فى لسان خور البحرى الذى يقسم دبي إلى شقيها الرئيسيين، يحمل عمال الميناء كل شئ بدءاً من أجهزة الكمبيوتر حتى السجائر على مراكب شراعية تتجه نحو الخليج الفارسى إلى إيران، وفى المطار، يستقل الرجال الذين يحملون حقائب مليئة بالدولارات طائرات تتجه نحو طهران، وطالما كانت دبى، المركز التجارى الأكثر ازدحاماً فى الخليج، الباب الخلفى الذى يمر من خلاله المهربين الذين يدخلون إيران لمبادلة البضائع والنقدية فى اختراق للعقوبات الغربية، وتأمل الآن دبى أن تصبح الباب الأمامى أيضاً لإيران.
وسترفع الاتفاقية النووية بين إيران وأمريكا والقوى الخمسة العالمية الأخرى غالبية العقوبات عن إيران تدريجياً إذا التزم الملالى بالاتفاقية، ويثير هذا الأمر المخاوف من أن ازدياد الرخاء فى إيران سيعزز تدخلها فى الشئون العربية، وأن استئنافها لمبيعات البترول سيؤدى إلى مزيد من الانخفاض فى أسعار البترول وصراع على الحصة السوقية، ولكن يرى آخرون فرصة فى الاتفاقية النووية، فمع إعادة فتح أكبر سوق فى المنطقة، التى تعد موطناً لما يقرب من 80 مليون شاب ذو تعليم جيد.
تعد دبى هى الأقدر على الاستفادة، ويعيش فى دبى غالبية الـ400 ألف إيرانى الذين يتخذون الإمارات موطناً لهم، كما تلعب الإمارة دور المضيف لما يقرب من 10 آلاف شركة تجارية إيرانية، رغم أن بعضها تعد مجرد وجهات للتهريب، فمن غير المثير للدهشة، إذن أن تكون الإمارات العربية المتحدة ثانى أكبر شريك تجارى لإيران بعد الصين، على الرغم من أن التجارة بين البلدان تباطأت منذ أن فُرضت العقوبات على طهران فى عام 2011.
وذكرت مجلة الإيكونوميست فى تقرير لها، أن الثلاثة قطاعات فى الاقتصاد الإيرانى الأسوأ تضرراً من العقوبات هى تلك التى تتفوق فيها دبى، فبدءاً بالنقل الجوى، الذى عانى فى إيران جراء نقص قطع الغيار لأسطولها المتهالك وغير الآمن، وفى الوقت ذاته، أنشأت دبى مركز خدمات جوى شاسع، بما فى ذلك منشآت الصيانة والتصنيع حول مطارها الذى يعد أحد أكثر المطارات ازدحاماً فى العالم.
وبالمثل أصيبت حقول البترول فى إيران بالشلل، نظراً لأن العقوبات أبقت المعدات اللازمة خارج البلاد، وستدار الكثير من الاستثمارات فى البنية التحتية الإيرانية من خلال ميناء دبى فى جبل على، الذى يعد مركزاً لكل شىء له علاقة بالأنابيب والمضخات وأجهزة الحفر، ويستعد ميناء جبل على، الذى شهد انخفاضاً بحجم الشحنات من إيران نتيجة العقوبات، لتعزيز مكانته كمركز رئيسى لشحن البضائع المتجهة إلى طهران.
والقطاع الثالث هو التمويل، إذ تركته العقوبات فى وضع يرثى له تماماً، وعلى النقيض، تستضيف دبى المراكز الرئيسية الإقليمية لأكبر البنوك، وتذكر روزبيه بيروز، لدى مؤسسة «تركواز بارتنرز»، وهى شركة استثمار فى طهران، ما حدث فى هونج كونج عندما سعت المؤسسات المالية العالمية والشركات متعددة الجنسيات للوصول إلى السوق الصينى. وقال روزبيه إن دبى تستطيع أن تلعب دوراً مماثلاً بالنسبة لإيران.
ويوجد بالفعل 50 رحلة طيران أسبوعياً بين دبى وطهران، فضلاً عن عشرات الرحلات الأخرى بين مختلف المدن الأخرى فى الإمارات وإيران، كما زادت «فلاى دبى»، شركة طيران اقتصادية، عدد الرحلات الجوية إلى إيران من رحلتين إلى تسع رحلات العام الجارى.
ويحذر المحللون من أن التأثير الاقتصادى للانفتاح الإيران سيأتى متأخراً، إذ سترفع العقوبات على مراحل، كما أن ذلك لن يحدث إلا فى حالة التزام طهران تماماً ببنود الاتفاقية النووية، ولن يتم إلغاء الحظر التجارى الأمريكى المتعلق بالإرهاب، وستواجه الشركات التى تسعى للتداول التجارى مع إيران مجموعة من العقبات البيروقراطية، إذ تحتل إيران المرتبة 130 على قائمة البنك الدولى لسهولة ممارسة أنشطة الأعمال، ولذا ربما ستختار بعض الشركات الانتظار قبل دخول السوق الإيرانية.
أما الصين فقد قال وزير خارجيتها، وانغ يى، بعد الإعلان عن الاتفاق التاريخى، إن دولته لعبت دوراً محورياً فى المفاوضات الإيرانية، وأعرب عن أمله فى أن طهران سوف تشارك الصين طريقها الطموح.
وأعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على أكبر صالحى، ان بلاده سوف تطلق خطة لبناء أربع محطات جديدة للطاقة النووية فى وقت واحد خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، وتخطط لإشراك أكثر من 20000 ألف من العمال والمهندسين فى هذا البناء العملاق، وسوف يقوم المقاولون الصينيون ببناء اثنين من الأربع محطات المقرر انشاؤها.
ووعدت الصين أيضاً بمساعدة إيران لإعادة تصميم المحطات النووية، الأمر الذى جعل الصين الفائز الأكبر فى هذه الصفقة، والتى سوف تزيد من تعزيز العلاقات بين الصين وإيران.
ومن المرجح أن تصبح شركات البترول الصينية أكبر مستثمر فى قطاع البترول الإيرانى، كما حدث من قبل فى العراق، فى الوقت الذى يتنافس فيه صانعى الأسلحة الصينية أيضاً مع نظرائهم الروس للاستحواذ على صفقات الدفاع الكبيرة.
ومن المرجح أن يوّفر الاتفاق فوائد كبيرة لقطاع البترول فى بكين، وتتخذه بكين فرصة كبيرة لزيادة واردات البترول الإيرانى، وبدأت الصين وإيران فعلياً بتكثيف تجارة البترول قبل اتفاق طهران وواشنطن وخمس حكومات أخرى، بما فى ذلك بكين.
وعلى مر الزمن يمكن أن تندفع الاستثمارات الصينية الجديدة فى مجال الطاقة والبنية التحتية، حيث قفزت صفقات البترول الإيرانى إلى ما يقرب من 30% العام الماضى، مقارنة بالعام السابق، وبعد عام 2009، تفوقت الصين على الاتحاد الأوروبى لتصبح أكبر شريك تجارى مع إيران بحزمة أموال تقدّر بحوالى 52 مليار دولار العام الماضى، وأصبحت المستثمر الرئيسى وزادت تجارتها مع طهران.