بقلم: ليونيد بيرشدسكى
يمكن بسهولة وصف السياسة الطموحة الألمانية المتعلقة بالانتقال من الوقود الأحفورى إلى الطاقة المتجددة، والتخلى عن الطاقة النووية فى نفس الوقت بالفشل، خاصة وأن الدولة أصبحت تحرق فحماً أكثر مما كانت تستهلك منذ خمس سنوات، وأن فاتورة استهلاك الكهرباء للأسر هى الأعلى فى الدول المتقدمة، كما أنها لن تتمكن من الالتزام بمستوى انبعاث الغازات الدفيئة المستهدف فى 2020.
لكن بالنسبة لي، أنا أرى أن نتائج هذه السياسة تعبر عن كيف يمكن لحكومة ذات عزيمة أن تهز قناعة الرضا لدى القلة المسيطرة على سوق الطاقة، وأن تحول تفكيرهم باتجاه آخر.
ونما الدعم الحكومى الألمانى لمنتجى الطاقة من الرياح، والشمس، ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى إلى 20 مليار يورو سنويا منذ 1991، عندما بدأت ألمانيا تطبيق الدعم المالى، ونتيجة لهذا المقدار الكبير من الدعم، تخطت ألمانيا بثلاث نقاط مئوية المستوى المستهدف الذى وضعه الاتحاد الأوروبى فى 1997 والمتعلق بإنتاج %12 من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2010، وعلاوة على ذلك، وصلت حصة الطاقة المتجددة من إنتاج ألمانيا من الكهرباء فى الربع الأول من 2014 إلى %27.
وأدى هذا النمو السريع إلى بعض التشوهات فى السوق، فبسبب دعم تكلفة إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة، انخفضت أسعار الكهرباء فى سوق الجملة بنسبة %60 منذ 2008، مما جعل تشغيل محطات الطاقة بالغاز الطبيعى غير مربح للشركات التقليدية، واصبحت واردات الغاز الروسى لا تمثل فقط خطورة جيوسياسية لألمانيا، وإنما ساهمت فى خسارة شركات الطاقة التقليدية.
واضطر أكبر أربع شركات طاقة فى ألمانيا، وهم “أر دبليو إيه”، و”إيأون”، و”إى إن بى دبليو”، والشركة السويدية “فاتنفال” إلى استخدام المزيد من الفحم، الذى كان المعروض منه زائدا فى الولايات المتحدة بسبب طفرة البترول الصخرى.
ورغم رخص سعر الفحم، فهو يتناقض مع هدف الحكومة بخفض انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة %40 من مستوى عام 1990 بحلول 2020، وكانت ألمانيا تسير على هذا المسار، حتى حادثة فوكوشيما وتخليها عن الطافة النووي، وازداد انبعاث الغازات منها فى الفترة من 2011 إلى 2013 بنسبة %2.4، وهكذا، ارتفعت حصة الطاقة المتجددة، والانبعاثات الكربونية معا.
وفى نفس الوقت، تحملت الأسر الألمانية الفاتورة المتزايدة لدعم الطاقة المتجددة، وشكلت %18 من متوسط السعر الذى دفعه المستهلك مقابل الكهرباء العام الماضي، بينما تمتعت القطاعات كثيفة الاعتماد على الطاقة بإعفاءات سخية من دعم الطاقة المتجددة.
وأدى الانخفاض فى أسعار الجملة إلى تعزيز التنافسية فى القطاعات كثيفة الاعتماد على الطاقة، ويقدر مكتب الإحصاءات يوروستات، أن قطاع الصناعة الألمانى سادس أقل قطاع فى الاتحاد الأوروبى استهلاكا للطاقة، وفى نفس الوقت شهد استهلاك الأسر تراجعا بنسبة %1 سنويا منذ 2005، نتيجة ارتفاع الأسعار.
ومع ذلك، فقد أدى إصلاح نظام الطاقة إلى تحويل إنتاج الطاقة من الشركات التقليدية إلى المستهلكين الذين يدفعون أسعار كهرباء مرتفعة، فطبقا لدراسة أجراها معهد”تريند ريسيرش”، %46 من توليد الطاقة من مصادر متجددة فى ألمانيا يأتى من الأفراد والمزارعين، مقارنة بـ %5 فقط من أكبر أربع شركات، وأصبح الشعب الألمانى الذى خلق الإرادة السياسية للتحول نحو الطاقة النظيفة، هو المستفيد منها مع تحقيقه الاكتفاء الذاتى من الكهرباء بشكل متزايد.
وبالتأكيد، تحقيق هذا الأمر ليس ممكنا دائما، ولكن الاهتمام غير المعقول بتوليد الطاقة المستدامة من المدنيين العاديين، مقابل حصة صغيرة من الشركات التقليدية، يخبر قصة مختلفة، فقطاع الطاقة الألمانى ضغط بشكل متواصل لإجبار الحكومة العدول عن إصلاحات الطاقة النظيفة، ولكن إذا تبنوا التغييرات من وقتها وتحملوا الخسائر الناتجة عنها فى وقت مبكر، لكانوا أفضل حالا اليوم.
وسوف يمضى التحول نحو الطاقة النظيفة فى ألمانيا رغم العقبات الواضحة التى يواجهها، وبالفعل يوجد دول فى أوروبا تولد أكثر من نصف احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة المتجددة مثل السويد، وتقترب النمسا من هذه النسبة، وتحاول جاهدة الدولة صاحبة أكبر اقتصاد فى القارة اللحاق بهم.
ويحمل عزم الحكومة الألمانية على خوض التجربة، ورغبة المواطنين المتواصل لتمويل هذه التجربة إذا كان ذلك سيقود لمستقبل أكثر نظافة، دروس ذات أهمية للولايات المتحدة وغيرها من الدول التى يخشى ساستها من مواجهة التحديات التى واجهتها ألمانيا.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبيرج








