك، ينبغى على الأغنياء أن يسألوا أنفسهم إذا كانوا يرغبون أن يكونوا من بين غاسلى الأموال، وأن يضعوا أموالهم فى البنوك الخاصة لتجنب دفع الضرائب التى يدفعها غيرهم، حتى لو كان ذلك فى إطار القانون، وإذا ما كان هذا التصرف هو الصحيح بأى حال من الأحوال؟
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»








