تتعدد أوجه الخسارة التى قد تتحملها السعودية والدول الخليجية نتيجة الاتفاق النووى الإيرانى، فهناك الوجه السياسى المتمثل فى احتمالية هيمنة إيران وزيادة نفوذها نتيجة التدفقات المالية بعد رفع العقوبات، وهناك الوجه الاقتصادى والمعنى بالبترول بشكل خاص فعودة طهران إلى ضخ البترول قد يؤثر سلبا على السوق المتراجع بالفعل.
وعسكرياً، تخشى الدول العربية من خرق إيران للاتفاق وسعيها وراء قنبلة نووية، وهو ما قد يدفع باتجاه سباق تسلح نووى فى المنطقة فى الفترة المقبلة.
وتبنت السعودية ودول الخليج نهجاً غامضاً كما هو متوقع تجاه الإعلان عن اتفاق نووى بين إيران والقوة العالمية، ففى العلن، هنأوا جارتهم، ودعموا حليفتهم، أمريكا، بينما من خلال المعلقين السياسيين لديهم، وبعض المسئولين الذين رفضوا الإفصاح عن هويتهم، أعربوا عن قلقهم وتحفظهم.
وقال مسئول سعودى لوكالة صحفية محلية إن المملكة دعمت الاتفاق الذى كانت تظن أنه سوف يمنع إيران من امتلاك سلاح نووى، ويتضمن نظام رقابة صارم ودائم، إلا أن الاتفاق الذى تم التوصل إليه فى فيينا سوف يجمد الأنشطة النووية لمدة 10 أو 15 عاماً، وليس نهائياً.
وأصدرت السفارة السعودية فى الولايات المتحدة بياناً أشارت فيه لاستيائها من الاتفاق، وحث على فرض إجراءات تفتيش صارمة، وتحذير إيران من استجابات صارمة وقوية إذا حاولت استخدام الاتفاق لزيادة الاضطرابات فى المنطقة.
وكان السعوديون أكثر صراحة فيما بينهم، ووصف أحد الدبلوماسيين الاتفاق على أنه «خطير للغاية».
ويقدم الاتفاق رفعاً تدريجياً للعقوبات الدولية مقابل إعاقة البرنامج النووى الإيرانى، وتخشى الدول العربية السنية مثل السعودية من أن تخفيف العقوبات سوف ينتج عنه فيضان من الأموال لإيران الشيعية، ما سيشجعها على اتباع سياسة خارجية أكثر تأكيدا للذات فى الوقت الذى تعصف فيه الصراعات بالمنطقة.
ويقول المحللون إن كيفية استجابة السعودية وحلفائها للتهديد المتصور ستكون عاملا حاسما فيما سيؤدى إليه الاتفاق، ويخشى البعض من أن الاتفاق النووى قد يشعل فتيل سباق تسلح فى المنطقة.
وقال الدبلوماسى السعودي، الذى تحدث مع صحيفة «واشنطن بوست» بشرط سرية الهوية، إنه فى حال رفع العقوبات، فسوف تحاول إيران بقوة أكبر أن تعيد تشكيل المنطقة، موضحا أن إيران تحاول تغيير الشرق الأوسط، وهو أمر غير مقبول للسنة.
وفى نفس الوقت، عبرت سوريا، حليفة إيران، عن دعمها للاتفاق، ووصفه الرئيس بشار الأسد بالانتصار الكبير.
استخدمت إيران الجماعة المسلحة الشيعية، حزب الله، فى لبنان لدعم الأسد خلال الحرب الأهلية الممتدة منذ 4 سنوات، فى حين وقفت السعودية ودول الخليج فى الجانب الآخر، ودعمت المتمردين السنة.
وفى اليمن، دعمت إيران المتمردين الحوثيين الشيعة، فى حين قامت السعودية بحملات قصف جوى لدعم الائتلاف السنى، وفى العراق، وسعت إيران نفوذها السياسى والعسكرى فى الوقت الذى تحارب فيه الحكومة الدولة الإسلامية.
وقال الدبلوماسى إن هناك شعوراً بين القادة الخليجيين بأن الحكومة الأمريكية تسرعت فى التوصل لاتفاق قبل انتهاء الفترة الرئاسية لأوباما.
وأوضح الدبلوماسى أن العلاقة يين الخليج والولايات المتحدة ستستمر، مشيرا إلى أن الوضع أصبح حساسا للغاية، وإلى أن الدول الخليجية قد تتطلع لشركاء آخرين مثل الصين إذا قدمت الولايات المتحدة كل شيء لإيران.
وقال عبدالخالق عبدالله، المحلل السياسى المقيم فى الإمارات، إن الاتفاق قد يؤدى إلى سباق تسلح نووي، رغم أنه يحد من قدرة إيران على صنع قنبلة نووية فوراً.
وأعرب جيران طهران عن قلقهم من أن رفع العقوبات الاقتصادية على إيران سوف يقدم المزيد من الأموال للجمهورية الإسلامية التى ستستخدمها فى الإنفاق على الجماعات المسلحة فى المنطقة.
وقال ريتشارد نيفيو، رئيس الفريق الأمريكى المسئول عن التفاوض بشأن العقوبات، إنه يتوقع أن تنفق إيران جزءا من تلك الأموال على وكلائها فى المنطقة، ولكنه يعتقد أن معظم الاموال سوف توجه لإصلاح الاقتصاد المتداعى فى الداخل.
وأفاد نيفيو بأن توهم بعض الناس بأن إيران سوف تنفق كل سنت على الأسد والحوثيين هو توهم ينفيه التاريخ والحس السليم.
كما تخشى السعودية ودول الخليج من عودة إيران إلى ضخ البترول خاصة أنهم يعانون للمرة الأولى منذ سنوات من عجوزات فى موازناتهم التى اعتمدت على سعر البرميل فوق المئة دولار، ولجأت السعودية إلى احتياطياتها النقدية الضخمة لتغطية العجز، كما بدأت فى إصدار السندات للحد من استنزاف الاحتياطيات، وتدرس الكويت أيضا إصدار سندات.
ويستهدف المسئولون الإيرانيون ضخ ما يصل إلى مليون برميل يوميا خلال أشهر، وهذا يأتى فى وقت حساس، خاصة أن الاضطرابات فى سوق الأسهم الصينية قد تتسبب فى تباطؤ الاقتصاد المفترض أن يشكل جزءا كبيرا فى نمو الطلب على الطاقة، وعلاوة على ذلك، لا يزال الإنتاج الأمريكى قويا، كما تقوم السعودية والعراق بضخ البترول بمستويات قياسية.
ويقول بيجان خازيهبور، استشارى يتابع قطاع الطاقة الإيراني: «يتمثل السؤال الأول فى مدى السرعة التى يستطيعون بها العودة إلى السوق، والثانى فى مدى السرعة التى سيسوقون بها بترولهم فى حروب الأسعار الحالية؟».
ويعتقد خازيهبور أنه بمجرد السماح لإيران ببيع بترولها بحرية أكبر، فإنها تمتلك فى خزائنها ما يعادل 20 مليون برميل ستبيعها بمجرد أن تجد مشترين، وبعد ذلك مباشرة، ستتمكن الدولة من زيادة إنتاجها بحوالى 400 ألف برميل يومياً من الحقول التى قلصت إنتاجها.
وبعد ذلك، سيتمكن المهندسون الإيرانيون من ضخ 500 ألف برميل إضافية خلال عام أو نحو ذلك من خلال إعادة تشغيل الآبار التى أغلقت.







