المستهلكون طوق النجاة لاقتصاد دولتهم واقتصادات أخرى مؤقتاً
لماذا يعد الدولار قوياً لهذه الدرجة؟ فقد ارتفع بنسبة %25 خلال الأربع سنوات الماضية، مما يعيد إلى الأذهان ذكريات أوائل ثمانينات القرن العشرين ومطلع الألفية، ففى الحالتين السابقتين، كانت النتيجة اتساع العجز التجارى وارتفاع عجز الحساب الجارى، فما قد تكون النتيجة هذه المرة؟
ويجيب مارتن وولف فى مقال له فى صحيفة الفاينانشيال تايمز على السؤال الأول قائلا إن قوة الدولار ناجمة عن أن الولايات المتحدة تتمتع بطلب أقوى، بالنسبة إلى إمكانات النمو، مقارنة بالاقتصادات الكبيرة الأخرى مثل منطقة اليورو والصين واليابان.
أما بالنسبة للسؤال الثانى فالنتيجة التى قد تحدث هى أن قوة الدولار ستشكل ضغوطاً انكماشية وتضعف الطلب على الإنتاج الأمريكى، مما يزيد من صعوبة تشديد السياسة النقدية أى رفع سعر الفائدة الأساسى أكثر مما يتخيل بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى.
ويعد الاقتصاد العالمى نظاماً متكاملاً ويرى وولف أن من يتجاهل هذه الحقيقة فاشل، ومن أهم الحقائق فى الوقت الحاضر هو الضعف المزمن فى طلب القطاع الخاص بالنسبة إلى دخله المحتمل فى الاقتصادات المهمة.
ومن يشك فى ذلك عليه أن يسأل نفسه كيف ظلت أسعار الفائدة الحقيقية والاسمية طويلة الأجل منخفضة لفترة طويلة، فهذه ليست نتيجة التيسير الكمي، والدليل على ذلك انخفاض أسعار الفائدة فى أمريكا وبريطانيا رغم أن البنوك لم تعد تطلق برامج تحفيزية لشراء الأصول.
وأصبح التفاوت بين الدخل الخاص والإنفاق المأمول ضخماً الآن فى منطقة اليورو والصين واليابان، وكل هذه الاقتصادات قد يساعدها وجود فائض كبير فى الحساب الجاري، وتتبنى جميع هذه الاقتصادات سياسات نقدية تحقق هذه النتيجة.
وتعد الدوافع لتبنى مثل هذه السياسات فى الاقتصادات العملاقة الثلاث قوية، ففى منطقة العملة الموحدة، أثار التوقف المفاجئ فى الإقراض إلى الاقتصادات الضعيفة الأزمات التى اتبعها التقشف فى القطاعين العام والخاص، وفى ظل غياب أى محاولات لكبح جماح التوسع الكبير فى الدول الدائنة، ناضلت منطقة اليورو بأكملها لتكون ألمانيا أخرى.
وما بين عامى 2008 و2013، تحول العجز الصغير فى الحساب الجارى إلى فائض بنسبة %2.8 من الناتج المحلى الإجمالي، مما خفف من حدة انهيار الناتج الإجمالي، ففى الوقت الذى تراجع فيه الطلب المحلى الحقيقى بنسبة %5.9 ما بين الربع الأول من عام 2008 والربع الأول من عام 2013، تقلص الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بنسبة %3.5.
ويرى وولف أن السياسات النقدية التى يتبعها البنك المركزى الأوروبى اليوم لن تكون فعالة إلا إذا ساهم هبوط قيمة اليورو فى تعزيز طفرة فى صافى الصادرات، ومن الصعب الاعتماد على حدوث طفرة مستدامة فى الانفاق المحلي، نظرا لعبء الديون الضخم الذى يخيم على البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة فى المنطقة، فضلا عن غياب التوسع المالى وتردد الأسر والشركات فى البلدان الدائنة فى الانفاق.
وتواجه الصين تحديات مماثلة، ففى فترة ما قبل الأزمة، حققت بكين التوازن فى الاقتصاد من خلال إدارة فائض فى التجارة ارتفع إلى %9 من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2007، وفى أعقاب الأزمة، عوضت الطفرة الاستثمارية التى غذتها مستويات ضخمة من الائتمان تراجع الصادرات، وشهدت الاستثمارات ارتفاعاً وصل إلى نصف الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما يعد غير مستدام فى اقتصاد تتراجع معدلات نموه تراجعا سريعا.
ويتساءل وولف كيف ستدير الصين المدخرات المفرطة دون المعاناة من ركود عميق، ومن المرجح أن تتضمن الاجابات ارتفاعاً فى الفائض التجارى الذى يعززه ضعف سعر الصرف.
أما بالنسبة لليابان، حيث يعد قطاع الشركات المصدر الرئيسى للمدخرات المفرطة، ولكن بخلاف ألمانيا، كانت اليابان على استعداد لتعويض الفائض المالى الضخم فى قطاع الشركات بعجز مالى ضخم فى القطاع العام، لتكون النتيجة مستويات مرتفعة جداً من الدين الحكومي، ولن تقضى السياسات النقدية الفضفاضة حاليا على المدخرات الزائدة عن الحد.
وفى عالم يعانى فيه القطاع الخاص فى الاقتصادات الكبيرة نقصاً مزمناً فى الطلب، فمن المؤكد أن نشهد مطاردة لبقايا الطلب الموجود، وسوف ينتشل المستهلكون الأمريكيون، مرة أخرى، اقتصادهم وأيضا العديد من الاقتصادات حول العالم، ولكن من غير المرجح أن يكون ذلك فعالا لفترة طويلة هذه المرة، كما ستكون أيضا مهمة شاقة للغاية.








