بقلم: فيليب ستيفينز
أصبحنا نعيش اليوم فى عصر الضحايا ، وأينما ننظر نجد شخصاً ما لديه تظلم، وكلما كان الشخص أكثر ثراءً ونفوذاً، ازداد حجم الظلم الواقع عليه، وانضم القادة السياسيون، والمصرفيون، ورؤساء الشركات، وطبقة الأثرياء النافذة فى قطاع صناديق التحوط، للفقراء والمحرومين، ويقفون جميعاً فى صفوف المظلومين الآخذة فى التزايد.
وعلى رأس هذه الصفوف يقف فلاديمير بوتين، فالبعض يرى أن غزو الرئيس الروسى للجارة أوكرانيا عمل عدوانى من الدرجة الأولى، ولكن لا أحد ينظر إلى بوتين وبطانته المختلسة على أنهم ضحايا للمؤامرة بقيادة الولايات المتحدة لإذلال وإضعاف روسيا الأم.
ويعد الاستيلاء على الأراضى الأوكرانية، وفى الوقت نفسه منع أى مساعدة، استجابةً مفهومةً تماماً لهذا الظلم! أرجوكم ألا تضحكوا، فهناك الكثير من الغربيين الذين يصرّون على أن واشنطن وحلفاءها يتحملون مسئولية ما يحدث فى أوكرانيا.
وصُحبة القائد الروسى من المظاليم وفيرة، فقد بنى الرئيس التركى رجب طيب أردوجان لنفسه قصراً رئاسياً غطى على قصر فيرساى الفرنسي، ولكن أردوجان أيضاً ضحية، فرغم أنه ينتهك الديمقراطية التى لا تزال هشةً فى تركيا، فالمؤامرات المنهالة عليه لا تُعد ولا تُحصى.
ويعتبر الإعلام الغربي، والمنظمات الأجنبية غير الحكومية، ووكالة الاستخبارات الأمريكية، والجيش التركي، والاتحاد الأوروبي، والحكومة الأمريكية، والطائفة الدينية الجولينية، قلةً قليلةً من بين من تعتزم إسقاط أردوجان، فمن ذا الذى يستطيع لومه على اتجاهه للاستبدادية؟!.
كما أن الساسة الغربيين ليسوا محصنين ضد الظلم، وتدّعى حكومة حزب سيريزا، أن اليونان وضعت تحت حذاء ألمانيا، ولن يشكل فارقاً الآن أن نظراءها المدنيون فى منطقة اليورو مثل إسبانيا والبرتغال وايرلندا أكثر إصراراً من برلين على لعب اليونان وفقاً لقواعد كتلة العملة الموحدة.
والآن يجب أن نتناسى التاريخ الطويل لحكومة اليونان الفاسدة، ونتذكر أن أدولف هتلر احتل اليونان، وبالتالى ينبغى على المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تحمل مسئولية كل أمراض الدولة اليوم.
أما الشعبويون من اليمين المتطرف فيرون أنهم ضحية الاستراتيجيات السياسية، فإذا استمعت إلى مارين لو بان، زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية، ستجد أنها تُعزى جميع علل بلادها للمهاجرين من المسلمين وللبيروقراطيين فى بروكسل، أما نايجل فاراج، قائد حزب الاستقلال فى بريطانيا، فيرى أن الدولة ضحية الوافدين من شرق ووسط أوروبا، كما ينظر إلى الجميع على أنهم مغفلون من النخبة السياسية الراسخة.
وحال قطاع الأعمال ليس أفضل كثيراً، فمع مرور الوقت بعد الأزمة المالية العالمية فى 2008، يتضح أننا كنا مخطئين تماماً لإلقاء اللوم على المصرفيين الذين كانوا يملأون جيوبهم بالأموال، فى الوقت الذى أعطوا فيه قروضاً ضخمة لا يمكن سدادها، كما تجاهلوا القانون وأفلتوا من العقوبة.
ومثلهم مثل غيرهم، فقد كانوا هم أيضاً ضحايا غير مقصودين للتنظيمات الضعيفة والساسة الساذجين، حتى إن جيمى دايمون، المدير التنفيذى لبنك «جى بى مورجان» ذكّرنا مؤخراً بأن البنوك ما زالت تتعرض لهجوم حتى الآن.
وبدا ستيفين جرين، رئيس مجلس الإدارة السابق لبنك «إتش إس بى سي»، مجروحاً عندما سُئل عن إن كان على دراية بأن البنك السويسرى التابع كان يغسل أموال المتهربين من الضرائب، والمشتبه بهم، وقال اللورد جرين، الذى كتب كتاباً بشأن الأخلاق والمال، إنه لا يستطيع التعليق «كمسألة مبدأ».
أما ستانلى فرانك، مدير صندوق تحوط سابق، ومانح لحزب ديفيد كاميرون المحافظ، فقال ببساطة عن الذين استخدموا البنك لإجراءات تهرب ضريبى «قانونية تماماً، إن الجميع يفعل ذلك».
ولا يقتصر هذا الاضطهاد بالطبع على الأغنياء وذوى النفوذ فقط، وإنما أيضا يشمل الصحفيين الذى مَثِلوا أمام المحكمة؛ لاختراق هواتف وبريد إلكترونى لأشخاص بدافع واجبهم السامى فى فضح زلات هؤلاء الشخصيات للعامة، وأينما نظرت ستجد ضحية، فلا تبحث عن أحد مستعد لتحمل المسئولية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»








