..وعملاق الإنترنت يرد بتعديل ترتيب نتائج البحث على الهواتف المحمولة.. وأوروبا أكبر المتضررين
تعرضت الشركات الأمريكية العملاقة منذ وقت طويل لتضييق أعمالها فى القارة الأوروبية، وأحدث هذه الشركات هى « جوجل » التى لديها تاريخ صراع طويل مع المفوضية الأوروبية بدأ فى عام 2009، عندما تقدمت شركة «فوانديم» وغيرها بشكاوى ضد مشغل المحرك البحثى.
وتسجل شكوى المنافسة التى تقدم بها الاتحاد الأوروبى، فى الخامس عشر من الشهر الجارى ضد «جوجل»، نهاية تحقيقات مطولة امتدت لخمس سنوات، وبداية أمر قد يكون أكثر إيلاماً، وهو تكيف شركة الابتكارات على الحياة تحت المراقبة اليقظة للمشرعين، ما قد يكون له تداعيات كبيرة على ثقافة وعمليات الابتكار.
واتهمت مفوضة المنافسة فى الاتحاد الأوروبى، مارجريت فيستاجر، جوجل رسمياً باستخدام هيمنتها على البحث على الإنترنت بشكل غير قانونى من خلال التلاعب بنتائج البحث، وتوجيه المستهلكين الأوروبيين إلى خدمات التسوق الخاصة بها «جوجل شوبينج».
كما قرر الاتحاد الأوروبى فتح تحقيق للبحث فى مدى التزام الشركة بقوانين مكافحة الاحتكار، فيما يتعلق بنظام «أندرويد» لتشغيل الهواتف المحمولة، والتأكد من أنها لا تفرض قيوداً فى هذه المنطقة تمنع الشركات المنافسة من الازدهار.
وقالت إنها أرسلت قائمة بالاعتراضات، ترقى إلى مستوى لائحة اتهام، إلى شركة التكنولوجيا الأمريكية العملاقة، مضيفةً أنه أمام جوجل فرصة لإقناع المفوضية الأوروبية بعكس ذلك.
وأظهرت تجربة «مايكروسوف»، التى خضعت لإشراف المشرعين فى بروكسل وواشنطن لأكثر من 10 سنوات، صعوبة أن تبقى شركة فى مجال التكنولوجيا سريع التطور ابتكارية فى مثل هذه الظروف، ولكن طبيعة التدقيق الجديد من بروكسل نحو “جوجل “يضعها فى وضع أصعب بكثير من منافستها فى مجال البرامج، نظراً إلى أن ميكروسوف تعرضت لتنظيم دقيق لبعض أجزاء أعمالها.
وعلى النقيض، وضعت فيستاجر اشتراطاً أوسع يتطلب من جوجل أن تقدم نفس المعاملة لمنافسيها فى نتائج البحث، ويقول المحامون إن هذا يعطى «جوجل» مساحة أكبر للاستجابة، ولكنه يضع تطور خدماتها تحت غيمة من عدم اليقين.
وقال بول لوجارد، من شركة «باكر بوتس» للمحاماة، إنه سيكون هناك دائماً نزاع فى كل ما تفعله جوجل مستقبلاً بشأن إذا ما كانت متحيزة لخدماتها أم لا.
وداخلياً، كانت جوجل تحشد جهودها لابتكار منتجات رائعة لخدمة مستخدمى محرك البحث والمستهلكين، ولكن يشير طبيعة اتهام فيستاجر إلى أن ذلك سيكون له تأثيرات كبيرة على كيفية تصميم جوجل لمنتجاتها.
وتتمثل أولى مشكلات جوجل فى إيجاد طريقة للتعامل مع التضييقات الجديدة من بروكسل، وفى الوقت نفسه إعطاء مهندسيها الحرية فى الإبداع والابتكار، ويبدو أن الحل الذى توصلت إليه جوجل مع خواكين ألومونيا، سلف فيستاجر، كان له آثار محدودة.
وقال جارى ريباك، محام فى سيليكون فالى، إن فيستاجر فعلت الصواب بعدم اقتراحها لحل، والآن الكرة فى ملعب جوجل لمعالجة هذه المسألة، وستظل المفوضية الأوروبية تفرض غرامات عليها حتى ذلك الحين.
وإذا وجدت بروكسل فيما بعد أن جوجل لم تفعل ما يكفى لاستيفاء مطالبها، فستكون العقوبات ضخمة، فقد انتهى الأمر بمايكروسوفت بدفع 2 مليار يورو، معظمها بسبب عدم الامتثال.
