الحكومة تتجاهل الفقراء، الحكومة تنسى المعدمين، الحكومة لا يهمها إلا الأغنياء، الناس تعانى و الحكومة لا تهتم بهم، إلخ إلخ إلخ ……
تقريبا لا يمر وقت فى مصر إلا و تسمع الكلمات أعلاة، مهما كان الحاكم فدوما تسمع الشكوى أعلاة، شكوى أن الحكومة تهمل الأضعف و الأفقر و المحتاج و لكن هل الحكومة مهملة فعلا أو أن الأمر أكبر من مجرد الإهمال؟
بعض نقاط رئيسية: دولة الرفاة هى الدولة التى تعول الفقراء و توفر لهم حياة كريمة وهى:
أولا: لا يوجد دولة رفاة تنفق على الفقراء بدون أن تكون دولة غنية معاها فلوس كتيرة
ثانيا: لا يوجد دولة رفاة بدون إقتصاد مزدهر يولد ضرائب كثيرة
ثالثا: لا يوجد دولة رفاة بدون ضرائب مرتفعة
رابعا: لا دولة رفاة بدون حكومة كفؤة جدا تحدد من هو الفقير وكيف يمكن مساعدتة و كيف يطور الفقير ليخرج من دائرة الفقر بعد مرور بعض الوقت.
ماذا عن مصر؟
أغلب دعاة دولة الرفاة فى مصر يقدمون هذا الطرح: هى الدولة التى تجعل القطاع الخاص يدفع ضرائب مرتفعة ثم يسكتون، كأن ملخص دولة الرفاة هو مجرد ضرائب أكثر، فيغضبون حين تؤجل الحكومة ضرائب البورصة أو تقلل ضرائب الشركات، فتقليل الضرائب لديهم يعنى أن الدولة تبعد عن إهتمامها بالفقراء، دون أن يقدمو أى تصور كيف ممكن ينتعش القطاع الخاص الذى يخلق الوظائف على الرغم من زيادة الضرائب و كيف ستنفق الحكومة هذة الضرائب بشكل كفؤ يخدم الأفقر.
ظنى بسبب الحقبة الناصرية تم إختزال فكرة دولة الرفاة فى فكرة حكومة كبيرة، حكومة توظف كل المصريين و توفر علاج لهم و تعليم و معونة حين يحتاجون، لكن مصر حاليا بحوالى7 مليون موظف يستهلكون ربع الموازنة يستحيل أن تكبر حجم الحكومة، مصر بها واحدة من أكبر حكومات العالم و أى زيادة فى حجم الحكومة تعنى عجز موازنة متزايد و زيادة الديون و المعضلات الإقتصادية
على الجانب الأخر فالطبقة الوسطى فى مصر تدفع ضرائب دخل وضرائب إستهلاك، لكنها تتعالج و تتعلم و تسكن وتعمل بعيدا عن الحكومة، بما يعنى تدفع ضرائب ونصيب متناقص من الخدمات الحكومية، على الناحية الأخرى القطاع الخاص يقاوم الضرائب كأى قطاع خاص فى الدنيا، لكن القطاع الخاص فى مصر يعانى من قوانين وبيروقراطية تجعل العمل فى مصر صعب ومتعب، مما يجعل أغلب القطاع الخاص يرى الضرائب خصم من ربحة وليست ضرائب تدفع لحكومة تشجع النمو، الفكرة بإختصار أن الحكومات القادرة على دفع النمو وإنعاش القطاع الخاص تواجة بمقاومة اقل حين ترفع الضرائب.
عدم كفاءة الحكومة لتحديد من هو الفقير أمر أيضا معقد جدا، الجهاز المركزى للإحصاء يقول أن 75% من ساكنى المدن و94% من ساكنى الريف يمتلكون بطاقة تموينية، بمعنى أن كل أهل مصر فقراء، فلو كان هذا الوضع فلا يوجد أغنياء بدرجة كافية للإنفاق على هؤلاء الفقراء، هنا يصبح تعريف من هو الفقير و كيف تضمن أنة لا يوجد لة عمل غير معلن “فى بلد تقول بعض الإحصائيات أن 40% من العاملين فيها قطاع غير رسمى” و كيف تعرفة و كيف تصل لة سؤال صعب جدا ويحتاج جهاز حكومى كفائتة اضعاف الموجود حاليا وايضا ستكون نسبة الأخطاء عالية
تفكيك الوضع الحالى فى مصر يجعل فكرة دولة الرفاة مستحيلة فى أى مستقبل قريب حتى لو الحكومة يكونها أعظم و احسن رجال مفكرين دولة الرفاة، فزيادة الضرائب مع تغلغل البيروقراطية غير الكفؤة يؤلم القطاع الخاص ولا يزيد دخل الحكومة، ضرائب أقل تفيد القطاع الخاص ولكن بدون نمو حقيقى سيظل القطاع الخاص لا يوفر وظائف للفقراء بل وظائف فقط للأحسن تعليما، بدون تحسن كفاءة الحكومة اضعاف مضاعفة سيظل التعليم الحكومى سيئا و ينتج طالب لا يجد وظيفة فى القطاع الخاص ولكن وظيفة بمرتب ضعيف فى القطاع العام و يظن أن الوظيفة حق مع المواطنة ولا تطالبة بعمل منتج حقيقى، كلما كبر حجم الحكومة مع عدم الكفائة كلما زادت المشاكل المالية و إستحالت دولة الرفاة.
أى حكومة فى العالم بخلاف مصر توظف 25% من العاملين فى البلد و تدفع ربع الموازنة دعم و ربعها الأخر مرتبات هى دولة رفاة لو نظرنا فقط للأرقام، لكن فى مصر هذة الأرقام مع عدم الكفاءة و ضعف الإقتصاد و البيروقراطية تعنى مشكلة مالية ضخمة، مرتب حكومى ضعيف ومواطن لا يجد بديل وقطاع خاص غاضب، لذا حين اسمع أحدهم يقول الحكومة تهمل الفقراء، اصدقة و لكن واقعا لا اعلم كيف يمكن لأى حكومة مساعدتة فى الوضع الحالى، خاصة لو هو نفسة موظف حكومة مرتبة الحد الأدنى فى الشهر والتضخم يلتهم دخلة ويؤلمة ولكنة هو نفسة بوظيفتة و البيروقراطية التى يقدسها و التعليم الذى تلقاة يعتبر جزء اساسى من المشكلة.
لا يمكن تحقيق دولة رفاة بدون قطاع خاص منتعش والحكومة وتشريعاتها تدعمة لكنها تجعلة يدفع ضرائب مرتفعة، لا يمكن تحقيق دولة رفاة بدون جهاز حكومى كفؤ جدا، لا يمكن دولة رفاة بدون حكومة تصل خدماتها بكفائة لكل دافعى الضرائب: كيف يتحقق هذا؟ مطلوب حلول حقيقية قابلة للتطبيق.
المقال بقلم مالك سلطان خبير الاستثمار المباشر








