تشهد مصر غدا افتتاح قناة السويس الجديدة لتكون ممر عالمي أخر يساعد في تسهيل عبور السفن بالتوازي مع قناة السويس الحالية التي يرجع تاريخ انشاءها إلي القدماء المصريين .
تاريخ قناة السويس قبل الميلاد :
يعد المصريين القدماء اول من شق قناة السويس لربط البحر الابيض المتوسط بالبحر الاحمر عن طريق نهر النيل و فروعه, و كانت اول قناه انشاءها سنوسرت الثالث احد ملوك الاسره الثانيه عشر عام 1874 ق.م, وهى قناة “سيزوستريس” .
اُهملت هذه القناه و اعيد افتتاحها عدة مرات تحت اسماء عديدة, منها قناة “سيتى” الاول عام 1310 ق.م و قناة “دارا” الأول عام 510 ق.م, ثم قناة “بطليموس” الثانى عام 285 ق.م
بداية مشروع القناة :
عقب عودة نابليون إلى فرنسا عام 1801 بعد فشل حملته على مصر التي استمرت 13 شهراً، أرسل دبلوماسياً اسمه ماتيو دي لسبس إلى مصر لإختيار والى لمصر موالى لفرنسا, يحكمها بعد أن قام الإنجليز بإختيار البرديسي .
و وقع اختيار ماتيو دي لسبس على محمد علي الضابط الألباني القريب من شيوخ الأزهر, فإصطفاه وقدم له المشورة والمساعدة وهو ما لم ينساه محمد علي .
وعندما مات ماتيو دي لسبس جاء ابنه الشاب فرديناند دي لسبس كقنصل مساعد لبلاده فرنسا في الإسكندرية, واستقبله محمد علي بحفاوة كبيرة وعرض عليه أن يعمل في القصر مربياً ومعلماً لابنه محمد سعيد باشا, وعلى إثر ذلك توطدت الصداقة بين الدبلوماسي الفرنسي والأمير.
و بعد أن جاء سعيد باشا إلى سُدة الحُكم، عرض عليه دي لسبس مشروع حفر القناة الذي قوبل فوراً بالموافقة بعكس والده محمد على الذى رفضه .
“السخرة” و استغلال الموارد البشرية المصرية :
عهد دي لسبس إلي المهندس الفرنسي فوازان بك بمنصب رئيس مهندسي موقع حفر القناة، والذي كان مسئولاً عن الحياة اليومية في موقع الحفر بكل تفاصيلها، من تقدم عملية الحفر والنفقات والعلاقات بين العمال من مختلف الجنسيات .
الى ان جاءت فكرة “السخرة”, و هى تسخير الفلاحين المصريين لحفر القناة بأوامر من دي لسبس, بإعتباره رئيس شركة قناة السويس البحرية العالمية التي كان قد أسسها لتولى عمليات الحفر في الموقع.
و حُفرت القناة عن طريق سواعد نحو مليون فلاح مصري ممن أجبروا على ترك حقولهم وقراهم ليشقوا الصحراء في أجواء من المرض والإهانة .
و مات بسبب السخرة أكثر من 120 ألف مصري أثناء عملية الحفر على إثر الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة, و لم يستدل على معظم جثامينهم ودفنوا في الصحراء أو تحت مياه القناة.
أجور العمال بقناة السويس :
انفرد دي لسبس وحده بوضع لائحة العمال وحاز على توقيع الخديوي سعيد عليها، والتي ضمنت لشركة قناة السويس البحرية الفرنسية في ذلك الوقت الموارد البشرية الهائلة من خلال تعبئة المصريين لحفر القناة .
وجاءت المادة الأولى من اللائحة لتنص على أن تقدم الحكومة المصرية العمال للشركة طبقاً للطلبات التي يتقدم بها كبير مهندسي الشركة, وطبقاً لإحتياجات العمل، وحددت المادة الثانية أجور العمال التي تراوحت ما بين قرش ونصف الى ثلاثة قروش في اليوم, و العامل دون الثانية عشرة من عمره يتقاضى قرشاً واحداً في اليوم .
والتزمت الشركة بتقديم الخبز المقدد إلى كل عامل بصرف النظر عن عمره، ونصت اللائحة على فرض عقوبات على العمال الهاربين من الحفر .
ونصت اللائحة أيضاً على اقامة مستشفى ميداني بمنطقة الحفر ومراكز للإسعاف مزودة بالأدوية, بعد بدء فصول معاناة العمال من خلال نقض الشركة لوعدها بحفر قناة ماء عزب لمد العمال بمياه الشرب مما أدى للتضحية بآلاف العمال الذين أنهكتهم شدة العطش والانهيارات الرملية.
و توالى سقوط الآلاف بسبب انتشار الأوبئة، كما خالفت الشركة وعدها بتوفير وسائل متطورة في الحفر بدلا من اعتياد العمال المصريون على العمل في ظروف قاسية معتمدين فقط على سواعدهم وعلى الفأس والقفة.
في شهر ديسمبر 1861 ذهب سعيد باشا بنفسه إلى منطقة الحفر، وأمر بحشد 20 ألف شاب لزيادة معدلات الحفر، فشهدت بذلك سنوات الحفر الأولى للقناة أكبر عملية حشد للعمال بلغت في عام 1862 ما بين 20 ألف و22 ألف عامل يساقون لساحات الحفر في الشهر الواحد، قادمين من الوجهين القبلي والبحري .
وأظهر عمال الوجه القبلي تحدياً سافراً للشركة, مما اضطر الشركة للاستعانة بالشرطة لإخماد تمرد العمال ومطاردتهم وتعذيبهم .
مدينة فرز العمال :
كانت مدينة الزقازيق هي منطقة فرز العمال التي كان يستبعد بها أصحاب الأجسام النحيلة ويختار منهم الشبان الأقوياء، الذين يرسلون إلى منطقة القناة سيراً على الأقدام في أربعة أيام وهم مقيدين بالحبال يحمل كل منهم قلة ماء وكيس خبز جاف .
تعنت الشركة الفرنسية و موت العمالة المصرية :
كانت عمليات الحفر من المشاهد المثيرة التي يحرص على رؤيتها السائحون الأجانب في هذا العصر.
وتمادت الشركة في تعنتها ولم تدفع أجور العمال، واستمر نقص المؤن والملابس والأحذية، كما أنشأت معتقل يُرسل إليه من يسيء السلوك .
وأنشأت إدارة طبية ومركزاً لإسعاف المرضى لرعاية العمال، ولكن صدرت الأوامر بأن تركز هذه الإدارة جهودها فقط في رعاية العمال والموظفين الأجانب، مما عرض العمال بشكل مجحف للموت من شدة فتك الأمراض بهم .
وطبقاً للتقارير الطبية المحفوظة في مكتبة بلدية الإسكندرية, كان أكثر الأمراض انتشاراً بين العمال هي النزلات الشعبية والأمراض الصدرية والرمدية وحالات الإسهال الشديد والدوسنتاريا وأمراض الكبد والجدري والسل، ثم جاءت الكوليرا في صيف عام 1865 وعصفت بالعمال لدرجة أن الشركة لم تجد رجالاً يرفعون جثث الموتى الذين كان يتم دفنهم في الصحراء .
وتلاها ظهور مأساة تعرض العمال خلال الحفر لمادة طينية سائلة كانت تحتوي على فوسفور حارق مما أدى إلى إصابة الآلاف بالأمراض الغامضة التي أدت إلى وفاتهم على الفور .
والغريب أن الحكومة الفرنسية منحت في 19 يناير 1867 وسام الشرف من طبقة فارس للدكتور أوبير روش كبير أطباء الشركة الفرنسية تقديراً لجهوده التي قيل إنه بذلها في حماية العمال المصريين من الموت
افتتاح القناة :
في 25 أبريل 1859 دشن دي لسبس حفر القناة في عهد الخديوي سعيد، وانتهى العمل بها بعد عشر سنوات في عهد الخديوي إسماعيل الذي سافر إلى أوروبا في 17 مايو 1869 لدعوة الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن لحضور حفل افتتاح القناة الذي عزم أن يقيمه في 17 نوفمبر 1869.
و بدأ الخديوى اسماعيل في الإعداد للحفل الكبير, فإستخدم 500 طاهى وألف خادم لخدمة الضيوف، وطلب من دي لسبس أن يقوم بالاستعدادات لضيافة ستة آلاف مدعو .
وفي يوم 15 أكتوبر 1869 بدأ المدعون بالقدوم ضيوفاً على مصر في بورسعيد مقر الحفل، والتي ضاقت أرجاؤها بالمصريين القادمين من جميع أنحاء مصر لمشاهدة فعاليات الافتتاح .
و سافر الخديوي مع حاشيته ووزيريه نوبار باشا وشريف باشا إلى الإسكندرية ليستقل يخته المحروسة مبحرا إلى بورسعيد، وتحمل ضيوفه الحاضرين على نفقته الخاصة .
واصطفت أساطيل الدول في مرفأ بورسعيد ومن ضمنها الأسطول المصري وقد انتشرت على ضفاف القناة قوات الجيش المصري للحفاظ على نظام الاحتفال.
ووقفت السفن بالمرفأ على شكل قوس وكان عددهم يفوق الـ 80 سفينة بجانب 50 سفينة حربية منها, 6 مصرية ومثلها فرنسية و 12 إنجليزية و7 نمساوية و5 ألمانية و واحدة روسية واخرى دنماركية واثنتان هولنديتان واثنان أسبانيتان.
محاوله مد الامتياز :
في عام 1910 تقدمت شركة القنال بطلب للحكومة المصرية لمد امتياز شركة قناة السويس الذي كان سينتهي في17 نوفمبر 1968 لمدة 40 سنة أخري تنتهي سنة 2008.
وأيدت الحكومة البريطانية و سلطة الاحتلال مد الامتياز, خاصة بعد بدء تضاعف الحركة الملاحية بالقناة حتي بلغت عام 1889 ضعف ما كانت عليه عام 1881 و تضاعفت مرة أخري عام 1911 , و كانت البضائع البريطانية تمثل 78,6% من مجموع البضائع المارة بالقناة.
مواد مد الامتياز :
مد فترة الامتياز الممنوح لشركة قناة السويس 40 سنة تبدأ من أول يناير 1969 إلي 31 ديسمبر 2008, يقسم صافي الأرباح مناصفة بين الشركة و الحكومة المصرية .
و نصت على انه إذا كان صافي الأرباح أقل من 100 مليون فرنك، تحصل شركة قناة السويس علي خمسين مليون فرنك و لا تنال الحكومة المصرية إلا ما قد تبقي, و فى حين كانت أرباح القناة أقل من خمسين مليون فرنك، تحصل الشركة علي كامل الأرباح و لا تحصل الحكومة المصرية علي أي شيء.
و كان مقابل مد الامتياز لأربعين سنة, تدفع الحكومة المصرية أربعة ملايين جنيه مصري علي أربع أقساط .
الحركة الوطنية و رفض مد الامتياز :
قادت الحركة الوطنية المصرية بقيادة محمد فريد, هجوما كاسحا علي طلب المد و قلبت الرأي العام ضده، وقام إبراهيم الورداني بإغتيال رئيس الوزراء بطرس غالي باشا سنة 1910 بسبب سعيه نحو مد امتياز القناة .
وقام الاقتصادي المصري طلعت حرب بتأليف كتاب عن قناة السويس ليوضح الحقائق للعامة و الخاصة عن تاريخ القناة و كيف ضاعت حصص مصر من الاسهم و الأرباح و خسائرها حتي 1909م.
و أوضح أن السهم الذي باعته مصر بـ 560 فرنكا للسهم الواحد, أصبح سعره بعد 30 سنة فقط 5010 فرنكا للسهم، و أن حصة مصر من أرباح القناة التي باعتها بـ 22 مليون فرنك أصبحت قيمتها 300 مليون فرنك.
و كلفت الجمعية العمومية “مجلس النواب”, طلعت حرب باشا و سمير صبري باشا بكتابة تقرير عن الموضوع، و بالفعل قدموا تقريرهم للجمعية الذي وضحوا فيه خسائر مصر المالية المتوقعة في حالة تمديد الامتياز الحالي بالشروط السالف ذكرها، و بناء علي هذا التقرير رفضت الجمعية العمومية عرض تمديد امتياز شركة قناة السويس و بقي الامتياز قائما بشروطه .
تأميم القناة :
أعلن الرئيس جمال عبد الناصر في 26 يوليو 1956، قرار تأميم شركة قناة السويس، و الذى تسبب لاحقاً في إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على مصر ضمن العدوان الثلاثي والذي انتهى بأنسحابهم .
و جاء قرار التأميم بعد أن سحبت الولايات المتحدة عرض تمويل السد العالي بطريقة مهينة لمصر، ثم تبعتها بريطانيا والبنك الدولي.
و قدمت بريطانيا على إثر القرار احتجاجاً رفضه الرئيس عبد الناصر بإعتبار أن التأميم عمل من أعمال السيادة المصرية.
و قامت هيئة المنتفعين بقناة السويس بسحب المرشدين الأجانب بالقناة لإثبات أن مصر غير قادرة على إدارة القناة بمفردها، إلا أن مصر أثبتت عكس ذلك .
و جمدت كلاً من فرنسا وإنجلترا الأموال المصرية في بلادهما، في وقت كان للحكومة المصرية حساب دائن بإنجلترا من ديون الحرب العالمية الثانية يقدر بنحو 135 مليون جنيه استرليني.
و قامت الولايات المتحدة بتجميد أموال شركة القناة لديها، وكذلك تجميد أموال الحكومة المصرية حتى تتضح الأمور فيما يتعلق بمستقبل شركة قناة السويس، وكانت أموال الحكومة المصرية هناك تقدر بنحو 43 مليون دولار، أي ما يعادل نحو 15 مليون جنيه مصري وقت التأميم.
وبلغ مجموع الأموال المصرية التي تقرر تجميدها في إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة ما يزيد على القيمة المالية لشركة قناة السويس، كما قررت الولايات المتحدة وقف تقديم أي مساعدة مالية أو فنية لمصر .
وضغطت كلاً من من فرنسا وإنجلترا على سويسرا لتتعاون معها عن طريق تجميد الأموال المصرية لديها، ولكنها لم تستجب لذلك.
و أذعن مدير شركة قناة السويس إلى جميع اتحادات أصحاب السفن بأن يدفعوا رسوم المرور في القناة إلى شركة قناة السويس وليس إلى الحكومة المصرية، وبلغت نسبة مجموع الرسوم التي دفعت إلى الحكومة المصرية منذ التأميم وحتى إغلاق القناة نحو 35% والباقي دفع لشركة قناة السويس، وقدر ذلك بأكثر من خمسة ملايين جنيه مصري، وهو المبلغ الذي تقرر خصمه من مجموع التعويض الذي دفعته الحكومة المصرية للشركة أثناء مفاوضات التعويض .
اغلاق القناة :
تسببت حرب 1967 في إغلاق قناة السويس لأكثر من 8 سنوات، حتى قام الرئيس محمد انور السادات بإعادة افتتاحها في يونيو 1975 .
و شهدت القناة بعد ذلك محاولات لتوسيعها بدأت عام 1980 وكذلك فكرة تحويلها إلى منطقة خدمات لوجستية، وفي 5 أغسطس 2014 تم تدشين مشروع حفر قناة موازية للممر الملاحي الحالي بطول 72 كم، لتمكين السفن والناقلات من عبور القناة في كلا الاتجاهين في ذات الوقت.
و يتلافى المشروع المشكلات الحالية من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، وتقليل زمن رحلة عبور القناة بشكل عام، مما يسهم في زيادة الإيرادات الحالية للقناة, على أن ينتهي المشروع خلال عام واحد في 6 أغسطس من العام الجارى .
و تعد قناة السويس أحد أهم المجاري البحرية في العالم، حيث بلغت إيرادات القناة في العام المالي (2014 – 2015) نحو 39 مليار جنيه مصري, ويمر عبر القناة ما بين 8% إلي 12% من حجم التجارة العالمية.








