بقلم: مالك سلطان
خبير الاستثمار المباشر
يدرك كثير من المستثمرين أن مصر بلد كبير يتجاوز عدد سكانه الـ85 مليون نسمة، ما يجعله سوقاً ضخماً للطلب على العقار والطاقة والغذاء، ظهر هذا بوضوح فى المنافسة الشرسة لشراء شركة بسكو مصر، وأيضاً فى الطلب المستمر على العقار واستمرار المشاريع الحكومية والخاصة فى قطاع الطاقة، لكن السوق المصرى يعرض أيضاً فرصاً استثمارية أخرى كثيرة قد لا يراها كثيرون على الرغم أن عوائدها مضاعفة ولكنها فقط متاحة لمن يستثمرون بإبداع.
السوق المصرى يتميز بأنة سوق ناشئ وبه كثير من التحديات، لكنها تحديات تفتح مجال عوائد مضاعفة للمبدعين، فهو سوق يعتمد بشدة على التعامل النقدى ما قد يبطئ حركته ويقلل مكاسبه ولكن يخلق فرصة هائلة لمن هم قادرون على خلق شبكات تتعامل بكفاءة مع النقد، هو أيضاً سوق به صناعات كثيرة مفتتة ما يخلق عدم كفاءة ولكن يخلق أيضاً مجالاً واسعاً لهؤلاء القادرين على تجميع المفتت وخلق كيانات كبيرة، هو سوق منفتح على العالم ولكن ينقصه كثير من الشركات التى تطبق معايير دولية ما يفتح فرصة لهؤلاء الذين يطبقون المعايير الدولية ويجذبون شركات دولية تريد أن تتعامل فى مصر، هو سوق به طبقة وسطى متزايد عددها ولكن الخدمات أساساً فى القاهرة ما يخلق مساحة نمو كبيرة لمن يريد أن يتوسع فى أقاليم قد يكون بها طلب ونقص شديد فى الخدمات المقدمة.
الفرص التى توفرها تحديات السوق المصرى هى الفرص التى تحتاج إلى استثمار بإبداع وتحقق عوائد مرتفعة ولكنها هى أيضاً نفسها الفرص التى تحتاج لصبر وفريق إدارة مميز.
الواقع يخبرنا أن هؤلاء المستثمرين الذين قرروا الاستفادة من التحديات الموجودة والاستثمار بإبداع وتصميم فى مصر حققوا عوائد أعلى بكثير من المعتاد، وهناك نماذج كثيرة لمثل هذة الشركات توضح حجم الفرص الضخمة الموجودة.
أولاً: شركة فورى
الشركة عمرها 5 سنوات وبدأت بفكرة التعامل مع النقد فى المدفوعات، فمصر الذى يبلغ حجم اقتصادها 2400 مليار جنيه منها ما لا يقل عن 1000 مليار يتم تداولها نقداً فى الشراء والبيع، هى سوق خصب جداً لمن يستطيع تجميع هذا النقد بكفاءة أكبر، بدأت الشركة كوسيط بين شركات المحمول والمشتركين الذين يريدون دفع فواتير تليفوناتهم، بإبداع شديد نجحت الشركة فى بناء شبكة تحصيل فواتير مربوطة بأكثر من 40 ألف نقطة تحصيل، نقاط التحصيل هى البقال والصيدلية والكشك المنتشرة فى كل أنحاء مصر، ومربوطة مع شبكة فورى بـPOS تعمل بشريحة محمول، أى شخص يستطيع الآن أن يذهب للبقال المجاور لمنزله ويدفع فاتورة المحمول والإنترنت ويتبرع لجمعية خيرية ويدفع فاتوة الكهرباء والمياه وربما مصاريف المدارس.
كلل نجاح الشركة بتوقيعها اتفاقاً مع وزارة الداخلية بتحصيل غرامات المرور ما يسهل جداً تعامل صاحب السيارة مع تجديد رخص السيارة فى بلد به أكثر من 7 ملايين سيارة، إبداع فورى هو فى إقناعها ما يفوق الـ40 صاحب محل صغير فى دفع مبلغ الفواتير المحصلة نقداً مقدماً ليستفيدوا من شبكة فورى، وبالتالى تتسارع دورة التحصيل لشركات المحمول والكهرباء والمرور وغيرهم، إدارة فورى تتوقع وصول نقاط التحصيل إلى 70 ألف نقطة خلال الـ24 شهر القادمة، كما أن الشركة تتوسع بقوة فى فكرة التحصيلات التجارية بين كبار التجار وصغارهم مستفيدة من شبكتها وانتشارها فى كل أنحاء مصر.
