بقلم: دكتور/ طارق سعد الدين شل
مدير العلاقات الخارجية بالمصرف المتحد
الحكومة المصرية تتوقف عن توقيع اتفاقيات استيراد غاز 3 أعوام مقبلة
خفض استيراد وتشجيع التصدير يدعمان توفير إيرادات النقد الأجنبى
أعلنت شركة إينى الإيطالية، والتى تحظى بامتياز التنقيب عن البترول داخل المياه الإقليمية لمصر (بمنطقة امتياز الشروق) عن اكتشاف أكبر حقل للغاز الطبيعى بمصر والعالم من حيث حجم احتياطياته التى بلغت طبقاً لتقديرات الشركة 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وذلك شمال السواحل المصرية على بعد 190 كيلومتراً شمال شرق سواحل بورسعيد، وهو الخبر الذى ألقى بظلاله الإيجابية على المصريين، حيث يمكن القول إن ذلك الحقل هو هدية إخلاص النوايا من جانب القيادة السياسية، ولا تنبع أهميته فقط من حجم احتياطياته التى تعتبر الأضخم فى التاريخ، ولكن أيضاً من اعتباره إعلاناً عن بدء مرحلة جديدة فى المنطقة بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، والتى قد يكون اكتفاؤها ذاتياً من الغاز الطبيعى خلال سنوات معدودة على أصابع اليد الواحدة، وهو ما يعنى استغناءها عن الخارج فى الحصول عليه على المدى البعيد، وقد يكون على المدى القصير، خاصة أنها ستعتمد على شحنات الغاز الروسى من خلال شركة الغاز الروسية غازبروم، كما أعلن وزير الطاقة الروسى والتى ستقوم بتزويد مصر بمليون طن من الغاز المسال سنوياً لمدة خمسة أعوام قادمة، ما جعل الحكومة المصرية توقف توقيع اتفاقيات استيراد غاز لثلاث سنوات قادمة إلى أن تتضح الصورة، خاصة أن ذلك الكشف والتركيب الجيولوجى للتربة فى هذه المنطقة ينبئان بوجود حقول أخرى قريبة من موقع الكشف.
إن هذا الكشف ومع بدء الإنتاج سيكون له مردود إيجابى على الاقتصاد المصرى، خاصة على ميزان المدفوعات، فى ظل حقيقة أن احتياطى مصر من الغاز الطبيعى منخفض للغاية، حيث وصل طبقاً لآخر إحصاءات الشركة القابضة للغازات (قبل هذا الكشف) إلى ما يقرب من 14 مليار برميل مكافئ، وهو ما يمثل ثلاثة ارباع الاحتياطى المصرى من النفط والغاز الطبيعى وهو احتياطى لا يلبى احتياجات السوق المصري، والذى يستهلك 1.5 تريليون قدم مكعب سنوياً، ويستدعى الاستيراد لتلبية مطالب السوق، حيث تستورد %50 من احتياجاتها من النفط والغاز تزيد سنوياً بمعدل %3، وهو ما يمثل ضغطاً على ميزان المدفوعات وكذلك على الاحتياطى النقدى بالعملة الأجنبية لمواجهة هذه الواردات.
وسيترتب على بدء الإنتاج من الغاز تخفيف الضغوظ على ميزان المدفوعات من خلال قناتين، الأولى هى التوقف عن استيراد الغاز والحصول على احتياجات السوق المصري من ذلك الحقل سواء المنتج لصالح الحكومة أو من خلال ما يعرف بحصة الشريك الأجنبى، والتى تعطى لمصر أولوية شراء حصة الشركة المنتجة للغاز (الشركة الإيطالية)، ومن نتيجة خفض الاستيراد توفير الإيرادات بالنقد الأجنبى يزيد مع حدوث تصدير لجزء من الإنتاج فى المستقبل القريب، كما أن انخفاض أسعار البترول العالمية فى الوقت الحالى حيث فروق الأسعار العالمية والمحلية هو إيراد حالى للحكومة بالطبع، والثانية من خلال ضخ الشركة صاحبة امتياز الحفر والتنقيب لاستثمارات قد تصل لسبعة مليارات دولار أمريكى، وهو أيضاً يسهم فى تخفيف الضغوط على ميزان المدفوعات والاحتياطى بالعملة الأجنبية، خاصة أن الإنتاج سيدعمه امتلاك مصر والشركة المنتجة لبنية تحتية قوية فى مجال تنقية الغاز ونقله موجودة بالقرب من مناطق الإنتاج وتحديداً بمنطقة ميناء دمياط، الأمر الذى يدعم سرعة البدء فى الإنتاج ويقلل تكاليفه، وهو ما لا يتوافر بدول المنطقة الواقعة على البحر الأبيض المتوسط كقبرص واليونان، ويعطى ميزة كبرى لمصر وبما يدعم مؤشر الأداء اللوجستى فى هذا المجال.
كما أن زيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية المحتملة ستدعم نمو الناتج المحلى الإجمالى، والجدير بالذكر، أن اكتشاف الحقل جعل الحكومة المصرية تتراجع عن استيراد الغاز من إسرائيل من التى كانت تعمل على استغلال حقل ليفياثان الإسرائيلى بالبحر المتوسط لتصدير الغاز لكل من مصر والأردن، وكانت تتوقع تحقيق إيرادات من تلك الصادرات تفوق الخمسين مليار دولار أمريكى، كما أن الاكتشافات المتوالية للغاز، والتى قد تعقب كشف حقل (ظهر) سيترتب عليه تدعيم تصنيف مصر الائتمانى (وكذلك التصنيف الائتمانى للشركة)، وهو التصنيف الذى دعمه من قبل خفض دعم المنتجات البترولية.








