بقلم: ديفيد جاردنر
تعد حالة الذعر فى أوروبا الناجمة عن ارتفاع موجات اللاجئين السوريين عبر حدودها حقيقية، ولكن الاتحاد الأوروبى اختار اللحظة الخاطئة لإعادة اكتشاف مصالحه مع تركيا ، وفى مواجهة المعارضة التى قادتها فرنسا وألمانيا، تخلى الاتحاد الأوروبى عن تركيا منذ سبع سنوات تقريبا، عندما كانت تتحول البلاد إلى ديمقراطية حقيقية وكانت مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبى بمثابة محرك للإصلاح.
والآن، يحتضن الاتحاد الأوروبي، متأثرا بأنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية التى كانت فى اسطنبول نهاية الأسبوع الماضي، تركيا مرة أخرى فى الوقت الذى تواجه فيه البلاد، تحت حكم الاستبدادى رجب طيب أردوغان، خطر أن تصبح أشبه بسوريا.
وبعد اجتماع ميركل مع أردوغان وأحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركي، أثنت على الجهود التركية فى كبح تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وسيستأنف الاتحاد الأوروبى محادثات عضوية أنقرة، وتسريع الدخول إلى دول الاتحاد دون تأشيرة، بجانب منح تركيا 3 مليارات يورو، لمساعدة البلاد التى تستضيف 2 مليون لاجئ سورى، فى أن تصبح ملجأ للمهاجرين الذين لم يأتوا بعد، كما تم تأجل تقرير المفوضية الأوروبية السنوى لهذا العام، الذى كان من المتوقع أن يحتوى على انتقادات لاذعة لحملات أنقرة ضد حرية التعبير والتجمهر.
وليس من العجيب أن يظهر أردوغان، الذى نادرا ما يكون مبتسما فى الأماكن العامة هذه الأيام، مبتهجا فى لقائه مع ميركل، فربما يعتقد أن هذا الأمر سيكسبه بضع نقاط فى الانتخابات العامة المقرر انعقادها يوم 1 نوفمبر المقبل، والتى دعا إليها بعد أن حرم الناخبون حزبه العدالة والتنمية من الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان فى يونيو الماضى وربما لا، نظرا لأن غالبية استطلاعات الرأى تشير إلى أن الناخبين متمسكون برأيهم الذى أدلوا به فى انتخابات يونيو الماضية، كما أن قلة من الأتراك لاتزال تساورهم الأوهام بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وكان من الممكن أن تكون الأزمة السياسية فى تركيا طبيعية، إذا كانت تركيا دولة طبيعية، ولكنها ليست كذلك مع استسلام مؤسساتها لتصميم أردوغان بتحويل البلاد من النظام الديمقراطى البرلمانى إلى الحكم الرئاسي، وانتشار الانقسامات العرقية والطائفية على غرار النمط العراقى السورى على حدودها.
وعدم وجود رد من جانب أردوغان وحكومته على مئات الهجمات على النشطاء الأكراد – التى بلغت ذروتها فى الانفجار الانتحارى الشهر الجارى فى أنقرة الذى أسفر عن مقتل 102 شخص – قسمت المجتمع وأضعفت الروابط التى تربط تركيا بعضها البعض.
وكان التقدم المفاجئ لحزب الشعوب الديمقراطى الموالى للأكراد فى الانتخابات البرلمانية التى انعقدت فى يونيو الماضى هو الذى أحبط طموحات أردوغان، الذى استأنف حربه ضد حزب العمال الكردستانى فى يوليو الماضي.
ومما لا شك فيه أن السياسة الإقليمية الواسعة التى سحب من خلالها أردوغان وأوغلو تركيا بعيدا عن أوروبا نحو الوهم الجديد بإقامة الخلافة العثمانية الجديدة فى الشرق الأوسط، والسياسة المتساهلة مع سوريا التى حولت تركيا إلى طريق سريع للجهاديين ومكنت داعش من إقامة خلايا نائمة داخل البلاد، انحصرت فى قضية واحدة هى الأكراد.
وداخل تركيا، يريد أردوغان أن يحصل حزب الشعوب الديمقراطى على أقل من 10%، تلك النسبة اللازمة لدخول البرلمان، ويخشى أيضا أن يخلق نجاح الميليشيات الكردية السورية المتحالفة مع حزب العمال الكردستانى فى سحب البساط من تحت أقدام داعش فى شمالى سوريا – بدعم من الهجمات الجوية الأمريكية – كيانا كردى آخر على الحدود التركية.
وداعش لها مصلحة فى سكب البنزين على النار نظرا لأنه من الأفضل بالنسبة للأتراك والأكراد محاربة بعضهم البعض بدلا من محاربة داعش، كما تساعد أيديولوجية أردوغان الجهاديين، ويجب أن ينظر الاتحاد الأوروبى جيدا إلى نفسه وأيضا إلى تركيا التى من المرجح أن يُعدم فيها المواطنون بسبب تغريدات انتقادية لرئيسهم كما هو الحال عند تورطهم مع داعش.
المصدر: فاينانشيال تايمز








