بقلم: ديفيد جاردنر
تضع الانتخابات الرئاسية فى 7 يونيو مصير تركيا على المحك، ولا يوجد شك فى أن حزب العدالة والتنمية سوف يفوز، والسؤال يكمن فى إذا ما كان رجب طيب أردوجان، الرئيس الحالي، والذى ظل رئيس وزراء لثلاث فترات، سوف يحصل على الأغلبية المطلقة التى سوف يخضع من خلالها النظام البرلمانى للسلطة التنفيذية الرئاسية.
وهناك بعض العلامات على أن أردوجان – الذى يتدخل بالفعل لمواجهة أى تحدٍ لتركز سلطته المتنامية من القضاء إلى الإعلام – قد لا ينجح فى ذلك هذه المرة.
ورغم أن أردوجان مازال يتفوق على معارضيه من القوميين، والأتاتوركيين – ورثة كمال أتاتورك الذى أسس تركيا الحديثة، ولكنهم حصروا أنفسهم فى القرن الماضى – فإن التحالف الجديد المؤيد للأكراد المتمثل فى حزب الشعب الديمقراطى، والذى يدعمه الأتراك العلمانيون، والليبراليون، والناشطون اليساريون، قد يدمر الحزب الحاكم.
ويعد حزب الشعب الديموقراطى – بقيادة صلاح الدين دمرداش، ناشط سابق فى مجال حقوق الإنسان يتمتع بكاريزما – هو الأول الذى يهتم بالسلام والاستقلال للأكراد فى جنوب شرق تركيا، ويتهم أردوجان بالتراجع، بعدما بدأ محادثات مع المسلحين الأكراد.
ووسع الحزب قاعدة مؤيديه من خلال التأكيد على حقوق العمال والمرأة والأقليات، كما أصبح دمرداش محط إعجاب الأتاتوركيين والمعتصمين فى حديقة جيزى فى 2013 بعدما قال فى البرلمان «لن نسمح لك (أردوجان) أبدا بأن توسع سلطاتك التنفيذية».
وإذا فشل حزب الشعب الديمقراطى فى الفوز بأكثر من %10 من الأصوات – بوابة الدخول إلى البرلمان – سوف يفوز حزب العدالة والتنمية بحوالى 60 مقعداً إضافياً، وهذا قد يعطى أردوجان العدد الذى يحتاجه لتعديل الدستور، بما يتماشى مع تصوراته، وبالتالى فإن الدوافع للتلاعب بانتخابات 7 يونيو المقبل كبيرة، وهذا هو سبب بروز مبادرة أخرى من ناشطين أثناء احتجاجات عام 2013، وهى مبادرة تعرف بـ «الانتخابات وما بعدها»، وتستهدف نشر جيش من المتطوعين يبلغ عددهم 120 ألف مراقب للتصويت للتأكد من ألا ينفذ أحد مخطط أردوجان لتأليه نفسه.
وهناك سبب آخر قد يعوق أردوجان عن تحقيق أهدافه، وهو أنه كان لديه علاقات قوية للغاية مع الأتراك المحافظين فى قلب الأناضول، وترجع هذه العلاقة جزئياً إلى الرخاء الذى جلبه معه، أما الآن، فقد بدأت معدلات النمو العالية خلال العقد الماضى فى التعثر، والاستثمار راكد والبطالة آخذة فى الارتفاع.
ورداً على ذلك، يحشد معسكر أردوجان الرأى العام ضد «لوبى أسعار الفائدة» الخيالى ويتهمه بالتآمر ضد تركيا، حتى إن الرئيس التركى وصف أردم باسجى، محافظ البنك المركزى، بـ«الخائن» لعدم تخفيضه أسعار الفائدة.
وتتمثل المعضلة فى تركيا أنها تتأثر بسهولة بالتدفقات الرأسمالية على المدى القصير، ومع ذلك، فهى لم تحاول التخلص تدريجيا من سهولة الحصول على القروض الوفيرة التى قوضت نجاحها فى السنوات الأخيرة، وفقدت الليرة %40 من قيمتها منذ احتجاجات حديقة جيزي.
والأكثر خطورة من ذلك، أن الفريق الاقتصادى الذى وقف وراء قصة النجاح التركية من المرجح أن يستقيل بعد الانتخابات، وعلى النقيض، لا يسكت هؤلاء المستشارون المحيطون بالرئيس ممن يطلقون نظريات المؤامرة، بل إن بعض تصريحاتهم أكبر من أن تتعرض للنقد، ويصف الجميع بيرات البيرق، زوج ابنة أردوجان، بأنه القيصر الاقتصادى المستقبلي.
وانكمشت قاعدة مؤيدى حزب العدالة والتنمية نتيجة الأدلة الدامغة على استشراء الفساد فى الدوائر المحيطة بأردوجان.
ومع ذلك، وإن غضت القاعدة الطرف عن هذه القضية، فلن تكون أقل تسامحاً مع تراجع قيمة الليرة، ومع القرارات المتعمدة التى تتنافى مع غطرسة حزب ورئيس بقيا طويلا فى السلطة.
وتعد أحد الردود التخويفية المفضلة لدى الرئيس على نقاده هى «اعرفوا حدودكم»، ويأمل ملايين الأتراك – سواء من المتدينين أو العلمانيين والذين يرفضون قبضة أردوجان الخانقة – أن تظهر هذه الانتخابات لأردوجان حدوده.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»







