بقلم: ريتشارد إن هاس
يقول مثل إنجليزى قديم «الكثير من الزلات تكون نتاج الكأس والشفاه»، ويقال هذا المثل عندما يبدو أمر ما منتهياً أو محلولاً، ولكنه ليس كذلك، وإذا لم يكن للفرس مثل هذا التعبير، فأتوقع أن يظهر لديهم قريباً.
والسبب بالطبع، يكمن فى العوامل المتغيرة فى «خطة العمل المشتركة الشاملة بشأن برنامج إيران النووي »، ويعد إطار الاتفاق الذى تبنته إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد معلماً سياسياً ودبلوماسياً مهماً، ولكنه يحتوى تفاصيل أكثر وأوسع فى النطاق مما يتوقعه البعض.
وعلاوة على ذلك، يترك نص الاتفاق علامات استفهام لا تقل عن القضايا التى تناولها، ففى الواقع، لم تتم تسوية القضايا الرئيسية، كما ستوضح الأسابيع والأشهر والسنوات القادمة، بل من الأقرب القول بأن المناقشات الحقيقية بشأن الاتفاق النووى الإيرانى بدأت للتو.
وهناك ما لا يقل عن خمسة أسباب تهدد دخول الاتفاق حيز التنفيذ أو أن يكون له النتائج المرجوة، الأول يتضمن الـ90 يوماً القادمة، فما تم الإعلان عنه هو إطار مؤقت، أما الاتفاق الرسمى الشامل فمن المفترض أن يستكمل بنهاية يونيو المقبل.
وخلال هذا الوقت، قد تتغير نفوس وقلوب المتفاوضين نتيجة انتقادات حكوماتهم وشعوبهم لنصوص الاتفاق، وبالفعل ظهرت اختلافات كبيرة بشأن كيفية تقييم الجانبين الأمريكى والإيرانى لما تم التفاوض عليه.
وينبع التهديد الثانى من بعض القضايا المحددة التى لم تحل بعد، وربما أصعب هذه القضايا يتمثل فى توقيت رفع العقوبات المختلفة، وهى القضية التى تمثل أكبر مصدر للقلق لإيران، ولكن نفس العقوبات تعد مصدراً كبيراً للتأثير على السلوك الإيراني، ما يعنى أن الكثيرين فى الولايات المتحدة وأوروبا سوف يرغبون فى الإبقاء عليهم حتى تستوفى إيران بالكامل التزاماتها الحرجة.
والسبب الثالث الذى يدعو للقلق هو إذا ما كانت الأطراف المختلفة سوف توافق على أى ميثاق طويل الأمد، وتكمن المخاوف هنا من ما يطلق عليهم المتشددون سواء فى إيران أو الولايات المتحدة، فهؤلاء فى إيران سوف يعترضون حتماً على أى اتفاق مع «الشيطان الأكبر» يحد من طموحات الدولة النووية، ومن ناحية أخرى هناك رغبة واسعة بين الإيرانيين فى للتخلص من العقوبات الاقتصادية.
ومع ذلك، فالعقبات أكبر فى الولايات المتحدة حيث ينبغى على الرئيس باراك أوباما التعامل مع بيئة سياسية أكثر تعقيداً، بدءاً من الكونجرس، فهناك قلق واسع ومفهوم بشأن السماح لإيران بامتلاك أى قدرات نووية، وبشأن كفاية نصوص الرقابة والتفتيش، وبشأن ماذا سيحدث بعد 10 أو 15 أو 25 عاماً عندما تنتهى الحدود المفروضة على القدرات النووية الإيرانية، وبالتالى يعد إقناع الكونجرس بالتصديق على الاتفاق النهائى أو رفع العقوبات غير مضمون بالمرة.
وترتبط قضية الحصول على الموافقة السياسية ارتباطاً وثيقاً بالتهديد الرابع ألا وهو كيف سيتم تطبيق الاتفاق النهائي، ويشير تاريخ الحد من انتشار الأسلحة إلى أنه سوف يكون هناك مناسبات لن تلتزم فيها إيران – التى لديها سجل من إخفاء المعلومات ذات الصلة عن المفتشين التابعين للأمم المتحدة – بنصوص وروح ما تم التفاوض عليه، وبالتالى هناك حاجة لاتفاق بشأن عملية الحكم على السلوك الإيراني، وتحديد ردة الفعل المناسبة.
أما التهديد الأخير فلا يتعلق بالاتفاق بقدر ما يتعلق بسياسات إيران الخارجية والدفاعية، فالاتفاق يتعلق فقط بالنشاطات النووية الإيرانية، ولا يتعرض لبرنامج الصواريخ الإيرانى أو دعمها للإرهابيين وميليشيات الحرب بالوكالة، ولا بما تفعله فى سوريا أو العراق أو اليمن أو أى مكان مضطرب آخر فى الشرق الأوسط، ولا بحقوق الإنسان فى الوطن.
وتعد إيران قوة استعمارية تسعى للهيمنة الإقليمية، وحتى فى حال توقيع الاتفاق وتطبيقه، لن يؤثر ذلك على هذه الحقيقة، بل قد يجعلها أسوأ، حيث قد يصعد نجم إيران بعد تحسين سمعتها، ونتيجة عدم المساس بخياراتها طويلة الأجل لبناء سلاح نووي.
وأوباما محق فى أن الاتفاق على شكله الحالى أفضل من امتلاك إيران سلاح نووى أو الذهاب فى حرب لمنع هذه النتيجة، ولكن ينبغى أن يبث الاتفاق الثقة فى الولايات المتحدة وفى المنطقة بأنه سوف يضع سقفا ذا معنى للبرنامج النووى الإيراني، وان أى غش سوف يتم اكتشافه مبكراً والتعامل معه بحزم.
وبالتأكيد، لن يكون ذلك سهلاً، ولا يوجد مبالغة فى التوقع بأن المجهود المطلوب لبناء هذه الثقة قد يثبت أنه مُلح ومهم بقدر المفاوضات نفسها.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت







