بقلم: عمر المنير
شريك الضرائب فى «برايس ووترهاوس»
«إنه الاقتصاد يا غبى».. كانت هذه العبارة الشهيرة عنوان حملة بيل كلينتون الانتخابية، والتى حقق كلينتون بها فوزاً كاسحاً فى الانتخابات، وحكم أمريكا لفترتين رغم النجاح الهائل الذى حققه منافسه بوش الأب بالإطاحة بالاتحاد السوفيتى، والانتصار فى حرب الخليج الأولى.. هذه العبارة يمكن تعديلها- بصورة أكثر لياقة- ليصبح شعار الدولة المصرية فى الفترة القادمة «إنه الاستثمار يا عزيزى».. فالاستثمار هو قاطرة التقدم الاقتصادى لأى دولة وخاصة الدول النامية ومن بينها مصر.
وتكاد تجمع كافة الدراسات المالية والاقتصادية بشأن العوامل المؤثرة فى تشجيع الاستثمار على أن استقرار السياسة الضريبية ووضوحها يأتيان فى مرتبة متقدمة ضمن تلك العوامل سابقاً على سعر الضريبة أو الإعفاءات والحوافز الضريبية.
لذلك فقد أدى عدم وضوح السياسة الضريبية لمصر خلال السنوات القليلة الماضية إلى تدهور ترتيب مصر فى مؤشر دفع الضرائب ضمن تقرير «سهولة ممارسة الأعمال» الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولى، لتأتى مصر فى المركز 149 بين 189 دولة على مستوى العالم، وفى المركز 14 على مستوى دول الشرق الأوسط.
وحسناً فعلت وزارة المالية بإعلانها أنها ستطرح خلال المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ رؤية متكاملة بشأن سياسة ضريبية طويلة الأجل، تضع أسس النظام الضريبى لمدة خمس سنوات على الأقل، بحيث تلتزم بها وزارة المالية بغض النظر عن تغيير الحكومات.. مثل هذا الطرح سوف يخلق– فى رأيى- قدراً من اليقين والشفافية يساعد المستثمر سواء المصرى أو الأجنبى على اتخاذ قراراته الاستثمارية وحساب العائد المتوقع على استثماراته وتكلفتها- بما فيها الضرائب- دون الخوف من مفاجآت يمكن أن تربك المستثمر، وتؤثر سلباً على إمكانية اتخاذه القرارات بالشكل والتوقيت المناسبين.
ويثور التساؤل دائماً عن دور الحوافز والإعفاءات الضريبية فى جذب الاستثمار، ويأتى الرد من خلال الدراسات السابق الإشارة إليها التى تضع الإعفاءات الضريبية فى مرتبة متأخرة كإحدى وسائل جذب الاستثمارات، وهو ما ثبت بالتجربة عندما تم إلغاء الإعفاءات الضريبية فى مصر عام 2005، ولم تنخفض الاستثمارات بل على العكس زاد صافى تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر ليصل الى أعلى مستوياته فى 2007 بقيمة تصل الى 11 مليار دولار.
فالحوافز والإعفاءات الضريبية تمثل فى كثير من الأحيان تشوهاً فى النظام الضريبى، لذلك يجب التعاطى معها بحذر شديد باعتبارها وسيلة وليست هدفاً فى حد ذاتها، وبالتالى فإن مبدأ منح الإعفاءات الضريبية أو إلغائها على إطلاقها كلاهما خطأ، وإنما يجب أن تتقرر الإعفاءات أو الخصومات الضريبية عبر دراسات علمية دقيقة وتفصيلية يتم على أساسها تحديد أنواع كل من الدخول والجهات والأنشطة المستحقة للإعفاء، والأهم من ذلك إجراء مقارنة بين الأثر الاقتصادى لمنح الإعفاء أو الخصم الضريبى وبين تكلفته الاقتصادية Tax expenditure أى تحديداً المقارنة بين العائد الاقتصادى المتوقع لمنح الإعفاء وبين الإيرادات الضريبية التى سوف تخسرها الدولة.
فى المقابل فإن استقرار المنظومة الضريبية وإصلاح التشريع الضريبى وتطوير الإدارة الضريبية تمثل أهم عناصر تشجيع الاستثمار بالطبع الى جانب كل من الاستقرار السياسى والاقتصادى والأمنى.
لذلك فمن أهم الملامح الإيجابية لتعديلات قانون الاستثمار، أنه تضمن مجموعة من الحوافز غير الضريبية لجذب الاستثمار فى نفس الوقت الذى لم يتضمن أي حوافز أو إعفاءات ضريبية مؤثرة باستثناء بعض المزايا الضريبية المحدودة والوارد أغلبها فى قوانين الضرائب، مثل تحديد سعر ضريبة المبيعات على الآلات والمعدات المستخدمة فى الإنتاج بنسبة خمسة بالمائة، بالإضافة الى رد ضريبة المبيعات على الآلات والمعدات التى تستخدم فى إنتاج سلعة أو أداء خدمة خاضعة للضريبة عند تقديم أول إقرار ضريبى، وكذلك النص على خصم نسبة 30 بالمائة من تكلفة الآلات والمعدات المستخدمة فى الاستثمار بناءً على طلب الممول عن الفترة الضريبية الأولى.
وتضاف هذه الإعفاءات إلى ما ورد فى قانون الضرائب الحالى من حوافز ضريبية مشجعة للاستثمار فى القطاع الزراعى، حيث تعفى الشركات التى تعمل فى مجال استصلاح او استزراع الأراضى من الضريبة على الدخل لمدة عشر سنوات.
وقد تضمنت التعديلات عدداً من الحوافز غير الضريبية من أهمها نظام الشباك الواحد، والذى يهدف الى توحيد كافة النماذج الرسمية الخاصة بشئون الاستثمار بالتنسيق مع الجهات المختصة، وتوفيرها للاستخدام إلكترونياً، بحيث يكون تعامل المستثمر مع جهة واحدة، ما يخفض الوقت المطلوب للتعامل مع الإجراءات المختلفة، ويقلل التدخل الشخصى للمسئولين، ويحمى المستثمر من المعوقات البيروقراطية والتأثيرات السلبية لمنظومة الفساد، حيث تقوم الهيئة العامة للاستثمار باستيفاء كافة التراخيص والموافقات الخاصة نيابة عن المستثمرين فى المشروعات التى تستثمر فى مجالات تحدد بقرار من رئيس الجمهورية.
كما يحمى القانون المستثمر من الخضوع للعقوبات الجنائية عن أى مخالفات يرتكبها فرد فى الشركة، ما يعنى عدم اتخاذ أحكام جنائية ضد المستثمرين حسنى النية ما لم يرتكبوا مخالفات بأشخاصهم.. قبل ذلك كان رئيس الشركة يتحمل المسئولية عن أى مخالفة يرتكبها أى فرد فى الشركة، أما الآن فستكون المسئولية على الشركة «فى صورة غرامة أو إيقاف أو إلغاء ترخيص مزاولة النشاط»، بالإضافة إلى مرتكب المخالفة نفسه.
ويضمن القانون تسهيل اجراءات الدخول والخروج للمستثمر، حيث ينص القانون على براءة ذمة المستثمر من أى التزامات تجاه الجهة الإدارية بعد فوات 120 يوماً فقط من تاريخ تقديمه لطلب تصفية الشركة أو التخارج منها دون موافاته ببيان لهذه الالتزامات.
فى النهاية يجب التأكيد على أن تحقيق التنمية الاقتصادية يتطلب خلق مناخ ملائم لجذب الاستثمارات باختلاف أنواعها، وعلى الحكومة صياغة سياسة ضريبية مستقرة يمكن من خلالها تشجيع تدفق الاستثمارات أخذاً فى الاعتبار أنه لا يشترط أن تتبع الدول سياسات ضريبية متماثلة، وإنما لكل دولة تحديد السياسات والآليات التى تحقق أهدافها وتلائم ظروفها.