نجاح فورى المميز فى مجال تقريبا لا يوجد به منافس فى مصر تكلل بدخول مؤسسة التمويل الدولى كمساهم فى الشركة ومع تضاعف صاف أرباح الشركة «كلها ارباح نقدية وليس فقط محاسبية» تم تقييم الشركة من طرف ثالث محايد بقيمة تزيد على 7 أضعاف ما دفعه المستثمرون الأوائل مع احتمالات نمو متضاعف فى الـ5 سنوات القادمة.
ثانياً: شركة أسطول للنقل التجارى
قطاع النقل التجارى فى مصر قطاع كبير وينقل غذاء ودواء ومواد بناء وملابس لـ85 مليون إنسان، لكنة قطاع متهالك مفتت تسيطر عليه الملكية الفردية لسيارات نقل قديمة ما أدى لاهتمام مجتمعى شديد نتيجة حوادث الطرق التى تسببها هذة السيارات، لذا قامت شركة راية القابضة وهى شركة قابضة لديها استثمارات متنوعة فى مجال التكنولوجيا والعقار الذكى ومراكز الاتصال بتأسيس شركة أسطول.
قامت شركة أسطول على فكرة أن الشركات الصناعية الكبيرة وكبار المستوردين والمصدرين فى مصر يحتاجون لشركة نقل متطورة، شركة لها سيارات نقل حديثة ومربوطة بنظام اتصال متطور ويقودها سائقون مدربون محترفون هم جزء من فريق شركة واحدة، كانت البداية صعبة جداً خاصة فى توظيف فريق السائقين وشراء العربات، لكن مع عزم الإدارة ودعم المساهمين نجحت الشركة فى توقيع عقود نقل طويلة الأمد مع مصنعى أسمنت وزجاج ومستوردى حبوب، احتاج هؤلاء العملاء لشركة يثقون فيها ولديها سيارات متطورة مربوطة مع عمل المخازن، نجحت شركة أسطول فى تطوير علاقاتها مع مصنعى سيارات النقل لتشترى منهم سيارات مجهزة حسب احتياجات عملاء بأعينهم فى عقود نقل طويلة الأمد، نجاح الشركة كان مبهراً لشركات التأجير التمويلى التى أقبلت على تمويل الشركة ليصل أسطول الشركة إلى 120 سيارة نقل فى أقل من 5 سنوات.
تطورت علاقة شركة أسطول مع عملائها وبدأت تعرض عليهم خدمات مكملة للنقل تشمل التخزين بل التجارة فى بعض المدخلات لصالح العملاء، نجاح الشركة شجعها على الحصول على أرض مميزة فى منطقة خليج السويس تتمتع بمميزات ضريبية من أجل إكمال منظومة الخدمة لعملائها خاصة فى ميناء العين السخنة الأقرب للقاهرة، مبيعات الشركة حققت نمواً يفوق الـ%100 فى 2014 وحدها مع تضاعف صافى أرباحها ليحقق عائداً على رأس المال أضعاف ما كان مخططاً له .
ثالثاً: «إيجيترانس» وتنظيف الأيزو تانك
مثال آخر فى النقل واللوجستيات من شركة إيجيترانس التى تعمل فى الشحن وخدمات الوكالة خلال الـ40 سنة الماضية، لكن إداراة الشركة لاحظت أن الشركات الدولية فى نقل السوائل أصبحت تعتمد أكثر على الأيزو تانك بدلاً من البراميل، أصبح يأتى لمصر سنوياً ما لا يقل عن 12 ألف أيزو تانك تنقل مواد بترولية وكيماوية وزيوت ولكن هذه الأيزو تانك تعود لبلدانها خاوية ما يضاعف من تكاليف النقل «الأيزو تانك هو container لكن تحمل السوائل».
هذه الأيزو تانك التى تأتى لمصر محملة بزيوت ومواد كيماوية وبترولية مستوردة من الممكن أن تعود لبلدانها أو بلدان أخرى محملة بعصائر أو ألبان أو زيوت ومواد كيماوية أخرى مصنعة فى مصر، لكن لا يوجد فى مصر من يستطيع تنظيف هذه الأيزو تانك حسب المعايير الدولية، أيزو تانك قادمة لمصر تحمل مواد كيماوية لا يمكن قبولها فى أوروبا عائدة تحمل عصائر من مصر أو مواد كيماوية أخرى مصنعة فى مصر وتتفاعل بقايا المواد الكيماوية التى كانت مصدرة لمصر، هنا قررت إيجيترانس تأسيس شركة EDS.
شركة متخصصة فى تنظيف الأيزو تانك وإصلاحها، الشركة الوحيدة من نوعها فى مصر ومنافسوها شركات كانت تحاول تنظيف الأيزو تانك بمجرد الماء وطرق بدائية، استقدمت الشركة خبراء من هولاندا لتدريب فريقها، تم تدريب الفريق على المواد الكيماوية وإجراءات الأمن والسلامة اللازمة لتنظيف الأيزو تانك، كان وجود الشركة مبهراً لشركات النقل الدولية التى تستخدم الأيزو تانك، بدأت الشركات الدولية بحرص فى تجربة خدمات الشركة وإحضار خبراء لقياس مدى نجاح الشركة فى فى تنظيف الأيزو تانك، كما يتم فى موانئ قبرص وإيطاليا أم لا، كانت المفاجأة لهم أن الشركة تتبع كل المعايير الدولية فى تنظيف الأيزو تانك وأن الأيزو تانك التى تنظفها الشركة من الممكن إعادة تصديرها من مصر تحمل سوائل غذائية أو مواد كيماوية أخرى ما يضاعف أرباح شركات النقل.
كان نجاح الشركة مبهراً وحققت عوائد توازى رأسمالها فى خلال سنتين ونصف السنة فقط، كما أصبح أغلب الشركات الدولية التى تستخدم الأيزو تانك لتصدير بضائع لمصر تعتمد على شهادة التنظيف القادمة من EDS لتقوم بإعادة استخدام الأيزو تانك خروجاً من مصر محملة بسوائل مصنعة فى مصر تصدر أساسا إلى أوروبا وتقوم الشركة حالياً بمضاعفة قدراتها لمواجهة الطلب المتزايد على خدماتها.
رابعاً: شركة القاهرة للخدمات التعليمية
ما يفوق الـ18 مليون طالب فى مصر مع تزايد إنفاق الطبقة الوسطى على التعليم يجعل الاستثمار فى التعليم أمراً جذاباً جداً، لكن السوق التعليمى فى القاهرة أصبح تنافسياً جداً وأسعار أراضى المدارس تمثل جزءاً كبيراً من التكلفة الاستثمارية، ولكن تاريخ شركة القاهرة للخدمات التعليمية وشركتها الأم القاهرة للاستثمار هو تاريخ مختلف.
منذ حوالى 15 سنة قرر مساهمو الشركة الاستثمار فى التعليم بعيداً عن قلب القاهرة، كان الرهان أن ساكنى القاهرة يتمددون وأن المستقبل للمناطق الجديدة، صدق رهان الشركة وأسست مدارس المستقبل فى أقصى مدينة نصر شرق القاهرة، مع مرور الوقت نمت مدينة نصر من منطقة لا يوجد بها إلا بضع عمائر إلى واحدة من أزحم مناطق القاهرة وأكثرها فى الكثافة السكانية للطبقة الوسطى، على مدار 15 سنة توسعت المدرسة ووصل عدد طلابها إلى 7 آلاف طالب لتصبح الأكبر والأشهر فى المنطقة وتحقق الشركة عوائد على رأسمالها تتجاوز الـ%100.
وتقوم الشركة مع شركتها الأم القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية بتكرار التجربة فى مدن الدلتا والبحر الأحمر، تراهن الشركة على خطط النمو الحكومى فى مدن متعطشة للتطوير مثل الغردقة ودهب والسويس ودمياط والمنصورة والمنيا وأسيوط، حيث تتميز هذه المدن بحركة تجارية متصاعدة وإقبال كبير من العائلات على زيادة الإنفاق التعليمى لتحسين فرص المستقبل لأولادهم، فكانت الخدمة التعليمية المتميزة التى تعرضها الشركة فى هذه المدن مسلحة بخبرة 15 سنة عامل جذب كبير، إحدى المدارس الجديدة حققت امتلاء كاملاً لكل الفصول فى 3 سنوات فقط مقارنة بمتوسط امتلاء 6 سنوات فى المدارس المماثلة بأحياء القاهرة ما يعنى عائداً مضاعفاً.
المثير فى كل هذه الشركات أنها حصلت بشكل مباشر أو غير مباشر على تمويل عن طريق طرح أسهم فى البورصة المصرية، البورصة المصرية التى حققت عائداً يفوق الـ%30 فى 2014 تمثل سوقاً خصباً جدا لتمويل الشركات التى تستثمر بإبداع، حيث تم تعديل قواعد القيد بشكل يسهل قيد الشركات سواء مؤسسة حديثاً أو تأسست عن طريق الإدراج أو زيادة رأس المال للشركات القائمة، ما يجعل البورصة الوسيلة الأمثل للاستفادة بعوائد الاستثمار بإبداع فى مصر لما تطرحه من سهولة جمع رؤوس الأموال والدخول والخروج.
