بقلم: فولفجانش مونشاو
تتصف الأزمات الأوروبية المتعددة بصفة مشتركة، سواء كنا نتحدث عن البنوك أو الديون السيادية أو مثلما هى الحالة الآن، اللاجئين، وهى أن الاتحاد الأوروبى يجد صعوبة فى التحرك.
وما نحن بصدده اليوم هو مشكلة تحرك جماعى تقليدية من النوعية التى وصفها مانكور أولسون، الاقتصادى السياسى فى الستينيات، وهى أن يكون للناس مصلحة مشتركة فى التحرك، ولكن يفشلون فى ذلك بسبب وقوف المصالح الخاصة فى طريقهم، حتى إن الصورة المروعة للصبى الغارق لن تحل مشكلة التحرك الجماعي، بل كل ما ستفعله هو إظهار نشاط زائد فى التحرك.
كما ان الأزمات الثلاث لديها صفة مشتركة أخرى، وهى أن كل واحد منها مستعصٍ عليه الحل إذا نظرت لها من منظور أصغر، مثل من وجهة نظر بنك يونانى أو محطة القطار الشرقية فى بودابست، أما إذا نظرت إلى الهجرة من منظور بمستوى الاتحاد الأوروبي، فستكون الصورة أكثر وضوحاً.
ويسكن الاتحاد الأوروبى 500 مليون فرد، وإذا نحينا جانباً اللاجئين، فإن صافى الهجرة، أى الفرق بين هؤلاء من يأتون إلى الاتحاد الأوروبى ومن يتركونه، كانت عند 539 ألفاً فى 2013، أى حوالى 0.1% من إجمالى السكان، وكان صافى الهجرة أعلى فى 2010 حيث وقف عند 750 ألفاً.
ووضعت وكالة الأمم المتحدة لشئون اللاجئين عدد اللاجئين والمهاجرين الذين عبروا البحر المتوسط فى الفترة بين يناير وأغسطس العام الجارى عند 300 ألف، مقارنة بـ219 ألفاً لعام 2014 بأكمله، واستناداً إلى ذلك إذا قدرنا العدد الإجمالى فى 2015، فسوف يكون حوالى 450 ألفاً، أى 230 ألف شخص زيادة على العام الماضي.
ومع ذلك، لا تعكس هذه الأرقام الصورة كاملةً، فالكثير من المهاجرين، وخاصة من سوريا، يستخدمون الطرق البرية، وبالتالى قد يصل صافى الهجرة العام الجارى إلى أن يكون الأعلى فى السنوات الأخيرة، ولكنه لا يزال ضئيلاً، مقارنة بإجمالى السكان فى الاتحاد الأوروبي، فقد يكون صافى الهجرة فى تزايد، لكنه لم يصل إلى حد أزمة مهاجرين، بل هى أزمة تحرك جماعي.
وسوف يكون حل الأزمة بسيطاً إذا وجدت هيئة مركزية مخولة باتخاذ القرارات، ولكن ليس هكذا يعمل الاتحاد الأوروبي، بل هو يعمل من خلال التنسيق والمواءمة ومن خلال السياسات المالية، والقواعد المصرفية وسياسات الجوار، ولكن لم يَحُل أي منها دون الأزمة، ولا يساعد أيضاً على حلها.
ولم تكن المشكلة إطلاقاً فى نقص القواعد أو السياسات، وإنما فى الحقيقة البسيطة بأن أشياء محددة فى الحياة لا يمكن مجرد تنسيقها.
كما أن الدول الأعضاء ليست كبيرة بما يكفى لحل الأزمة بمفردها، ولا حتى ألمانيا، وأنجيلا ميركل، لأول مرة تكون على الجبهة الصحيحة من المجادلة، ولكن لا تستطيع ألمانيا امتصاص جميع المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي.
ويمثل فيكتور أوربان، رئيس الوزراء الشعبوى المجري، العقلية التى تعوق حل أزمة التحرك الجماعي، حيث قال الأسبوع الماضى، إن الأمر لا يمثل مشكلة للاتحاد الأوروبي، وإنما أزمة ألمانية بما أن جميع اللاجئين يريدون الذهاب إلى ألمانيا، وسأضيف أن ألمانيا تصرفت بنفس الطريقة المتعجرفة التى تعاملت بها أثناء أزمات منطقة اليورو.
ولا تعد أزمة التحرك الجماعية مشكلة أحد بعينه، وإنما هى صفة متأصلة فى النظام، ولا تتمثل مهمة الاتحاد الأوروبى فى منع الأزمات المالية، أو إنقاذ الأطفال الغارقين فى البحر المتوسط، وإنما وظيفته هى إدارة برامج تكامل السوق، أو إجراء المفاوضات بشأن اتفاقات التجارة المعقدة.
وعندما يكون هناك أزمة خارج تخصصها الضيق، فهى تميل غريزياً إلى تحقيق تسوية سياسية، وهكذا كيف انتهى بنا الأمر عند مظلة الإنقاذ لمنطقة اليورو، ونظام مصرفى غير فعال، وبالمثل يعد نظام الحصص المقترح للمهاجرين غارقاً فى نفس الروح.
وتعزى أنجيلا أبايد، من معهد بيترسون فى واشنطن، فشل النظام المصرفى فى منطقة اليورو إلى إعطاء أولوية للتنسيق على تبادل المنافع، وأعتقد أن هذا يأخذنا إلى قلب المشكلة، فبدلاً من تبادل المنافع أو مشاركة المخاطر، فإن الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى لا تتشارك سوى فى الإجراءات واتباع القواعد المشتركة.
ومع ذلك، لا تزال المخاطر قائمةً داخل الدول الأعضاء، وهناك الكثير من المجالات التى يكون هذا النهج فيها مفيداً ومعقولاً، والارتفاع المفاجئ فى اللاجئين ليس أحدها، كما لا يزال نظام الحصص بسيطاً للغاية، وغير مستدام سياسياً مثل نظام التحويلات النقدية بين الدول، فهذه السياسات تولد الاستياء وتفشل فى نهاية المطاف، ونظام الحصص حل مؤقت يؤجل الحلول الحاسمة، لكن الأمر متعلق هنا بحياة أشخاص.
والبديل الحقيقى على المدى الطويل ليس بين التنسيق وتبادل المنافع، وإنما بين الفصل وتبادل المنافع، فمن يدافعون عن المزيد من التكامل فى الاتحاد الأوروبى سوف يقومون بمجادلات قوية بأن الاتحاد الأوروبى وحده هو القادر على حل الأزمة.
ولن تتعلق المناقشة بشأن المزيد من تحويل السلطة من العواصم إلى بروكسل، وإنما ستكون بشأن إذا كنا سنكلف الاتحاد الأوروبى بمهام لا يستطيع أحد غيره التعامل معها، أو إذا كنا سنعطيه الموارد المالية المطلوبة.
وأخشى أن ذلك لن يتحقق قبل وقت طويل، لسببين، أقلهما أهمية هو أن أمثال أوربان سيكونون بين هؤلاء متخذي القرارات، أما السبب الأعمق فهو أن الأوروبيين ليسوا يائسين بما فيه الكفاية لقبول «منطق التحرك الجماعي»، وهو عنوان كتاب أولسون فى 1965.
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز».








