بنكان فقط من أصل 10 بنوك مازالا يحققان أرباحاً كبيرة من أذرعهما الاستثمارية
بعد عامين من خفض الوظائف وإعادة التنظيم، تقوم غالبية البنوك الاستثمارية الكبرى فى العالم باستثمارات بنكية ضئيلة جداً اليوم، وبنكان فقط من بين أكبر عشرة بنوك عالمية هما «جولدمان ساكس» و«مورجان ستانلى»، لايزالا يحصلان على غالبية إيراداتهما من العمليات المصرفية الاستثمارية مقابل ستة بنوك قبل الأزمة المالية العالمية. ويعكس هذا المشهد الجديد الانسحاب الدراماتيكى لكبار البنوك الأوروبية بعد أن عانوا خسائر كارثية خلال الأزمة ثم واجهوا ضغوطاً تنظيمية للتراجع عن الأنشطة الخطرة، وتعد هذه البنوك قوة متلاشية إلى حدٍ كبير فى الأنشطة المصرفية الاستثمارية التقليدية مثل الطروحات الأولية وعمليات الاندماج والاستحواذ وبيع سندات الشركات، فضلاً عن الأنشطة الأخرى مثل مساعدة العملاء فى تداول الأسهم والسندات وخلق منتجات مالية مثل المشتقات.
وخفضت أيضاً البنوك الأمريكية الكبرى، التى تواجه ضغوطاً تنظيمية وخسائر، من عملياتها فى قطاع الأنشطة المصرفية، ومنذ اندلاع الأزمة المالية العالمية تراجع أعداد الموظفين بنحو 40.000 أى 30% تقريباً فى الأقسام المصرفية الاستثمارية لخمسة بنوك عالمية كشفوا عن البيانات. وأوضح تحليل لصحيفة فاينانشيال تايمز مدى تأثير إعادة الهيكلة فى أكبر بنوك العالم التى تركت لهم أعداداً قليلة جداً من أذرعتهم الاستثمارية، وحلت الخدمات المصرفية الخاصة وإدارة الثروات محل الأعمال المصرفية الاستثمارية كمراكز ربحية كبيرة فى بعض البنوك العالمية. بينما تعيد البنوك الأخرى ترتيب أوراقها فى الوقت الذى تبتعد فيه البنوك المحلية عن المعاملات المالية عالية المخاطر، وتتطلب كلا الاستراتيجيتين موارد مالية أقل من البنوك الاستثمارية، إذ ارتفعت متطلبات رأس المال ارتفاعاً هائلاً بعد موجة من القواعد التنظيمية بعد الأزمة المالية، كما أنها تتمتع بإيرادات أكثر استقراراً.
وسلك بنك «يو بى إس» أكبر بنك فى العالم من حيث قيمة الأصول قبل الأزمة المالية، مسار إدارة الثروات كجزء من التحول الجذرى الذى بدأ سريعاً بعد الأزمة، ولكنه حقق نجاحاً كبيراً أواخر عام 2012، عندما أعلن البنك السويسرى انسحابه من الاستثمار فى أدوات الدخل الثابت، وحققت أعماله المصرفية الاستثمارية إيرادات بلغت 2.4 مليار فرنك سويسرى فى الربع الثانى من العام الجارى- وهى إيرادات أقل بكثير من تلك التى حققها فى الربع الثانى من عام 2007، وبلغت 6.2 مليار فرنك سويسرى، أى قبل عام واحد من انهيار بنك ليمان براذرز الذى أشعل الأزمة المالية. وتهدف الخطة إلى تحسين نسب رأس المال بأقل تكلفة من خلال التركيز على مجالات الخدمات المصرفية الاستثمارية التى عرضت جزءاً أقل من رأسمال بنك «يو بى إس» للخطر وجذبت المزيد من المعاملات التنظيمية الأكثر ملائمة. ومن خلال هذا البنك الاستثمارى الأصغر حجماً، جاء ما يقرب من نصف إيرادات البنك خلال الربع الثانى من مساعدة العملاء فى تداول الأسهم، وجاءت 30% من الإيرادات من الأنشطة المصرفية الاستثمارية التقليدية بما فى ذلك تقديم المشورة للعملاء وأسواق الأسهم والسندات، وتختلف تلك الصورة اختلافاً كبيراً عن تلك الموجودة فى بعض البنوك الاستثمارية الأخرى، التى مازالت تحقق جزءاً كبيراً من إيراداتها من رسوم التداول وبيع المنتجات المالية مثل المشتقات.
ولاتزال البنوك الأخرى تعمل على تقلص أذرعها الاستثمارية، إذ خفض بنك «باركليز» بالفعل «جزء من أذرعه الاستثمارية ويتعهد بالمزيد بقيادة رئيسه التنفيذى، جون ماكفارلين، وكذلك “دويتشه بنك” الذى يضع اللمسات الأخيرة لخطته الاستراتيجية الجديدة تحت رئاسة مديره التنفيذى الجديد، جون كراين، كما يراجع الرئيس التنفيذى الجديد لبنك “كريدى سويس”، تيدجانى تيام، استراتيجية الأعمال المصرفية الاستثمارية. وعلى الرغم من أن بنك “مورجان ستانلى” أحد أكبر البنوك الاستثمارية المتبقية، ينوع أيضاً أعماله المصرفية الاستثمارية من خلال الانخراط فى سمسرة التجزئة من خلال الاستحواذ على عمليات شركة الوساطة “سميث بارنى”.
وقال كولم كيلهير، الرئيس المشارك لإدارة الأوراق المالية المؤسسية فى بنك مورجان ستانلى، إن الذراع الاستثمارى للبنك سيستمر فى توليد نصف إيراداته تقريباً، إذ تلعب هذه الأعمال المصرفية الاستثمارية دوراً مهماً فى أداء الاقتصاد العالمى وتعد عاملاً أساسياً فى خلق النمو. وخفض بنك “جى بى مورجان تشيس” نحو 25.000 وظيفة فى أذرعه الاستثمارية منذ منتصف عام 2007، ولكن القسم مازال يوظف نحو 50.000- أى أكثر من عدد موظفى بنك “جولدمان ساكس” أو “كريدى سويس”، وأقل قليلاً من عدد موظفى “مورجان ستانلى” البالغ عددهم 56.000 موظف. وتأتى نصف إيرادات بنك “جى بى مورجان« من شركاته وأعمالة المصرفية الاستثمارية، كما يأتى نحو 20% من إيرادات ذراعه الاستثمارية من الأعمال المصرفية التقليدية، ويحقق البنك باقى إيراداته من ذراعه الاستثمارى من أدوات الدخل الثابت والأسهم. وقال دانيال بينتو، رئيس وحدة الأعمال المصرفية الاستثمارية فى البنك، إن المهمة تنصب على تقديم قاعدة مصرفية عالمية كاملة للعملاء، و”ندرك أنها استراتيجية نادرة على نحو متزايد بين البنوك الاستثمارية الرائدة، ولكن حجم ومكانة “جى بى مورجان” يضعنا فى وضع متميز لتحقيق هذه المهمة”. وتعد الخدمات المصرفية الاستثمارية أكثر ربحية من الخدمات المصرفية الأخرى، إذ تولد الأذرعة الاستثمارية للبنوك عائدات أفضل من العمليات المصرفية الأصلية الأخرى فى سبعة بنوك من أصل 8 بنوك كشفوا عن بيانات الأنشطة المصرفية الاستثمارية. ولكن ميزة الإيرادات للبنوك الاستثمارية يجب أن تتضاءل عندما ترتفع أسعار الفائدة نظراً، لأن خدمات التجزئة المصرفية ستصبح أكثر ربحية، كما تحتاج البنوك الاستثمارية عائدات أعلى من الخدمات المصرفية الأخرى لتتمكن من تحمل الخسائر الضخمة المحتملة. ويتوقع كريستيان ميسنر، رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية لدى بنك »ميريل لينش«، أن أرباح البنوك مرتفعة بما يكفى للبدء فى تخصيص مزيد من الموارد للخدمات المصرفية الاستثمارية، ويقول: “لاتزال العائدات جاذبة على نحو كبير عن الخدمات المصرفية الأخرى”.








