الفريق البحثى مكتشف تقنية تحلية المياه بـ«التبخير الغشائى» فى حوار لـ«البورصة»:
تحلية المياه بدرجة ملوحة أربعة أمثال مياه البحر وتكلفة أقل بنسبة 75%
تصنيع محطة تحلية مصغرة واستكمال الأبحاث لتطوير التقنية ومضاعفة طاقتها
الاستغناء عن محطات تنقية المياه «Ro» بعد تطبيق التكنولوجيا الجديدة
صندوق العلوم والتنمية التكنولوحية مول دراسات «التبخير الغشائى» بـ1.1 مليون جنيه
فى مكتب على أطراف كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية يتطلع فريق بحثى مكون من 4 باحثين لبعض اهتمام من الحكومة بعد ابتكارهم تقنية جديدة لتحلية مياه البحر بـ«التبخير الغشائى».
ويواصل الباحثون الأربعة عملهم بين المكتب والمعمل، وينتظرون تحويل اكتشافهم إلى مجال التطبيق العملى، وتدخل الدولة لتوفير التمويل، ورفض الباحثون عروضاً من عدة دول لتمويل المشروع بعدما نشروا بحثهم فى دوريات علمية ذات صيت ومصداقية.
وتتركز فكرة المشروع فى تحويل مياه البحر المالحة إلى مياه عذبة صالحة للشرب، وتعتمد التقنية التى توصل لها الفريق البحثى على تبخير المياه، وتكثيفها وتتميز بأنها غير مكلفة، مقارنة بطرق التحلية الأخرى لتحلية المياه، ويجرى استكمال الأبحاث لبدء تطبيقها فى مجال الرى.
قالت الدكتورة منى نعيم، رئيس الفريق البحثى، الأستاذ المتفرغ بقسم الهندسة الميكانيكية فى كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية: «التكنولوجيا التى ابتكرها الفريق تعتمد على صنع غشاء من مكونات محلية تمرر من خلاله المياه فى درجة حرارة لا تتعدى 50 درجة مئوية لتتبخر، وتمر على الغشاء قبل أن تتكثف لتصبح مياهاً صالحة للشرب بنسبة أملاح فى مستوى المياه الطبيعية بتكلفة أقل بنحو 75% من تكلفة الطرق التقليدية للتحلية».
غرفة الفريق البحثى تقع على أطراف مبنى كلية الهندسة، وتكتظ بكتب وأدوات معملية، لم تترك سوى مساحة صغيرة لأربعة كراسى تكفى عدد أفراد المجموعة البحثية من أساتذة الجامعة، التى تستكمل مهمتها فى إنجاز البحث الذى حظى باهتمام وسائل الإعلام العالمية، ونشرته العديد من المجلات العلمية، لتدشن بذلك مرحلة جديدة فى مجال تحلية المياه فى دولة تعانى فقر المياه العذبة.
ويضم الفريق البحثى الدكتورة منى نعيم، رئيس الفريق البحثى، وعضوية الدكتورة عبير منير، أستاذ مساعد بالمعهد القومى لعلوم البحار والمصايد، والدكتور محمود عليوة، رئيس قسم البحوث والتطوير بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، والدكتور أحمد الشافعى، أستاذ مساعد بقسم الهندسة الزراعية والنظم الحيوية بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية.
وأضافت «نعيم»، أن تكنولوجيا التبخير الغشائى ستحقق طفرةً فى تحلية المياه، وتمكن الفريق البحثى من تحلية مياه بدرجة ملوحة أربعة أضعاف درجة ملوحة مياه البحر، والتى تصل إلى 35 جراماً لكل لتر فى مياه البحر العادية.
أوضحت أن الأبحاث الجارية تستهدف الوصول لنتيجة تحلية مياه بتركيز ملحى 140 جراماً لكل لتر، فى مرحلة واحدة فقط، وينتج عنها مياه بنسبة أملاح أقل من نسبة الأملاح فى مياه الشرب العادية.
أشارت إلى أن الابتكار الجديد يمكن من خلاله الاستغناء عن محطات تنقية المياة «Ro» أو «التناطح العكسى» المستخدمة بكثرة فى عمليات تحلية المياه على مستوى العالم، والتى ينتج عنها مياه بدرجات ملوحة مرتفعة، وعادة ما يعاد التخلص منها بإعادتها للبحر، وهو ما يؤثر سلباً على البيئة البحرية بسبب زيادة ملوحة المياه فى المنطقة التى تلقى فيها.
وقالت «نعيم»، إن «التبخير الغشائى» وما يتبعه من مراحل علمية يقلل من ملوحة المياه، كما يمكن استخدام التقنية كوحدات إضافية فى محطات «Ro» للتخلص من الناتج من المياه ذات الملوحة العالية لتصبح صالحة للشرب.
وقالت الدكتورة عبير منير، الأستاذ المساعد بالمعهد القومى لعلوم البحار، عضو الفريق البحثى، إن «التبخير الغشائى» سيحقق طفرة فى تكلفة تحلية مياه البحر بالمقارنة مع النظام السائد حالياً، وهو «التناطح العكسى».
أضافت أن ارتفاع التكلفة يرجع إلى استخدام معدات منها الأغشية، والتى تصنع فقط فى أمريكا واليابان، والطلمبات والمضخات بخلاف تكلفة الطاقة التى تحتاجها محطات التناطح العكسى، والتى تصل إلى ملايين الدولارات.
أوضحت منير: «فى محطات تحلية المياه التقليدية تمر المياه بـ4 إلى 5 مراحل، لكى تنتج مياهاً صالحة للشرب أو الزراعة هو ما يزيد من التكلفة»، وذكرت أن «التبخير الغشائى» لا يحتاج إلى تلك المراحل، ويكتفى فقط بمرحلة مبدئية وهى الترشيح قبل البدء فى مرحلة التبخير الغشائى.
ووفقاً للتقنية الجديدة، لا يحتاج التبخير الغشائى إلى طاقة لتشغيله، ويمكن أن تكتفى محطة كاملة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية فقط، خاصة بدول الخليج على خلاف المحطات التقليدية والتى تحتاج إلى كميات ضخمة من الطاقة، ومع ذلك تعطى التقنية الجديدة نتيجة أفضل بكثير لأنها تعتمد على التبخير.
وقالت منير، إن تكلفة إنشاء محطة لتحلية مياه البحر بـ«التبخير الغشائى» تمثل 80% فقط من تكلفة إنشاء محطة تقليدية تنتج نفس كمية المياه، وذلك بسبب عدم الحاجة لمعدات ضخمة أو منتجات من الخارج، أو طاقة كبيرة.
أضافت أن المحطة يمكن أن تعمل على 50 درجة مئوية وهى درجة الحرارة العادية فى بعض الدول، ومنها دول الخليج على سبيل المثال، كما أن محطات تحلية المياه بالتقنية الجديدة لا تحتاج إلى صيانة أو متابعة مستمرة، أو عمالة كثيرة.
وقال الدكتور أحمد عبدالله الشافعى، أستاذ مساعد قسم الهندسة الزراعية والنظم الحيوية بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، وعضو الفريث البحثى، إن ما يميز الأبحاث الجديدة فى التحلية بـ«التبخير الغشائى»، أنه لا يسمح بعبور البكتيريا أو الفيروسات من مياه البحر إلى المياه التى تمت تنقيتها، لأنها تعمل على التبخير.
أضاف أن مواد صناعة الغشاء بسيطة ورخيصة ويمكن الحصول عليها ومتوفرة محلياً دون الحاجة لاستيراد أجزائها من الخارج.
