دراسة: الأجانب العاملون فى الدول الأقل تقدماً يصلون إلى القمة ببطء
بينما ينشغل العالم العربى بهجرة العقول منه، ومعاناة من يقررون العودة فى إيجاد وظائف محترمة أوحياة كريمة، ينشغل العالم المتقدم بهموم ومشكلات من يعملون فى العالم النامى ثم يعودون نادمين على السنوات التى ضاعت دون استغلال كامل قدراتهم.
وأوضحت دراسة لليونسكو، أن نحو 100 ألف من العلماء والمهندسين والأكفاء والخبراء يهاجرون كل عام من 8 دول عربية هى مصر، ولبنان، وسوريا، والعراق، والأردن، وتونس، والمغرب، والجزائر، كما أن 70% ممن يسافرون للتخصص فى الدول المتقدمة لا يعودون إلى بلدانهم.
واوضحت الدراسة، أن 50% من الأطباء، و32% من المهندسين، و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية، يهاجرون إلى أوروبا وأمريكا وكندا، حتى ان عدد الاطباء الإيرانيين الذين يعملون فى ولاية نيويورك الأمريكية وحدها أكبر من عدد الأطباء فى إيران نفسها.
وتندر الدراسات العربية التى تعنى بعودة المغتربين وتدرس أوضاعهم بعد العودة، فى حين قدمت مجلة «أيكونوميست» البريطانية تقريراً يتضمن أبحاثاً توضح تأثير عمل المغتربين من الدول المتقدمة فى الدول الأقل تقدماً على حياتهم المهنية.
وتعطى العديد من الشركات فى العالم المتقدم، الكثير من الاهتمام لإرسال الناس إلى الخارج، وتعمل على توفير وظائف أجنبية لموظفيها الواعدين.
وذكرت المجلة، أن «هذه الشركات تعمل على تجميل الصفقة من خلال رواتب أعلى وبدلات كبيرة، وأحياناً تساعد على إيجاد عمل للأزواج، لكن عندما يتعلق الأمر بعودة الموظفين إلى الداخل تكون القصة مختلفة تماماً».
وأشارت إحدى الدراسات إلى، أن ربع الشركات لا تقدم أى مساعدة للعائدين من الخارج على الإطلاق.
وأفادت المجلة بأن الشركات الكبيرة أصبحت أكثر تأثراً بالعولمة من أى وقت مضى، ولذلك قد تعتقد أنها ستتعامل مع الموظفين ذوى الخبرات الأجنبية بأهمية، خاصة للحفاظ على ميزتها التنافسية، ولكن فى الممارسة العملية فإنها تهمل هؤلاء الموظفين، وتكون تكلفة هذا الإهمال باهظة.
وتوقع سيباستيان ريتش، من كلية إدارة الأعمال فى إسبانيا أن ما بين 10% و60% من العائدين إلى أوطانهم بعد الهجرة يستقيلون من الشركة فى غضون بضع سنوات من العودة، ومعدل فقدانهم أعلى بشكل ملحوظ من أولئك الذين لا يتم إرسالهم إلى الخارج.
وأكدت المجلة، أن هذا الأمر يمثل إهداراًً للاستثمار، بالنظر إلى أن تكلفة توظيف العمالة المرسلة أكبر بكثير من توظيف السكان المحليين.
كما يؤدى ذلك إلى تدمير صنع القادة داخل المؤسسة، والأسوأ من ذلك أنهم يشكلون مكسباً كبيراً – بعد الاستثمار فيهم – للشركات المنافسة، بمعنى آخر، يستقر العائدون فى نهاية المطاف مع الأشخاص الأقدر على تدمير شركتك، بعدما يكون التدريب على نفقتك الخاصة.
ويعانى العائدون من الخارج غالباً من الصدمة الثقافية، فالأشياء التى تبدو مألوفة فى بلادهم قد تبدو غريبة وضيقة الأفق فى البلدان الأخرى.
