كانت أجواء الاحتفالات تخيم على مقر فيفا يوم الجمعة الماضية، بعد فوز سيب بلاتر فى انتخابات رئاسة الاتحاد الدولى لكرة القدم، وأخذ العشرات من مؤيديه يحتضنونه ويحملونه على أعناقهم فرحاً بفوزه، ولكن احتفالاتهم لم تدم طويلاً، فبعد أربعة أيام فقط من فوزه بالانتخابات، أعلن بلاتر استقالته؛ نظراً لأن الضجة التى أثارتها اتهامات الفساد بين كبار مسئولى فيفا لم تتلاش الأمر الذى وضع المنظمة فى أزمة كبيرة، وجعل مستقبل مسابقات كأس العالم غامضاً.
2.43 مليار دولار إيرادات المنظمة من حقوق البث التليفزيونى لكأس العالم 2014
أوضحت صحيفة فاينانشيال تايمز، أن استقالة بلاتر ستثير الشكوك حول تنظيم روسيا وقطر لمسابقة كأس العالم 2018 و2022. وقال جريك دايك، رئيس الاتحاد الانجليزى لكرة القدم، من الممكن إعادة النظر فى هاتين المسابقتين، وإذا كنت مكان قطر الآن، لشعرت بعدم ارتياح على نحو كبير، ولكن قطر رفضت التوقعات بأنها تواجه خطر سحب تنظيم كأس العالم من الدوحة بعد استقالة بلاتر من منصبه كرئيس للفيفا، ورحبت بالتحقيقات السويسرية فى كيفية حصولها على حق استضافة مسابقة كأس العالم 2022.
وقال الشيخ حمد بن خليفة بن أحمد آل ثاني، رئيس الاتحاد القطرى لكرة القدم، إن مايكل جراسيا، مسئول التحقيق الأمريكى فى الاتحاد الدولى لكرة القدم، برأ قطر من ارتكاب أى مخالفات فى عملية تقديم العروض لاستضافة كأس العالم 2022، وتم تمرير تقرير جراسيا إلى السلطات السويسرية التى تبحث فى وقوع أى فساد محتمل فى قرعة استضافة كأس العالم لعامى 2018 و2022.
ولكن مهما كانت نتيجة التحقيقيات فى فساد مسئولى فيفا، فإن مكانة الاتحاد الدولى لكرة القدم باعتباره آلة تجارية رابحة يبدو آمناً. وقال باتريك نالي، أحد مسوقى فيفا، المدير التنفيذى لشركة «ويست نالى جروب»، المتخصصة فى التسويق الرياضي، إن هيئات البث التليفيزيون والرعاة لن يعدلوا عن دعم مسابقات كأس العالم.
وحققت فيفا عائدات بلغت 5.7 مليار دولار خلال أربع سنوات حتى مسابقة كأس العالم الأخيرة التى أقيمت فى البرازيل، ويعد بئر نقود فيفا عميقة جداً، فبعد أن دفعت 453 مليون دولار للبرازيل من أجل تنظيم كأس العالم لعام 2014، و358 مليون دولار للجوائز و397 مليون دولار قيمة تكاليف الموظفين فى أربع سنوات، كان لديها ما يكفى لشراء فندق أسكوت فى زيوريخ، وكاتحاد رياضي، تمتعت فيفا بنظام ضريبى ملائم، ولم تكن مجبرة بموجب القانون السويسرى بنشر حساباتها، ودفعت فيفا خلال أربع سنوات حتى مسابقة كأس العالم 2014، ضرائب بلغت قيمتها 75.3 مليون دولار على إجمالى دخلها الذى بلغ 2.32 مليار دولار. وفى الفترة ما بين 2010-2014، بلغت عائدات فيفا من صفقات التسويق حوالى 1.63 مليار دولار، وهو ما يعد ارتفاعاً بنسبة %60 عن الأربعة أعوام السابقة، ومع اتساع شعبية كرة القدم، ازدادت معها أيضاً إمكانات تحقيق الأرباح، ويأتى نحو نصف عائدات المنظمة من حقوق البث التليفزيوني، وبلغت ايرادات فيفا من حقوق البث التليفزيونى لمسابقة كأس العالم 2014 نحو 2.43 مليار دولار، وتعد الولايات المتحدة الآن رابع أكبر سوق للفيفا لحقوق البث التليفزيوني.
وقال مدّعون أمريكيون، إنه مع ارتفاع قيمة حقوق التسويق والبث التليفزيونى فى فيفا، ازدادت أيضاً الرشاوى، وفى صفقة واحدة فقط، يزعم أن شركتين للتسويق الرياضى دفعتا 100 مليون دولار فى صورة رشاوي- وهو ما يقرب من ثلث قيمة العقد البالغة 352.5 مليون دولار- لمسئولى كرة القدم فى أمريكا الجنوبية للحصول على حقوق التسويق العالمى لأربع بطولات كوبا أمريكا.
ومن المؤكد أن مندوبى فيفا يعيشون حياة الرفاهية، إذ تنفق فيفا ما يزيد على 30 مليون دولار سنوياً على تكاليف السفر والإقامة وتنظيمات اجتماعها السنوي، ويمتلك أيضاً تشيك بلازر، الأمين العام السابق لاتحاد الكونكاف، شقة فى برج ترمب بنيويورك لإيواء قططه، ويزعم أن جيفرى ويب، عضو اللجنة التنفيذية للفيفا الذى اعتقل يوم الاربعاء، بنى قصرا تُقدر قيمته بمليون دولار عام 2007، وقالت وزارة العدل الأمريكية فى قرار الاتهام الذى أعلنته يوم الأربعاء الماضي، إن ثمن هذا العقار دُفع من رشوة قبضها ويب من شركة «ترافيك سبورتس يو إس أي» للتسويق الرياضى مقابل عقود تجارية مربحة مع فيفا.
