مليارات القمة تتجاهل الصعيد والصحة والتعليم والغذاء
مديرو الاستثمار: قدمنا مشروعات فى «الجنوب» والمؤتمر لم يعرضها
بينما توالت الاحتفالات والتهانى بنجاح المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ ؛ نتيجة جذب استثمارات بمليارات الدولار، ظهرت علامات الاستفهام حول غياب قطاعات اقتصادية جاذبة للاستثمارات بطبعها عن موائد شرم الشيخ العامرة بالمستثمرين.
وشملت علامات الاستفهام غياب المشروعات التى عرضت فى القمة عن أحد أهم الأجزاء من خريطة مصر، وهو الجزء الخاص بالصعيد.
وتركزت المشروعات فى شرم الشيخ على التطوير العقارى ومشروعات الطاقة الضخمة، وتوزعت غالباً فى محيط القاهرة والساحل الشمالى، بالنسبة للمشروعات العقارية، وعلى أماكن مختلفة من الخريطة بالنسبة لمشروعات الطاقة.
وفى الوقت الذى سيطال الصعيد نصيب من مشروعات إنتاج الكهرباء، فإن المنطقة تفتقر للمشروعات كثيفة التشغيل، وهو ما لا يتوافر فى مشروعات الكهرباء.
وقال مسئولو الاستثمار فى محافظات الصعيد، إنهم لم يقصروا فى تحديد مشروعات يمكن ترويجها أثناء القمة، لكن حقيقة أن معظم المشروعات التى وقعتها الحكومة كانت مروجة قبل عقد المؤتمر، ما جعل مشروعات المحافظات عرضة للتجاهل.
قال المهندس أحمد جبر، رئيس إدارة الاستثمار بمحافظة المنيا، إن المحافظة أرسلت ملفاً شاملاً عن فرص الاستثمار المتنوع بين صناعى وزراعى وسياحى، لكنها لم تلق سوى التجاهل التام، ولم تعرض مثل بقية مشروعات محافظات الصعيد.
وترتفع معدلات الفقر فى محافظات الصعيد وتقل فيها فرص العمل، ويضطر أبناؤها للنزوح شمالاً للحصول على عمل يعوض الفقر وضيق الرقعة الزراعية هناك.
وتوجد فى محافظات الصعيد النصيب الأكبر من القرى الألف الأكثر فقراً فى مصر، كما يوجد بينها أكثر محافظات الجمهورية فقراً، وهى أسيوط التى يبلغ معدل الفقر فيها %60، مقابل %24 متوسط الفقر على المستوى الوطنى.
وتبلغ معدلات الفقر فى سوهاج %55، وقنا %58، والمنيا %30، وفقاً لأرقام وزارة التخطيط مطلع العام المالى الحالى، بالرغم من أن معدلات البطالة هناك أقل من المعدل على المستوى الوطنى.
وقال جبر، إن المناطق الصناعية فى محافظات الصعيد هى الأقل ترفيقاً، مقارنةً بنظيراتها بباقى المحافظات، مشيراً إلى أن المحافظة لديها عدد من طلبات المستثمرين ولكنها تنتظر موافقة هيئة التنمية الصناعية.
وأكد مجدى عبدالرحيم، رئيس جمعية رجال أعمال أسيوط، أن سياسة تهميش الصعيد مستمرة، مشيراً إلى أن أهل الصعيد كان لديهم أمل فى تخصيص إحدى جلسات المؤتمر عن الاستثمار فى محافظات الجنوب.
وأضاف أن الصعيد متعطش للاستثمار، ولديه فرص واعدة للنمو، مشيراً إلى أن المحافظات قدمت جميع الفرص المتاحة للاستثمار فيها، لكن المؤتمر لم يتطرق من بعيد أو قريب لهذه الفرص، ولا حتى عن مشروع قومى خاص يخدم أهل الجنوب.
