كوان يو صنع من بلد بلا موارد مركزاً مالياً عالمياً وحكومة مستقرة
قاد لى كوان يو، الأب المؤسس لـ “سنغافورة” الحديثة الذى توفى مؤخراً عن عمر يناهز 91 عاماً، عملية تحويل مسار الثروات الاقتصادية فى البلاد، ونقلها من مستعمرة بريطانية إلى واحدة من أغنى الأماكن على كوكب الأرض.
ولد لي، عام 1923، وشغل منصب رئيس الوزراء عام 1959 عندما كانت سنغافورة عبارة عن مساحة صغيرةً جداً من الأرض، ولا يوجد بها أى من الموارد الطبيعية، وكان سكانها مزيجاً من الصينيين، والهنود، والملايو الذين يمّثلون حالياً الإقليم الغربى من ماليزيا، وكانت سنغافورة جزءاً من الأراضى البريطانية، وتعانى من أعمال العنف والاضطرابات.
وفى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى أظهر لي، مهارةً سياسيةً ممتازةً فى كيفية الحفاظ على استقلال سنغافورة فى مواجهة العداء الحقيقى من اثنتين من أكبر جيرانها إندونيسيا وماليزيا.
وذكر موقع السى إن إن، الأمريكى أن لى، يُنظر إليه باعتباره الرجل الذى حوّل موقعاً استعمارياً يعانى من الويلات والاضطرابات إلى مركز مالى وتجارى مزدهر بشوارع نظيفة، وناطحات سحاب متلألئة وحكومة مستقرة.
وعندما تولى لي، رئاسة الوزراء كان نصيب الفرد من الدخل فى سنغافورة أكثر قليلاً من 400 دولار، وها هو الآن يتخطى 56 ألف دولار.
وبرز لى، كواحد من رجال الدولة الكبار فى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقدّم سنغافورة كقوة اقتصادية، الأمر الذى أثبت أن ما يسمى «الموارد الطبيعية» لم تكن يوماً عائقاً، وليست ضرورية لتحقيق الازدهار.
وأثبت أن مفتاح التقدم يتمثل فى خلق بيئة مناسبة لاستغلال براعة الإنسان، وأكد أنه لن يتسامح مع الفساد؛ وقضى على نفوذ الأغنياء، وأحكم قبضته الصارمة على الإنفاق، وضغط باستمرار لتحصيل الضرائب لتعود بالنفع على جميع فصائل الشعب السنغافورى.
وبرهن لي، على أن المالية السليمة يمكن أن تتعايش مع فكر سليم من البرامج الاجتماعية، حيث عمل على تنفيذ برنامج إسكان قوى يتيح للمواطنين ذوى الدخل المنخفض شراء المنازل، وقدّم نموذجاً لكيفية إدارة الدعم الذى لا يؤدى إلى كوارث سكنية كالتى ابتليت بها الولايات المتحدة الأمريكية.
وتحت قيادة لى، طوّرت سنغافورة قواعد اللعبة مع واقع الحياة المرير، وكيف لبلد فقير أن يحقق الازدهار.
ولكن طالته بعض الانتقادات الموّسعة من قبل معارضيه، حيث كان شخصية مثيرة جذبت انتقادات واسعة بسبب خنقه حرية الإعلام ومعاملته القاسية لمعارضيه السياسيين.
وتأثر المجتمع الدولى بمختلف طوائفه بتفكير لى، وعلى رأسهم دنغ شياو بينغ، قائد جمهورية الصين الشعبية أثناء رحلته إلى سنغافورة عام 1978، حيث وفّر له مخططاً لإصلاحات اقتصادية بارزة فى الصين. وبعد عودته قام بوضع مبادئ لى فى العمل، وخلق مناطق تنمية اقتصادية على غرار سنغافورة بطول ساحل الصين ومن هنا بدأ التحديث التاريخى للصين.
وقال الرئيس الأمريكى باراك أوباما، خلال اجتماعه معه فى البيت الأبيض فى نوفمبر عام 2009، إنه واحد من الشخصيات الأسطورية فى آسيا فى القرن العشرين والواحد والعشرين، وساعد على تحريك العجلة الاقتصادية فى آسيا.
ونعاه أوباما قائلاً: “كان عملاقا حقيقياً سيذكره التاريخ للأجيال القادمة بأنه الأب الروحى لسنغافورة الحديثة وواحد من كبار الاستراتيجيين فى الشئون الآسيوية”.
وأكد شى جين بينغ، الرئيس الصينى أنه كان مؤسساً لسنغافورة، ورجل الدولة الذى كان يحظى باحترام واسع من قبل المجتمع الدولى ووصفه بالصديق القديم للشعب الصينى ورائد فى علاقات الدول.
واعتبره شينزو آبي، رئيس الوزراء اليابانى واحداً من أعظم القادة فى آسيا المعاصرة، وتحت تلك القيادة العظيمة حقق تطوراً مبهراً ودفع بلاده إلى الازدهار.
وذكره رئيس الوزراء الهندى نارندرا مودي، بأنه رجل دولة بعيد النظر وأسد بين القادة، وحياته تقدّم دروساً فى تعاليم قيم المجتمع.
وأفاد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بأنه على مدى عقود من العمل فى منصب رئيس الوزراء حصل لى، على الحب الصادق والاحترام من مواطنيه وفاز بأعلى النفوذ الدولي.