وبينما يشعر العديد من رعاة كأس العالم أن الانسحاب من الصفقات مع فيفا سيكون كارثيا، فالعام الماضي، اختارت شركات «سونى»، «الإمارات»، «كونتينينتال»، «جونسون آند جونسون» و«كاسترول» عدم تجديد عقود الرعاية مع فيفا، وفى ضوء فضيحة فساد مسئولى المنظمة، قد تضطر الشركات الأخرى إلى إعادة تقييم خطط رعايتها، وتمتلك فيفا عقوداً تسويقية طويلة الأجل مع «أديداس» و«هيونداى» و«كوكاكولا»، ووقعت المنطمة عقداً مع شركة «جازبروم» الروسية كشريك لمسابقة كأس العالم التى ستقام فى روسيا.
الولايات المتحدة تحاصر الفساد فى كرة القدم
مزاعم الفساد فى فيفا ليست شيئا جديداً لأولئك الذين يتابعون كرة القدم الدولية، وتعتبر الاتهامات الأمريكية التى طالت 14 مسئولاً فى المنظمة والمتهمين بالابتزاز والاحتيال وغسل الأموال والكسب غير المشروع أكبر دليل على تحول كرة القدم إلى مشروع إجرامى كبير.
وذكرت صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية أن فضيحة الفساد التى تجتاح فيفا تهدد بتشويه تراث جنوب أفريقيا وسط عاصفة من الجدل حول ما إذا كانت سلطات كرة القدم، دفعت 10 ملايين دولار فى صورة رشوة فى سعيها لاستضافة بطولة كأس العالم 2010، الذى اعتبر حينها نجاحا ساحقا لجنوب أفريقيا.
وأدت تحقيقات الفساد فى منظمة فيفا من قبل المكتب الفيدرالى الأمريكى إلى إلقاء القبض على 7 من كبار مسئولى فيفا الاسبوع الماضى، حيث فتحت التحقيقات شبهات طالت إسناد تنظيم كأس العالم 2010.
وفى الدفاع القوى من جنوب أفريقيا، نفى فيكيلى مابلولا، وزير الرياضة دفع أى رشوة واصفا هذه المزاعم بأنها بمثابة هجوم على سيادة الدولة.
وأضاف: نرفض السماح بتشويه سمعة بلادنا على نحو غير ملائم دون إتاحة فرصة للرد على أى ادعاءات واصفا إياها بالأكاذيب.
وادّعت لائحة الاتهام الامريكية فى استضافة جنوب افريقيا لكأس العالم 2010 أن جاك وارنر، وهو عضو سابق فى فيفا ونائب الرئيس، عرض عليه فى البداية مليون دولار، وفى وقت لاحق علم تشاك بليزر، الأمين العام لاتحاد الكونكاكاف السابق، وهو اتحاد شمال ووسط أمريكا والكاريبى لكرة القدم من وارنر، أن مسئولين رفيعى المستوى من فيفا، وحكومة جنوب أفريقيا، أعدوا ترتيبات لدفع حكومة جنوب أفريقيا مبلغ 10 ملايين دولار لدعمها فى استضافة المونديال 2010.
وزعم بليزر، أنه تم دفع 750 ألف دولار لوارنر، مقابل تصويتات كأس العالم وتم إلقاء القبض عليه الأسبوع الماضى ضمن المتهمين فى إطار تحقيق فى الولايات المتحدة.
وتصف لائحة الاتهام كيف تم دفع مبلغ 10 ملايين دولار فى 2008 حيث لم يتم دفعها مباشرة من جنوب أفريقيا ولكن من خلال استخدام فيفا أموال من الهيئة العالمية المخصصة لجنوب أفريقيا لدعم استضافتها.
وتذكر الاتهامات الأمريكية أن الحوالة تم دفعها فى صورة رشاوى من أجل تمرير وارنر، 3 أصوات ثمينة لملف جنوب افريقيا لاستضافة مونديال 2010، لكن عندما عجز اتحاد جنوب افريقيا عن دفع المبلغ قام الاتحاد الدولى بهذه المهمة، علما بأن الاتحاد الجنوب افريقى ورئيس البلاد نفوا هذا الاتهام الاسبوع الماضى.
جاء ذلك فى الوقت الذى اعترف فيه دانى جوردان، رئيس اتحاد جنوب افريقيا لكرة القدم أن بلاده دفعت 10 ملايين دولار عام 2008، ولكنه أكد أن الامر لا يتعلق بأى حالة شراء اصوات من أجل الحصول على استضافة نهائيات كأس العالم 2010.
لكن خبايا التحقيقات فى قضايا الفساد بالاتحاد الدولى لكرة القدم تم كشفها ونقلت صحيفة نييورك تايمز، عن مسئولين أمريكيين أن الفرنسى جيروم فالك، المساعد الأول لرئيس الاتحاد جوزيف بلاتر، والأمين العام للاتحاد قام بتحويل 10 ملايين دولار أمريكى لحسابات مصرفية يملكها نائب رئيس فيفا السابق الموقوف جاك وارنر، يتهمه فيها بحصوله على هذا المبلغ مقابل مساعدة جنوب أفريقيا على احتضان مونديال كأس العالم 2010.
