بقلم: جيمس جولدستون
شهد الأسبوع الماضى الرئيس السوداني عمر البشير، وهو يرحل سريعاً من جنوب أفريقيا، حيث كان يجتمع رؤساء الاتحاد الأفريقي، ولم تتح الفرصة للقبض عليه، ولكن قرار المحكمة العليا في بريتوريا الذى تحداه هو بتفعيل أمر اعتقاله الصادر من المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، يمثل خطوة إلى الأمام في مكافحة الإفلات من العقاب.
ويمثل الـ20 من شهر يوليو من كل عام ذكرى استشهاد أكثر من 8 آلاف من المدنيين من مسلمي البوسنة في بلدة سربرنيتشا. وقد ساعدت هذه الجريمة الفظيعة على حشد الدعم السياسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة التي كانت تمهيداً للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
منذ تأسيسها في عام 1993 نجحت المحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الوطنية في البوسنة وصربيا، في إدانة أكثر من 24 شخصاً لتورطهم في مجزرة سربرينيتشا.
كما بدأت محاكمة راتكو ملاديتش، القائد العسكري السابق لصرب البوسنة ورادوفان كارادزيتش، الرئيس السابق لجمهورية صرب البوسنة بتهم ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، ولا يزالون يشقون طريقهم خلال العملية القضائية.
وقد أدانت المحاكم الجنائية الأخرى المدعومة دولياً الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، واثنين من كبار قادة الخمير الحمر الباقين على قيد الحياة، وهما خيو سامفان ونوون شيا، بالإضافة إلي بعض من الروانديين المسئولين عن أعمال الإبادة الجماعية التي وقعت في عام 1993.
وقد واجهت المحكمة الجنائية الدولية تحديات في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك انهيار قضيتها ضد الرئيس الكيني اوهورو كينياتا والجمود في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي منع تحقيقاً في الجريمة الكبري في سوريا.
ومع ذلك، فإن قضية العدالة الدولية تسير إلى الأمام ولو ببطء.
وشهد شهر أبريل الماضي موافقة برلمان جمهورية أفريقيا الوسطى على تشريعات إنشاء محكمة جنائية خاصة مختلطة لمحاكمة المسئولين عن العنف في البلاد منذ عام 2003.
وفي الشهر نفسه، أدى قضاة اليمين الدستورية في السنغال للعمل في الدوائر المختلطة الأفريقية الاستثنائية التي ستحاكم ديكتاتور تشاد السابق حسين حبري لارتكابه أعمالاً وحشية خلال فترة حكمه بين عامي 1982 و1990.
ويجري النظر في إنشاء محكمة خاصة أخرى للتحقيق في مزاعم تجارة الأعضاء البشرية المسروقة من قبل عصابات الألبان في كوسوفو، وفي أوائل شهر مايو، تعهد وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بـ5 ملايين دولار لإنشاء آلية عدالة موثوقة ومحايدة، وفعالة، على غرار المحاكم المختلطة لمحاسبة مقترفي العنف في الحرب الأهلية في جنوب السودان، حيث قتل فيها عشرات الآلاف فضلاً عن تشريد مئات الآلاف منذ عام 2013.
هذا الازدهار المصغر للمحاكم المختلطة- التي تعتمد على قضاة محليين ودوليين لتقديم العدالة في البلد المتضرر أو بلد آخر قريب منها ما يسهم في خفض التكاليف ليس التطور الإيجابي الوحيد في السنوات الأخيرة، فالمحاكم الوطنية لملاحقة مرتكبي الأفعال الشنيعة من التعذيب والقتل والاغتصاب تتزايد بوتيرة سريعة وبعزيمة لا تلين.
وفي جواتيمالا حيث توقفت إعادة محاكمة رئيس الدولة السابق ايفرين ريوس مونت بتهمة الإبادة الجماعية أدانت المحكمة مؤخراً الرئيس السابق لوحدة التحقيقات الخاصة التابعة للشرطة الوطنية لقيادته حصار السفارة الإسبانية عام 1980 والذى أسفر عن مقتل العشرات من الطلاب والدبلوماسيين ونشطاء من السكان المحليين. وفي شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية أدانت محاكم متنقلة تهدف إلى الوصول إلى المناطق النائية كبار ضباط الجيش بتهمة الاغتصاب الجماعي التي ارتكبتها قواتهم.
وإلي الولايات المتحدة جرى ترحيل وزير الدفاع السابق في السلفادور في مارس هذا العام لمحاكمته في تهم المشاركة في التعذيب والقتل على أيدي القوات التي كانت تحت قيادته في الثمانينات من القرن الماضي.
ومن المؤكد أن هناك الكثير الذي يتعين القيام به فهناك أنماط راسخة للإفلات من العقاب قد تستغرق عقوداً للتغلب عليها، هناك مؤشرات تذكر على سبيل المثال، رغم قلتها، مثل أن الحكومة الأمريكية تخطط لمحاكمة المسئولين عن عمليات الترحيل التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية، وتعذيب الإرهابيين المشتبه بهم في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، التي وقعت في في نيويورك وواشنطن العاصمة.
ولكن التقدم الحاصل اليوم كان يبدو مستحيلاً قبل ربع قرن، فأحد الحواجز المستعصية للعدالة الدولية– المعايير المزدوجة التي تحمي المجرمين من مواطني الدول القوية، لكنهم الآن تحت مجهر المراقبة العامة مباشرة، وقد قدمت فرنسا مقترحاً مهماً يقضي بأن جميع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن تلتزم بتجميد استخدام حق النقض “الفيتو” في حالات اتهامات الجرائم الفظيعة الجماعية.
وتؤكد هذه الخطوات نحو عالم أكثر عدلاً أن المثابرة في بعض الأحيان تؤتي أكلها فالعديد من القضايا انعقدت محاكمتها بعد أكثر من 20 سنة من المناورات القانونية. ويعود ذلك لأن الضحايا وحلفاءهم دفعوا بلا هوادة القضاة كأفراد والمدعين العموميين والمحققين للعمل مطالبين القادة السياسيين تمكينهم من القيام بذلك. وستكون هناك حاجة شديدة لنفس المثابرة والعزم في السنوات المقبلة.
المصدر: موقع بروجيكت سيانديكيت