بقلم: ديفيد جاردنر
نادراً ما تتنوع عناوين الصحف الرئيسية فى الشرق الأوسط أو المتعلقة به، وتنحصر فى عناوين مشابهة إلى الدول الهشة تمزقت إرباً، الخلاف الطائفى يتسع، الآلاف يموتون كل شهر، عودة الاستبداد، وفى بعض الأحيان تلقى عودته ترحيباً للتخلص من الاضطرابات الطائفية، كما تتشكل ائتلافات غير صحية- سواء لمحاربة الجهادية السنية أو التصدى لإيران الشيعية- وتتلاشى.
وتحت هذه البنية تقبع ثلاث مشكلات هائلة فى المؤسسات التعليمية، وفى ما يطلق عليه روبرت بوتنام، أستاذ العلوم السياسية فى هارفارد، رأس المال الاجتماعي، وفى الثقافة المدنية التى تجمع الناس فى شبكات من الثقة والود المتبادل.
وتسليط الضوء على هذه الفجوات لا يعنى أن يستمر الاستبداد حتى يتم ملؤها، لأنه هو سبب هذه المشكلات، ولا يمكنه إصلاحها.
وفى أفضل الأحوال، تكون جودة التعليم غير كافية، وهذا ليس دائماً بسبب انخفاض الإنفاق الحكومي، ففى السعودية ومصر على سبيل المثال يستسلم التدريس إلى القوى الدينية والإسلامية، أما النخب العربية فتشترى التعليم لأولادها، وهناك حوالى 2 مليون سعودى يتم تعليمهم بالخارج.
وتختلف القصة تماماً بالنسبة للمتعلمين فى الداخل، الذين توجههم المؤسسة الدينية الوهابية، ويقول مدير تنفيذى سعودى إن معظم العاملين لديه يحتاجون لتحسين مهاراتهم فى الرياضة، واللغتين العربية والانجليزية. وأضاف: «أنا لن أستفيد منهم إذا كان كل ما يفلحون فيه هو تلاوة القرآن».
وتعد المؤسسات- حيثما توجد- سراباً مما يسلط الضوء على قصور فى رؤية بناء الأمة، أما المؤسسات التى تمثل أهمية للنخب مثل الجيش، فسنجد أنها تهيمن على القضاء والتشريع، وحتى القطاع الخاص، مثلما هو الحال فى مصر، وفى لبنان لم ينج البنك المركزى من الحرب الأهلية والاحتلال إلا لأنه مؤسسة مفيدة لكل الأطراف- وليس بذرة للأمة.
وتندر بشدة فكرة وجود مؤسسات تعمل منصات عامة، وهيئات رقابية لحماية مصالح كل المواطنين، وهذا يعود بشكل كبير إلى غياب رأس المال الاجتماعي، ففى الشام، والعراق، وبعض أجزاء شمال أفريقيا والجزيرة العربية، تراجع التفاعل المدنى ليقتصر على التفاعلات داخل العشيرة، والعائلة، والطائفة، والقبيلة، واليمن أحدث مثال على ذلك، بعد لبنان والعراق وليبيا وسوريا.
وفى مصر، يبدو أن الجيش، والإسلاميين، والليبراليين غير قادرين على التعامل مع بعضهم البعض، ويقول سامح فوزي، رئيس الأبحاث فى مكتبة الإسكندرية، والذى كتب رسالة الدكتوراه عن رأس المال الاجتماعي، «إن عادة اجتماع الأشخاص أصحاب وجهات النظر المتنوعة، ودروب الحياة المختلفة أصبحت محدودة للغاية.. وأصبحت الثقة مفقودة تقريبا عبر المجال السياسي».
وبروز المشاعر القبلية والطائفية له جذور، فالمجتمع القبلى منذ قديم الأزل كان آلية منطقية لمقاومة الاستبداد الاستعماري، أما فى العصر الحديث، أسست الدولة العثمانية نظاماً للاستبداد من أعلى إلى أسفل، والذى كان قائماً على الدين، ما أدى إلى خلق عوائق أمام الهوية الأوسع، ثم إن تقسيم الأوروبيين للمناطق بعد الدولة العثمانية إلى دول قومية اصطناعية فاقم هذه المشكلة، وفشلت الوعود الجوفاء الخاصة بالقومية العربية فى حلها.
وحتى الدول التى حددت حدودها بنفسها مثل تركيا، وإيران، والسعودية لا تزال بمثابة خليط مضطرب بين ما بعد الحداثة وما قبلها، وبالتالي، لا عجب إذن فى العودة إلى الحدود الطائفية والقبلية فى ظل الضغط الاجتماعى الهائل.
ورغم ذلك، تعد المؤسسات – والتعليم العام المحترم – نتاج ثقافة التعاون بين هذه الحدود، ويبدو أن المواطنين فى العالم العربي، ذات الأغلبية الساحقة من الشباب، والشخصيات البارزة فى الربيع العربى قادرون على غض الطرف عن هذه «الحدود» الداخلية، ولكنهم يحتاجون بشدة هم والمنطقة إلى إيجاد طرق لهدم هذه الحدود.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»








