بقلم: لوسى بى ماركوس
تخشى شركات صناعة السيارات من أبل، وقلب “يوتيوب”، و”نتفليكس”، و”أمازون”، قطاع التلفزة رأساً على عقب، وغيّر “سكايب”، و”فيسبوك”، و”تويتر”، و”سنابتشات”، أفكار المستهلكين عن كيفية – وتكلفة – التواصل مع الآخرين، وبالتالى بدأت القطاعات وحدودها كما نعرفها فى الانهيار.
وفى وقت من الأوقات، شكلت هذه الحدود عالماً واضح المعالم إلى حد ما، فشركات السيارات صنعت سيارات، وكانوا فى قطاع السيارات، وضمنت لنا شركات الهواتف التكلم مع بعضنا البعض من مسافات بعيدة، وكانوا فى قطاع الاتصالات، وكذلك، شركات البث التليفزيونى صنعت برامج تليفزيونية، وكانت فى قطاع الإعلام.
حينئذ كان كل شئ متقن ومنظم، وكان من السهل على المحللين تصنيف الشركات، وتحديد قيمتها، وكانت مجالس الإدارة تشرف على الشركات وتأخذ فى اعتبارها سعادة المساهمين، وكان كل شئ على مايرام فى العالم، حتى تغير كل ذلك.
ويأخذ هذا العالم – الذى كانت فيه القطاعات محددة بوضوح – فى الاختفاء أمام أعيننا، فهل “أبل” شركة تكنولوجيا أم شركة صناعة ساعات فارهة؟ وهل “جوجل” محرك بحثى أم شركة سيارات صاعدة تصنع مركبات ذاتية القيادة؟
ومع ذلك هناك شركات كانت تشبه “أبل” و”جوجل” وبدت ابتكارية، ولكن أصبحت طى النسيان أو تخلفت عن الركب، فعلى سبيل المثال تقدم “نوكيا”، و”كوداك” قصصاً اعتبارية للشركات التى بدأت عملها بابتكار.
و”نوكيا” على جه الخصوص ينظر إليها على أنها حالة دراسة فى إعادة الاكتشاف، ومثالاً على التغير المستمر من أعلى لأسفل، وتحولت من صناعة الأوراق إلى عجلات السيارات ثم الأحذية المطاطية ثم الاتصالات، ثم ضلت طريقها، وباعت أعمال الهواتف المحمولة لـ “ميكروسوفت”، ويشك الكثيرون فى أنها سوف تتعافى وتعيد اكتشاف نفسها من جديد.
وتخلفت شركات تقليدية كثيرة أيضاً عن الركب بسبب تمسكها الزائد بتعاريفها التقليدية للأشياء مثل “كوداك”، وغيرها من الشركات التى لم تبتكر ومن بينها “بولارويد”، و”راديو شاك”، و”بوردرز”، وتستمر القائمة، واعتقد مدراء هذه الشركات أنهم كانوا يقومون بالأمر الصحيح عندما لم يزوغوا بأبصارهم عن “العمل الأساسى”.
وعادة تكون الشركات التقليدية بطيئة عندما يتعلق الأمر بإجراء مناقشات حاسمة حول الاستراتيجيات أو التساؤل إذا ما كان الاناس الصحيحون فى المكان الصحيح لدفعهم للأمام بقوة كافية ولمدى مناسب، ولإظهار آفاق لهم لا يمكن أن يروها من حيث يشعرون أنهم بخير.
ولم يكن الرضا أبداً خياراً، وفى بيئة أصبحت فيها الشركات الجديدة تقلب القطاعات رأساً على عقب فى غضون سنوات قليلة، قد تؤدى الاستراتيجيات التى تبدو فى وقت من الأوقات كاستراتيجية صحيحة إلى تحول الأساطير إلى أطلال.
وبدأت الشركات التقليدية تدرك حقيقة أن الشركات الصغيرة قد تصبح تحدياً كبيراً لهم بشكل خطير، فصانعة الساعات السويسرية “تاج هيوار” أعلنت مؤخراً أنها سوف تؤسس شراكة مع “جوجل” لتواكب المعركة عالية المخاطر فى قطاع تصنيع الساعات العالمى.
ومع ذلك، لاتزال تعتقد الكثير من الشركات التقليدية أن إطاحة الشركات الصغيرة بالشركات الكبيرة لا يحدث سوى فى قطاع “التكنولوجيا”، ولكن هل تبقت قطاعات لا تعتمد على التكنولوجيا؟، وكم أصبح عدد الشركات التى يمكن تصنيفها على أنها شركة تكنولوجية وشركة أخرى فى نفس الوقت؟، فماذا ينبغى على المحللين تسمية شركة التجارة الإلكترونية “إتسى”، التى تستعد لطرح أسهمها لأول مرة للجمهور، هل يطلقون عليها شركة تكنولوجية أم شركة تجزئة؟.
وبالمثل تتحرك شركة التكنولوجيا الحيوية “23andMe” من الاختبارات الجينية إلى العالم التنافسى والمكلف لاكتشاف الأدوية، وللأسف تتجاهل شركات الأدوية هذه الحقيقة، ولا يوجد أى قطاع محصن بدءاً من البنوك والتمويل إلى البترول والغاز والتعليم العالى وغيرها.
وفى قضية قانونية بين “أبل”، وشركة “A123” التى تصنع بطاريات للسيارات الكهربائية، اتهمت الأخيرة “أبل” بانتهاك قانون عدم المنافسة الذى وقعه مهندسوها، ولكن لدى “أبل” استراتيجية دفاعية واحدة، وهى التأكيد على أنها لا تنتهك القانون لأنها فى قطاع آخر.
ولكن فى عالم حولت فيه شركة حواسب آلية شكل قطاعات الموسيقى والاتصالات، وتقوم حالياً بتصنيع ساعات، وسوف تبدأ قريباً فى تصنيع سيارات إلكترونية، يبقى سؤال واحد، “ما هو تعريف القطاع”؟.
ومن الواضح أن “أبل” استمرت فى التفكير فى هذا السؤال لسنوات، وينبغى أن تتعلم الشركات التقليدية أن تسأله أيضاً، فبمجرد ظهور فكرة جاذبة، تتاح لها أكوام الأموال، وقبل أن يستطيع أحد النظر إلى ساعته، تكون الأمور قد تغيرت.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينيديكيت








