بقلم: فريد بيرجستن
قرار الصين بإنشاء بنك جديد للتنمية فى آسيا يثبت أنه مثير للخلاف على نحو كبير، إذ أثار البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، الذى من المقرر أن يفتح أبوابه أواخر العام الجارى، خلافات عميقة بين بكين وواشنطن، فترى الأخيرة أن البنك سيقوض المؤسسات الدولية القائمة، كما أنها ستكون وسيلة للتعبير على نحو أوسع عن المصالح الاستراتيجية الصينية، وأصبح أيضا البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية الآن مصدراً لخلاف كبير بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها الرئيسيين، بما فى ذلك المملكة المتحدة التى قررت أن تصبح عضواً مؤسساً فى المؤسسة الجديدة.
وأثار ذلك رد فعل غاضب فى واشنطن، وهو ما يعد تطوراً مؤسفاً يعكس خطأ فادحاً ارتكبته الولايات المتحدة فى اعتراض طريق بنك يهدف إلى المساعدة فى تلبية احتياجات آسيا لتريليونات الدولارات اللازمة للاستثمار فى الطاقة والنقل والاتصالات وغيرها من قطاعات البنية التحتية.
واتفقت الصين وعشرون دولة آسيوية أخرى فى أكتوبر الماضى على تأسيس البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، وستوفر بكين الجزء الأكبر من رأس المال، ويتضمن الأعضاء المؤسسين الهند، ثانى أكبر مساهم فى البنك، واثنين من دول الخليج، هما الكويت وقطر، وتم دعوة عدد من الدول غير الاقليمية ليكونوا أعضاء مؤسسين، وهو عرض رفضته الولايات المتحدة، التى ضغطت بعد ذلك على حلفائها بما فى ذلك أستراليا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية حتى لا ينضمون إلى البنك.
وترى واشنطن أنه ليست هناك حاجة لإنشاء بنك التنمية الجديد مع وجود البنك الدولى وبنك التنمية الآسيوي، وهناك همهمات تذمر فى واشنطن من أن القيادة الصينية فى البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية قد تتجاهل معايير الإقراض الدولية وتدعم مشروعات من شأنها أن تعزز المصالح السياسية، والعسكرية، الصينية.
وأخطأت الولايات المتحدة فى تبنى هذا الموقف، بينما ودعا الرئيس باراك أوباما لمزيد من استثمارات البنية التحتية الآسيوية، وتتطرق المؤسسات الدولية القائمة لتلك الاحتياجات تطرقاً سطحياً فضلا عن تبنيها أولويات أخرى فى السنوات الأخيرة، ويعد التنافس عاملاً جيداً فى الإقراض التنموى مثله مثل غيره من الأسواق، وهناك ما يبرر المخاوف بشأن عدم الالتزام بمعايير الشفافية ومكافحة الفساد ولكن وسيلة معالجة تلك المخاوف هى الانضمام إلى المؤسسة والعمل من الداخل، ومن غير المنطقى القول بأن انتقاده من الخارج سيكون أكثر فاعلية.
والأهم من ذلك أن هذه القضية تمثل مناوشة جديدة فى التنافس على قيادة الاقتصاد العالمى فى القرن الواحد والعشرين، ومن الطبيعى أن تريد الولايات المتحدة، بوصفها القوى الحالية، أن قيام الصين بدعم المؤسسات والقواعد الدولية التى قادتها منذ سبعين عاماً، فى حين أن الصين، بوصفها القوى الصاعدة، فمن الطبيعى أن تتحدى الوضع الراهن الذى لم يكن لها أى دور فيه وأن ترغب فى البدء فى تشكيل نظام تعدله بنفسها.
وحثت الولايات المتحدة الصين على ممارسة القيادة بنحو يتوافق مع اتساع قوتها وأن تقدم المزيد من الموارد لدعم التنمية وغيرها من الأهداف العالمية، وعندما سارت الصين فى هذه الاتجاهات، كما هو الحال مع البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، فكان من قصر نظر ونفاق الولايات المتحدة أن تسعى لمنعها، وهو ما أكده عدم قدرة إدارة أوباما على إقناع الكونجرس فى أربع سنوات لاعتماد تشريع يعزز دور الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة فى صندوق النقد الدولي، فضلا عن معارضتها لزيادة رأسمال بنك التنمية الآسيوى.
وعزز هذا العداء الأمريكى وجهة النظر الصينية فى أن الاستراتيجية الأمريكية تنص على احتواء وقمع الصين، الأمر الذى يزيد ولا يقلل من سلوك الصين غير المتعاون، وعلى النقيض، اتسمت المملكة المتحدة وغيرها من حلفاء أمريكا بالحكمة عند قبولهم دعوة الصين للانضمام إلى البنك.
ويتعين على الولايات المتحدة أن تغير مسارها، ويجب أن تنضم إلى البنك وتقنع الكونجرس بتوفير التمويل الصغير اللازم لحصة الأقلية، وينبغى أن تبارك رغبة أصدقائها فى آسيا وأوروبا للانضمام للمساعدة فى مواجهة أى إجراءات صينية غير مرغوب فيها.
ويجب أيضاً أن تشجع البنك الدولى والمقرضين الدوليين الحاليين للتعاون مع المؤسسة الجديدة تعاونا وثيقا، ليتسنى بعد ذلك لمبادرة البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية أن تلعب دوراً إيجابياً فى الاقتصاد العالمى والاستفادة من الرغبة الصينية المتنامية لممارسة القيادة العالمية البناءة.
المصدر: فاينانشيال تايمز
إعداد: نهى مكرم