وقد يكون لدى جوجل مساحة للمناورة أكثر من مايكروسوف، ولكن كل ما ستفعله لن يقوم سوى بتأجيل الغرامة، وقد يعرضها لوابل جديد من الشكاوى.
ويرى محامو الشركات المنافسة لجوجل، أنه فى ضوء شكاوى المفوضية، لم يعد أمام الشركة سوى التفكير فى حلين فيما يتعلق باستراتيجية المنتجات، كلاهما له تداعيات كبيرة على مستقبل تطور منتجاتها، وكيفية توليدها للأموال.
أولهما، أن تفصل البحث عن منتجاتها عن المحرك البحثى الرئيسى الخاص بها، وانتهجت أوروبا هذا النهج مع «مايكروسوفت» التى استغلت احتكارها لـ«ويندوز» لفرض برامجها الأخرى.
وأجبرت بروكسل «مايكروسوفت» على بيع نسخ من الويندوز فى أوروبا خالية من برامج تشغيل الميديا، ثم طلبت من الشركة توفير «شاشة اختيار» لمشترى الحواسب الشخصية الجدد لاختيار المتصفح الذى يرغبون فى استخدامه.
وتطبيق المبدأ نفسه على البحث سوف يعطى للمستخدمين الحق فى اختيار الخدمات «المخصصة» التى يرونها فى نتائج البحث الخاصة بهم، أى على سبيل المثال، استخدام خرائط «ماب كويست» بدلاً من «جوجل مابس» عند البحث عن عنوان.
أما الحل الثانى فسوف يجبر جوجل على أن تتعامل مع منتجاتها بنفس الطريقة التى تتعامل بها مع المنافسين، وهذا يتضمن تمرير قوائم منتجاتها وخرائطها وخدماتها الأخرى على خوارزمية البحث نفسها بما يسمح لأفضل النتائج بأن تطفو وتظهر أولاً.
وقامت شركتان أمريكيتان منافستان لجوجل ببناء نموذج بحثى لاختبار هذا الأمر وهما «يلب»، و«تريب أدفايزر»، وأدخلتا النتائج التى أظهرها جوجل إلى هذا النموذج ليعاد ترتيبها، وتبين أن المستخدمين قد ينقرون على النتائج البديلة بنسبة 23% أكثر.
ويقول محام يمثل شركة أخرى منافسة لجوجل، إنه رغم أن هذا الاختبار كان مقتصراً على نتائج البحث المحلية غير المغطاة فى شكوى الأسبوع الماضي، فإنه أثبت وجود حل بسيط يؤدى إلى النتائج التى تطالب بها “بروكسل”.
ولعبت المصلحة التجارية دوراً كبيراً فى تغيير استراتيجية جوجل، وأثبتت الأدلة التى كشفت عنها لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية– التى أجرت تحقيقاً فى أعمال جوجل البحثية، ولكنها لم توجه إليها أى اتهامات – أنه يوجد انقسامات داخل الشركة بشأن كيفية التعامل مع نتائج البحث عن المنتجات.
فعلى سبيل المثل، عندما بدأت جوجل إعطاء أولوية لمنتجاتها فى النتائج لكسب حركة مرورية أكبر من منافسيها، اشتكى فريق الإعلانات لديها أن قوائم النتائج التى تحوى منتجات يدفع أصحابها ليتم إدراجها ضمن نتائج البحث عن منتجات تخسر، ما أجبر جوجل على تغيير مسارها، وقررت ألا تظهر فى قوائم النتائج إلا الإعلانات مدفوعة الأجر.
وعندما تقوم الشركة بقرارات مشابهة فى المستقبل، سوف تجد أعين المشرعين الأوروبيين مصوبة نحوها.
ورداً على التضييق الذى تمارسه الهيئات التنظيمية الأوروبية قررت جوجل تعديل الطريقة التى ترتب من خلالها المواقع فى نتائج البحث على الهواتف المحمولة، وهو تحول قد يضر بالعديد من المواقع، بما فى ذلك تلك التابعة لمايكروسوفت والاتحاد الأوروبى، وحدث أكثر المحركات البحثية صيغته السرية لترتيب المواقع لصالح تلك «الصديقة للهواتف المحمولة»، واستبعاد المواقع التى تفشل فى استيفاء تلك المعايير.
ومن المفارقات أن الاتحاد الأوروبى، هو أحد أكثر المتضررين من هذا التحول، وأظهر اختبار أجرته «جوجل» أن موقع «يوروبا» الأوروبى «غير صديق» للهواتف المحمولة، نظراً لأنه يحتوى على نصوص أصغر من تقرأ، وروابط قريبة للغاية من بعضها البعض، مما يجعل من الصعب فتح أحدها، ومحتوى أكبر من الشاشة.