وأرجع محمود الشندويلى، رئيس جمعية مستثمرى سوهاج، غياب الصعيد عن المشهد فى المؤتمر الاقتصادى إلى أن معظم المشروعات التى تم عرضها هى مشروعات قومية وبنية تحتية فى مجالات الطاقة والبترول والكهرباء، ولم يحظ الاستثمار الصناعى عموماً بفرصة ترويج كبيرة؛ بسبب نقص الطاقة ونقص الأراضى المرفقة، وبالتالى فإن المشروعات التى تم عرضها تخدم الاستثمار الصناعى على المدى الطويل، وسوف يكون للصعيد نصيبه العادل منها مستقبلاً.
وقال سطوحى مصطفى، رئيس جمعية مستثمرى أسوان، إن المحافظة تقدمت بأربعة مشروعات، تمت الموافقة على مشروع واحد، وهو إنتاج الأسمدة، ورغم ذلك ستستمر المحافظة فى التروج لهذه المشروعات بالتعاون مع هيئة الاستثمار فى ظل المناخ الإيجابى الذى حدث للاقتصاد والتشريعات الجديدة الجاذبة للاستثمارات. وبالانتقال إلى توزيع الاستثمارات على القطاعات، يلاحظ أن قطاعين جاذبين مثل الصحة والصناعات الغذائية غابا عن التدفقات الضخمة التى أعلن عنها فى شرم الشيخ.
قال أحمد صقر، رئيس مجلس إدارة شركة صقر للصناعات الغذائية، إن استبعاد طرح مشروعات الصناعات الغذائية فى المؤتمر الاقتصادى يرجع إلى عدة أسباب من بينها تركيز الحكومة حالياً على طرح المشروعات القومية العملاقة، وذلك على الرغم من أهمية الاستثمار فى الصناعات الغذائية باعتبارها من الاستثمارات التى تأتى بنتائج سريعة، لكن وجود جهات رقابية متعددة على القطاع من أهم العقبات التى تقف أمام الاستثمار فى هذا المجال.
وأوضح صقر، أنه لا تزال الفرصة قائمةً أمام المستثمرين فى قطاع الصناعات الغذائية، مطالباً الحكومة بتذليل العقبات، والتى أبرزها البيروقراطية وصعوبة الحصول على أراضٍ وتوفير التمويل.
وأرجع رأفت رزيقة، عضو المجلس التصديرى للصناعات الغذائية، عدم الاهتمام بالقطاع خلال القمة إلى كثرة المشاكل التى يعانى منها القطاع، وبجانب تداخل التشريعات المنظمة وعدم اهتمام الدولة به رغم تعطشه للاستثمار.
وامتد غياب الاستثمارات فى القطاع الغذائى حتى إلى الشركات الخاصة، وباستثناء الاتفاق الذى أعلن بين بيبسيكو وبيتى بقيمة 500 مليون دولار لإنشاء مصنع للمنتجات الغذائية فى النوبارية لم يعلن عن شىء ذى قيمة فى المؤتمر لهذا القطاع. يأتى هذا بالرغم من المنافسة الشرسة التى شهدها القطاع للاستحواذ على شركات فيه خلال الفترة الماضية، وصلت إلى حد فتح مزادات بين المتنافسين للفوز بالصفقات.
وفى سياق آخر، فشلت وزارة الصحة فى الترويج لمشروعين فى القطاع الطبى باستثمارات تصل لنحو 1.4 مليار جنيه.
ورفضت الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات «فاكسيرا»، صاحبة النصيب الأكبر من هذه المشروعات التعليق على عدم توقيع عقود واتفاقيات المشروعات التى طرحتها وزارة الصحة فى القمة الاقتصادية.
وقالت مصادر بالشركة، إن وزير الصحة عادل عدوى هو الوحيد الذى يجب سؤاله عن عدم توقيع عقود أى من المشروعات التى تم عرضها خلال القمة.
قال عمرو الألفى، رئيس قسم البحوث بشركة مباشر لتداول الأوراق المالية، إن إغفال الحكومة لمشروعات القطاع الصحى فى شرم الشيخ، ربما كان نتيجة أولويات الاستثمار فى الفترة المقبلة، حيث كان التركيز فى المقام الأول على قطاع الطاقة الذى تعانى فيه مصر عجزاً شديداً أثر بشكل مباشر على جميع القطاعات الاقتصادية.
وأضاف أن وزارة الصحة ربما لم تكن لديها مشروعات شراكة مكتملة الدراسة لعرضها داخل المؤتمر، خاصة أن مشروعات القطاع الصحى الحكومية لا تُدر ربحاً؛ نظراً إلى الدعم الحكومى الموجه لمستشفيات القطاع العام، وبالتالى فإن الاعتماد فى إنشاء تلك المشروعات ربما يرتكز فى المقام الأول على القروض والمنح وتمويلات الموازنة العامة.
وقال أسامة رستم، عضو مجلس إدارة غرفة الدواء، إن غياب مشروعات القطاع الصحى عن مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى أمر طبيعى، موضحاً أن المشروعات التى تم طرحها فى القطاعات المختلفة مشاريع واضحة جداً فى دراستها، وهو ما لا يتوفر فى مشاريع القطاع الطبى.
وقال عضو مجلس إدارة غرفة الدواء: «يجب أن تعلن المراكز المالية الدولية أولاً أن وضع الاقتصاد المصرى أصبح جاهزاً للاستثمار لجذب المشروعات فى القطاع الطبى».
وأكد هشام حجر، رئيس مجلس إدارة شركة «برج» للصناعات الدوائية، أن غياب مشروعات القطاع الصحى عن مؤتمر القمة الاقتصادية سببه أن القطاع الصحى لا يزال غير جاذب للاستثمار، مشيراً إلى أن المشروعات فى القطاعات الأخرى مثل العقارات أو الطاقة تحقق مكاسب مضمونة على عكس الاستثمار فى القطاع الطبى.
وأوضح عضو غرفة الدواء، أن الدراسات الخاصة بمشروعات الوزارة غير مكتملة، والأولى الاتجاه لتنمية وإعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال بما فيها الشركة القابضة للأدوية وشركاتها التابعة بدلاً من انتظار الاستثمار الأجنبى.
وتضاربت تصريحات وزير الصحة عادل عدوى عن مدى جاهزية المشروعات المعروضة على القمة، حيث أعلن قبل المؤتمر عن طرح مشروعين الحقن الآمنة ومشتقات الدم بتكلفة استثمارية تقدر بـ1.4 مليار جنيه.
وقال بعد المؤتمر، إن الوزارة ستقوم باستكمال الدراسات الفنية والاقتصادية للمشروعات، وإن السبب وراء عدم توقيع عقود لتنفيذ المشروعين هو عدم اكتمال دراسات الجدوى.
وفى سياق متصل، وقعت وزارة الصحة اتفاقية شراكة مع شركة جنرال إليكتريك على هامش المؤتمر الاقتصادى لوضع إطار عمل لتحسين أنظمة إدارة تقنيات الرعاية الصحية فى مصر، بما فى ذلك تأسيس مركز للتميز فى مجال الطب الحيوى.
أما قطاع التعليم، فقد كان أبرز الغائبين عن شرم الشيخ على مستوى كل من الحكومة والمستثمرين، ولدى مصر نظام تعليمى مهترئ يضم 20 مليون تلميذ، مقابل نقص كبير فى عدد المدارس وتكدس فى الفصول التى وصلت الكثافة فى الكثير منها إلى أكثر من 100 طالب.
وتقول الحكومة إنها تعانى نقص الأراضى اللازمة لإنشاء المدارس، وينص الدستور على تخصيص %5 من الناتج الحلى الإجمالى على التعليم سنوياً.