وأظهرت المجلة فى تقريرها، أن العائدين أيقنوا أنهم فقدوا مكانتهم اللائقة فى المقرات الرئيسية، بجانب تغير ميزان القوى فى الدول الأخرى، وبعدما كانوا يديرون اقطاعياتهم الخاصة، أصبحوا يعملون لعدد ساعات محددة فى تسلسل هرمى غير معتادين عليه.
أضف لذلك حقيقة وجوب التكيف مع انخفاض مستوى المعيشة، خصوصاً إذا كان لديهم سوء حظ أن تكون العودة إلى مدينة مكلفة مثل لندن.
وأشار سيباستيان نوك، من جامعة «إيرلانغن -نورمبرغ»، إلى وجود مؤشرات على أن العودة إلى الوطن تكون أحياناً أكثر صعوبة من الاندماج فى بلد مختلف ثقافياً.
وأوضحت دراسة أجرتها كريستينا بيلى وليزا دراغوني، من جامعة كورنيل فى 2013، أن معظم العائدين قد لا تشغلهم الصدمة الثقافية إذا تولوا وظيفة محترمة عند العودة، إلا أن الغالبية العظمى منهم يعودون إلى وظيفة بنفس المستوى الذى غادروا عليه عند السفر إلى الخارج.
وشككت دراسة أجرتها مونيكا هامورى وبرواك كيونكو، من كلية إدارة الأعمال الأسبانية، عام 2011، فى فكرة أن العمل بالخارج يكون بمثابة الطريق إلى القمة.
واعتمدت الدراسة على كبار المديرين التنفيذيين فى 500 شركة أوروبية و500 شركة أمريكية لمعرفة أثر إرسالهم للخارج على حياتهم المهنية، واظهرت الدراسة انه كلما زاد عدد الوظائف الذى تم إرسالهم لها، أو عدد السنوات التى قضوها بالخارج، كلما تطول مدة وصولهم إلى القمة.
وتتجاوز الإدارة السيئة للشركات التى ترسل عامليها للخارج معاملة الأفراد بلا مبالاة عند العودة، إذ أن هذه الشركات غالباً ما تبرر الوظائف فى الخارج كعملية لتداول الأفكار، وكثير من الوافدين يشكون من أن رؤسائهم يتجاهلون المدة التى قضوها فى الخارج.
وأضافوا أن رؤساءهم لا يوفرون لهم الوظائف التى تتيح لهم استخدام خبرتهم، ناهيك عن عدم توفير طرق لنقل رؤاهم لموظفين آخرين، وتساءلت المجلة فى تقريرها عن كيفية تحسين هذا السجل الكئيب، وأجابت بأن نصف المعركة تكمن فى الاعتراف بأن العودة إلى الوطن هى المشكلة، لذا يجب التأكد من وجود مناصرين فى المقرات الرئيسية يرعون مصالح من يتولون مهام بالخارج.
كما ينبغى على الشركات الاهتمام بتوفير مناصب جيدة للعائدين من الخارج بقدر ما تهتم بتوزيع الموظفين الجدد، فعلى سبيل المثال، تقوم شركة «برايس ووترهاوس كوبرز»، بعمل حفلات للموظفين العائدين، وتوّفر لهم مرشدين لمساعدتهم على التكيف مرة أخرى.
ويجب على الشركات أيضاً إيجاد سبل لمساعدة العائدين، ولنشر ما تعلموه فى الخارج، لكن بعض المسئولية تقع أيضاً على عاتق الموظفين أنفسهم.
وهناك بعض الدلائل تشير إلى أن الشركات بدأت تدرك أن لديها مشكلة فى قياس العائد على الاستثمار من هذه الوظائف الخارجية، وتحميل كبار المديرين المسئولية عن فقدان العائدين من الخارج، لكن وتيرة التحسن بطيئة، وأكدت المجلة، أن معظم المدراء التنفيذيين يجب أن يكونوا قادرين على تحويل العائدين إلى «آلة تعلم» تلتقط الأفكار من كل ركن من أركان العالم.
