ارتفاع قيمة مؤشر الأسف عالمياً جراء طاحونة أزمات الاقتصاد
عندما يرتكب الشخص خطأ ويعترف به، سواء كان الخطأ بقصد أو عن غير قصد، فمن البديهى أن يُقدم على الاعتذار، فى محاولة لتحسين الوضع قائلاً: «أنا آسف».
ولكن عندما نقوم بدور القادة، فالظروف تكون مختلفة، فالقادة مسئولون ليس فقط عن السلوكيات الخاصة بهم، ولكن، أيضاً، عن أتباعهم، الذين قد يصل عددهم إلى المئات، وآلاف، أو حتى الملايين.
وفى تقرير لمجلة مجلة هارفارد بزنس ريفيو، أكد أن اعتذارات القادة لها آثار واسعة النطاق على الفرد والمؤسسة، لأنها ليست مجرد اعتذار على مستوى فرد واحد، ولكن، أيضاً، على مستوى المؤسسة، وليست مسألة شخصية، ولكنها، أيضاً، سياسية تؤثر على طبيعة العمل.
إن اعتذار القادة أو المديرين له مخاطر كبيرة عن أنفسهم، وأتباعهم، بل وعلى المنظمات والشركات التى يمثلونها.
وعملية التكبر ورفض الاعتذار يمكن أن يكون مسألة ذكية، وربما يكون فى بعض الأحيان انتحاراً. وعلى العكس من ذلك، اعتذار المدراء يمكن أن ينظر إليه على أنه علامة على الشخصية القوية أو باعتباره علامة على الضعف.
إن الاعتذار الناجح يمكن أن يتحول إلى انتصار على العداوة الشخصية والتنظيمية فى حين أن الاعتذار المتأخر، والذى يأتى بعد فوات الأوان يمكن أن يجلب الخراب على الأفراد والمؤسسات. وخلال العقد الماضى، وضعت الولايات المتحدة ثقافة الاعتذار لجميع أنواع التجاوزات، والتى تمتد حتى للمديرين.
وقدّم هارون لازار، فى كتابه عن الاعتذار أدلة وافرة على أن عدد الاعتذارات حول العالم آخذ فى الارتفاع، لافتاً، أيضاً، إلى أن الاعتذار أصبح له قيمة فى ظل المطحنة الجماعية والأزمات الاقتصادية المتعاقبة.
وبدأ أعضاء من مختلف المهن لا يخشون الاعتذار، فى الوقت الذى كانوا فيه فى الماضى لا يعرفون شيئاً عن نموذج التواضع ومناقشة دور الاعتذار فى ممارساتهم المهنية.
وعلى سبيل المثال، كثير من الأطباء الآن على الأقل ينظرون إلى الاعتذار للمريض على أنه خطأ طبى ومدرج ضمن مهنة الطب عموماً، وسهلت القوانين الجديدة لمقدمى الخدمات الطبية عملية الاعتذار لمرضاهم.
وفى عام 2003، سنّت ولاية كولورادو، قانوناً ينص على أن الاعتذار الذى يقدّمه مقدمو الرعاية الصحية من شأنه أن يدرج فى أى دعوى مدنية، ويكون مقبولاً كدليل على المسئولية، ولكن العديد من الدول الأخرى رأت أن تعبيرات التعاطف غير مقبولة داخل قاعات المحكمة.
وارتفع عدد المدراء الذين يقدمون اعتذارات لموظفيهم وعملائهم فى الوقت الراهن بل واصبح الاعتذار علناً يصل إلى حد نشره فى الصحف والمجلات.
يستخدم القادة الاعتذارات فى كثير من الأحيان فى محاولة للخروج من الأزمة بأقل تكلفة ممكنة، وأعرب الكثير من المديرين التنفيذيين للشركات عن أسفهم من العديد من الجرائم فى صيف عام 2000 حتى إن بعض الكتّاب أطلقوا عليه اسم «صيف الاعتذارات».
وأحياناً يقدّم القادة الاعتذار حتى عن الأخطاء التى لم يتسببوا فيها، فعلى سبيل المثال قدّمت المستشارة الألمانية فيلى برانت، اعتذاراً عن الجرائم المرتكبة قبل ثلاثة عقود على يد النازيين ضد اليهود البولنديين فى زيارتها لدولة بولندا عام 1970.
ومؤخراً، فى عام 2005 كشف كين تومسون، رئيس مجلس الإدارة، الرئيس التنفيذى لشركة اتشوفيا، أكبر شركات الخدمات المالية، أن اثنتين من الشركات التى استحوذت عليها تمتلكان عبيداً، وبعدها قدّم اعتذاراً لجميع الأمريكيين، وخصوصا الأمريكيين من أصل أفريقي.
والأكثر من ذلك قدّم العديد من القادة خارج عالم الشركات اعتذارات كبيرة فى السنوات القليلة الماضية، حيث اعتذر وزير الدفاع الأمريكى السابق روبرت ماكنمارا، مراراً وتكراراً لحكمه الضعيف خلال حرب فيتنام.
واعتذر فيسينتى فوكس، رئيس المكسيك، عن قوله بأن المكسيكيين كانوا على استعداد لشغل وظائف فى الولايات المتحدة حتى الوظائف التى أراد السود القيام بها.
واعتذر لورانس سامرز، رئيس جامعة هارفارد الأمريكية عن إدلائه بتصريحات أغضبت النساء، حيث أفاد بأن الكفاءة الذاتية يفسرها قلة عدد النساء فى مجال العلوم والهندسة. ولكن بعد هذا التصريح أرسل سامرز، رسالة إلى كل فرد من أفراد المجتمع فى جامعة هارفارد يعبر فيها عن أسفه العميق، بعد أن دفعت تصاريحه الإحباط إلى الناس فى الجامعة وخارجها الذين عملوا بجد لسنوات عديدة لتعزيز تقدم المرأة فى العلوم والحياة الأكاديمية، وبعدها قدّم استقالته من منصبه فى عام 2006.
وبطبيعة الحال، فإن تقديم الاعتذارات مثل كل شيء آخر يعكس الثقافات داخل الدولة بل أيضاً داخل المؤسسة.
ويجب أن تظهر اعتذارات القادة فى صورة قوية ومؤثرة، ولكن لا ينبغى لهم الإكثار من تقديم الاعتذار، يجب أن يكون هناك أسباب قوية تدفعهم للقيام بذلك.