أوضح أن الفريق البحثى يصنع حالياً محطة تنقية مياه مصغرة للوصول إلى تحلية من لتر إلى 5 لترات يومياً، حتى تكون فى مرحلة الاستعداد للاستخدام التجارى أو بدء تنفيذ محطة متكاملة من قبل الدولة أو المستثمرين.
أشار الشافعى إلى أن آخر النتائج التى تم التوصل إليها إنتاج 7 لترات مياه لكل متر مربع من الغشاء فى الساعة، ويمكن من خلالها قياس إنتاج الوحدة يومياً طبقاً لحجم المحطة وعدد الوحدات المستخدمة داخلها، وقال إن الدراسة تهدف إلى تطوير الغشاء ليصل إلى 10 لترات لكل متر مربع من الغشاء فى الساعة الواحدة.
أضاف أن الدراسة ممولة من صندوق العلوم والتنمية التكنولوحية، بعد التقدم بمشروعين أحدهما تمويل دراسات بحث «التبخير الغشائى» وتمويل دراسة أخرى تحت اسم «الأغشية السائلة».
أوضح أن الفريق البحثى تقدم عام 2010 بالمشروعين للصندوق وتمت الموافقة عليهما ضمن 7 مشروعات بحثية مولها الصندوق، وبدأ العمل فعلياً فى 2012 عقب الحصول على تمويل بقيمة 1.1 مليون جنيه.
وكشف الشافعى عن البدء فى دراسة جديدة لرى الأراضى الزراعية بمياه البحر تعمل بالطاقة الشمسية عقب مرورها على فلاتر سريعة تركب فى المواسير بطريقة التبخير الغشائى، حيث تقدم لصندوق دعم المشروعات للحصول على التمويل اللازم.
وقال الدكتور محمود محمد عليوة، رئيس قسم البحوث والتطوير بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، أحد أعضاء الفريق، إن الفريق البحثى تلقى اتصالات من عدد من دول العالم للحصول على براءة اختراع المشروع وتقديم جميع الخدمات والتمويل اللازم للبدء الفعلى فى تنفيذ الدراسة.
أضاف أن الدراسة التى نشرت عقب مؤتمر اليابان لاقت صدى واسعاً فى جميع وسائل الإعلام العالمية وعلى أثرها عرضت العديد من جامعات العالم استضافة الفريق البحثى وتزويده بجميع الأجهزة والأموال التى يحتاجها لإكمال الدراسة وتطبيقها.
أوضح عليوة أن الدول التى عرضت تمويل الدراسة تضم ألمانيا وإنجلترا والهند وباكستان وسنغافورة وكندا، وأمريكا.
وقال إن الفريق البحثى رفض هذه العروض وقرروا تخصيص المشروع لحل مشكلة الفقر المائى فى مصر، والتى أصبحت وشيكة.
أضاف أنهم يسعون لتطوير الغشاء لزيادة إنتاجية تحلية المياه إلى 10 لترات فى الساعة بدلاً من 7 لترات لكل متر مربع من الغشاء، وذلك بعد تعديل المادة التى يصنع منها الغشاء ونشرت فى الدراسة الأخيرة.
وقالت الدكتورة منى نعيم رئيس الفريق البحثى، إن فكرة الدراسة بدأت منذ أكثر من 17 عاماً عقب عودتها من أحد المنح بمعهد جورج للتكنولوجيا بمدينة واشنطن الأمريكية، وقراءة أحد الكتب المختصة بتحلية المياه، وكان أحد هذه الأفكار التحلية بالأغشية، ولهذا بدأت عملية تصنيع غشاء لتحلية مياه البحر.
أضافت أن الفريق البحثى فى انتظار تدخل الدولة والبدء فى تنفيذ الدراسة بشكل فعلى وتقديم الدعم المطلوب للفريق البحثى لسرعة الانتهاء من المشروعات التى يعمل على تطويرها، والتى تعتبر إضافة قوية للمشروع الحالى.












