الاختبار الحقيقى لمكانة الدولة الإصلاحية يظهر مع إعلانها الميزانية الجديدة
عادةً ما تكون الأسواق الناشئة شعاع الأمل فى الاقتصاد العالمى، ولكن فى الوقت الراهن، أصبحت فى كثير من الأحيان مصدر الكآبة، حيث يتباطأ الاقتصاد الصيني، وتشهد البرازيل ركوداً تضخمياً، وانغمست روسيا فى حالة من الركود جرّاء العقوبات الغربية، وتراجع أسعار البترول، ويجتاح جنوب أفريقيا وباء عدم الكفاءة والفساد، ولكن وسط أجواء خيبة الأمل تظهر الهند نجماً ساطعاً فى سماء الأسواق الناشئة.
ذكرت مجلة الإيكونوميست، أن الهند قد تحلّق فى سماء أعلى اقتصادات العالم، ولكن عليها التخلص من إرث السياسة غير المثمرة.
وتقع هذه المهمة على عاتق آرون جيتلي، وزير المالية الذى يقدّم فى نهاية فبراير الجارى أول ميزانية لحكومة منتخبة مع إصدار أوامر بخفض الروتين وتعزيز النمو.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تمتلك فيه الهند شعباً قادراً على تنفيذ المشروعات، وما يقرب من نصف سكانها البالغ عددهم 1.25 مليار نسمة تقل أعمارهم عن 25 عاماً ويندرجون ضمن صفوف الفقراء، ولكن ما زال لديهم الكثير من مجالات النمو للحاق بالركب، فقد وصل الناتج المحلى الإجمالى للفرد إلى 5.500 دولار فى عام 2013، مقارنة بـ11.900 دولار فى الصين و15 ألفاً فى البرازيل.
وأشار المتفائلون إلى أن الناتج المحلى الإجمالى نما بنسبة %7.5 على أساس سنوى فى الربع الثالث من عام 2014، متجاوزاً الصين، والأهم من ذلك أن الاقتصاد يظهر فى صورة مستقرة على نحو متزايد.
وتراجع التضخم إلى النصف بعد ارتفاعه فوق %10 لسنوات، وتقلّص العجز فى الحساب الجارى مع ثبات الروبية -العملة الهندية- وازدهرت البورصة، وجاءت عملية تراجع أسعار السلع الأساسية بمثابة النعمة بالنسبة لبلد يستورد أربعة أخماس موارده من الطاقة. وعندما خفض صندوق النقد الدولى توقعاته للاقتصاد العالمى، فإنه استثنى إلى حد كبير الهند.
ويأتى السبب الحقيقى الباعث للأمل فى إمكانية القيام بمزيد من الإصلاحات، فعندما حقق حزب بهاراتيا جاناتا، برئاسة نارندرا مودي، فى مايو الماضى نصراً كبيراً فى الانتخابات وعد بدفع الاقتصاد نحو الأفضل.
وبذلت حكومته فى شهورها الأولى أقصى الجهود لتسريع إصلاح الخدمة المدنية البطيئة وغيرها من الأسس المفيدة. ولكن الاختبار الحقيقى لمكانتها الإصلاحية ستكون مع إعلان وزير ماليتها الميزانية الجديدة.
ويتمثل الجزء السهل لجنى الثروة فى الهند فى الانضباط المالى والنقدى بجانب ضخ المزيد من رأس المال فى بنوك القطاع العام.
وتحتاج الهند إلى إصلاحات جريئة وشجاعة لتحقيق الازدهار، وتكمن استراتيجية التنمية فى نقل الناس من وظائف الزراعة المتّسمة بالفقر إلى مزيد من العمل المنتج بأجر أفضل. حيث قاد التصنيع القائم على التصدير النمو الصينى.
وتحتل الهند الصدارة فى صناعة خدمات تكنولوجيا المعلومات على مستوى العالم، ولكن القطاع لا يزال صغيراً جداً لاستيعاب من 90 إلى 115 مليون شاب من المقرر دخولهم سوق العمل فى العقد المقبل، ولذلك ينبغى على الدولة اتباع نهج مختلط وتوسيع مشاركتها فى الأسواق العالمية فى كل من الصناعة والخدمات، ولتحقيق هذه الأهداف على وزير المالية، أن يركز على ثلاثة مدخلات للإنتاج «الأرض والطاقة والأيدى العاملة».
يمتلك مودى، ووزير ماليته فرصة نادرة لإقلاع محرّك الاقتصاد الهندى للتحليق عالياً فى سماء الازدهار، ولكن يجب عليهم أن لا يضّيعوها.








