بقلم: محمد بازى
نصب مسلحون الأسبوع الماضى كميناً عند نقطة تفتيش فى جنوب بغداد لموكب ينقل الشيخ قاسم الجنابي، قائد قبيلة سنية بارز، وتم خطف الشيخ وابنه وعدد من الحراس، ثم وجدت جثثهم ملقاةً قرب جسر فى حى شيعى فى العاصمة، وهو ما يذكرنا بالميليشيات التى قامت بعمليات قتل لا حصر لها خلال الحرب الأهلية فى العراق.
وسارع القادة السنة بإلقاء اللوم على الميليشيات الشيعية فى قتل «الجنابي»، الذى كان يحاول تعزيز المصالحة بين الطوائف الشيعية والسنية، وحتى إن لم تكن الميليشيات الشيعية مسئولةً عن هذا الهجوم، فهى تعوق مجهودات تقليص التوترات الطائفية، وتقلل من فرص الحكومة المركزية فى طمأنة الأقلية السنية خائبة الأمل.
وإذا كان لرئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أى أمل فى إصلاح العلاقات مع السنة، وإقناعهم بالانقلاب على الدولة الإسلامية، ينبغى عليه أن يكبح جماح الميليشيات الشيعية التى تتصدر قتال الجهاديين السنيين، خاصة أنه خلال هذه العملية يتم تهميش المجتمع السنى من خلال ارتكاب المزيد من الأعمال الوحشية.
ورداً على مقتل «الجنابي»، أعلنت اثنتان من الكتل البرلمانية التى تشمل النواب السنة مقاطعة البرلمان لمدة أسبوع على الأقل، وفى الوقت نفسه تحقق حكومة العبادى فى مقتل الشيخ، وتلقى الكتلتان اللتان تحتويان على 75 نائباً، وتتضمنان بعض النواب الشيعة، باللوم على العبادى وحكومته فى «انهيار الأمن»، وترك القتلة والخارجين على القانون لارتكاب جرائم التطهير العرقي.
وينبغى على العبادى أن يطمئن السنة بأنه قادر على محو إرث الانقسام والطائفية الذى خلفه سلفه، نورى المالكي، ومنذ أن تولى العبادى المنصب فى سبتمبر الماضي، قدم القادة من السنة عدة طلبات منها العفو عن عشرات الآلاف من السنة المسجونين دون محاكمات فى معظم الحالات أثناء فترة حكم المالكى؛ بدعوى محاربة الإرهاب، كما طالبوا بنفوذ أكبر فى الحكومة الجديدة، ووقف قصف المدن السنية، ودور أكبر فى قوات الأمن العراقية التى طهرها المالكى من كبار الضباط السنة.
واستجاب العبادى لبعض الطلبات، وأفرج عن المسجونين، وأمر بوقف القصف، ولكن الميليشيات الشيعية خارجة على سيطرته، ويخشى الكثير من السنيين الذكريات التى تثيرها عودة الميليشيات الشيعية، والتى تحمل صور عمليات خطف كثيرة، وتعذيب، وقتل السنة أثناء الحرب الطائفية فى العراق من 2005 حتى 2008.
وأشار تقرير حديث لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى أن الميليشيات الشيعية نفذت عمليات هجومية جديدة ضد داعش فى الأشهر الأخيرة، وصعّدت الانتهاكات فى المناطق السنية، وتم اتهامها بإجبار آلاف السنيين على ترك منازلهم، وخطف أو احتجاز مئات السكان، وإعدام 72 مدنياً فى مقاطعة ديالى.
وفى ديسمبر الماضي، نشر العبادى مقالاً فى صحيفة «وول ستريت جورنال» تعهد فيه بـ«إخضاع جميع الجماعات المسلحة لسيطرة الحكومة… وألّا تعمل أى جماعة مسلحة سوى بالتوازى مع القوات الأمنية العراقية»، ولكن حتى الآن، فشل العبادى فى الوفاء بوعده، ووفقاً لبعض المقاييس، تعد الميليشيات الشيعية هى القوة العسكرية المهيمنة فى محاربة داعش، متجاوزةً بذلك الجيش العراقى ذا المعنويات المنهارة.
وتعتمد الكثير من الميليشيات الشيعية على إيران للحصول على الأسلحة والتمويل والتدريب، ومنذ اكتساح الدولة الإسلامية لشمال العراق فى يونيو الماضي، تحركت إيران لحماية حكومتها الشيعية من تهديد الجهاديين.
وسافر الجنرال قاسم السليماني، قائد فرقة القدس التابعة للحرس الثوري، إلى بغداد فى بداية الأزمة لتنسيق عملية الدفاع عن العاصمة مع الساسة العراقيين والقادة العسكريين.
ولعب على السيستاني، أحد أكبر المرجعيات الشيعية فى العراق، دوراً كبيراً فى حشد الشيعة ضد الجهاديين، وكانت الاستجابة فوريةً حيث توجه عشرات الآلاف من المتطوعين من الشيعة لمراكز التجنيد للتسجيل فى قوات الأمن العراقية أو الميليشيات، ورغم دعوة السيستاني للعراقيين للمحاربة تحت لواء الحكومة المركزية، فقد تصدرت الميليشيات الشيعية المشهد.
وفى إشارة إلى قلقه المتزايد من اعتداءات القوات الشيعية، أصدر السيستانى بياناً فى 12 فبراير الجارى دعا قوات الأمن والميليشيات لعدم ارتكاب أعمال وحشية ضد المدنيين.
وتهدد القوة المتنامية للميليشيات بتقويض سلطة العبادي، وتدمير أحد أهم أهدافه ألا وهو طمأنة السنة على أن الحكومة المركزية سوف تحمى مصالحهم، ويمكن أن يصر العبادى على أن تضغط الحكومة الإيرانية– التى تمتلك أكبر تأثير على الميليشيات الشيعية لأنها المصدر الرئيسى للتسليح والتمويل– على قادة الميليشيات للإذعان لقيادة قوات الأمن العراقية.
كما يمكن أن يقوم العبادى من جانبه بالتعهد بملاحقة المقاتلين الشيعة وعناصر قوات الأمن الذين ارتكبوا فظائع قضائياً، ما قد يشكل رادعاً للاعتداءات المستقبلية.
وإذا لم يستطع العبادى والسيستانى تلجيم الميليشيات، فسوف يُكتب على العراق مصير لا نهاية له من العنف الطائفى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «رويترز»








