يعتبر هذا كشف «إينى» نقلة حقيقية فى صناعة الغاز فى مصر، وجاء فى توقيت مصر فى أشد الحاجة إليه بعد تضاؤل احتياطيات الغاز نتيجة الإنتاج المستمر دون اكتشافات تعوض الاحتياطى المستنزف فى الإنتاج.
طبقاً لتصريحات شركة «إينى»، فإن هذا الكشف قد يصل إلى 30 تريليون قدم مكعبة (30TCF)، والغريب فى هذا الكشف هو تحديد، حتى ولو بشكل مبدئى، حجم هذا الخزان بعد حفر أول بئر واحدة فقط، وهى «ظُهر»، حيث إنه من المتعارف عليه أن الشركات العالمية لا تصرح بحجم أى كشف إلا بعد حفر عدة آبار إضافية Appraisal wells، لتقييم حجم الخزان، ولكن فيما يبدو أن شركة إينى مطمئنة إلى ضخامة هذا الكشف، ما جعلها تصرح برقم (30TCF) من البداية، مع العلم بأن هذا الرقم بكل تأكيد سوف يتغير بعد حفر آبار التقييم خلال عام 2016.
المتعارف عليه دائماً عند تنمية مثل هذه المشروعات العملاقة، أنها تواجه العديد من التحديات، أهمها التحديات الفنية والتحديات الاقتصادية والتجارية، وحيث إنه من الصعب تحديد التحديات الفنية فى هذه المرحلة الأولية من المشروع قبل عمل المزيد من الدراسات الفنية التى سوف تتم بعد حفر الآبار التقييمية، فسوف نركز هنا على التحديات الاقتصادية، والتى قد تؤثر على بداية الإنتاج.
التحديات المتوقعة:
1 – إن شركة «إينى» ستفضل قبل أن تقوم بصرف مبالغ كبيرة فى التنمية الكاملة، والتى قد تصل إلى 10 مليارات دولار، أن يتم الاتفاق على كافة بنود عقد بيع الغاز لايجاس، والمشتملة على سعر الغاز الخاص بها، وهو حوالى 61% من الانتاج، والتى من المتوقع أن تصل قيمة الفاتورة السنوية لهذا الغاز من 2.5 الى 3 مليارات دولار سنوياً تسدد من إيجاس الى شركة اينى.
والتحدى هنا فى الوقت الزمنى الذى ستستغرقه هذه المفاوضات بين شركة إينى وإيجاس للوصول للسعر الأمثل للغاز المحلى، بالإضافة إلى الاتفاق على ضمانات السداد التى ستطلبها شركة إينى لضمان سداد المبالغ الكبيرة سنوياً بالدولار قيمة حصتها من الغاز المباع للحكومة.
2 – مصر بها حالياً ثلاثة خطوط لتصدير الغاز بحرياً فى شكله المسال وخط انابيب برى، وأن هذه الخطوط تمت باستثمارات اجنبية، وهى متوقفة عن العمل منذ ثلاث سنوات لعدم تواجد الغاز، وبعض من هذه الخطوط لجأت للتحكيم الدولى الآن، وإن كانت مصر معتمدة على عدم الالتزام بتعهداتها بإمداد هذه الخطوط بالغاز يندرج تحت بند القوة القهرية لعدم تواجد الغاز الكافى، فإن موقفها سيضعف الى حد كبير فى حالة البدء فى انتاج غاز «ظهر» قبل الوصول الى اتفاق مع كافة الأطراف. كما أنه فى غياب أى اكتشافات جديدة مثل «ظهر»، سيكون من العبث تخصيص اى كمية من غاز «ظهر» للتصدير من خلال الخطوط السابق ذكرها، حيث إن السوق المحلى سيكون فى أشد الاحتياج له لأنه سيغطى 25% فقط من استهلاك مصر فى عام 2020. والتحدى هنا يكمن فى طول المفاوضات المعقدة والمتشعبة للوصول الى اتفاق مع كافة الأطراف، دون التفريط فى حق مصر على الإبقاء على غاز «ظهر» بالكامل للاستهلاك المحلى، خصوصاً فى غياب أى اكتشافات جديدة.
3 – طبقا لما اعلنت عنه وزارة البترول، فإن الغاز المنتج من هذا الكشف ستكون الأولوية لاستخدامه لسد عجز الكهرباء المتوقع فى السنين القادمة، وذلك لتقليل الغاز المسال المستورد ذى التكلفة العالية. وإن كانت هذه الاستراتيجية بإعطاء أولوية للكهرباء على حساب الصناعة مقبولة فى السابق نظراً إلى الظروف التى كانت تمر بها البلاد، فإن استمرارها لسنوات قادمة سيكون له تأثير سلبى على الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، وسيكون معدل النمو فيها بالسالب مما سيكون له تأثير سلبى على مناخ الاستثمار فى مصر. وإذا ما علمنا أن اتفاقية شركة اينى تعطيها الحق فى بيع الغاز مباشرة الى مستهلكى الغاز محلياً شريطة سداد الإتاوة والضرائب، فقد نجد أن الصناعات كثيفة الاستخدام للغاز قد تدخل فى مفاوضات مباشرة مع شركة اينى لشراء جزء من نصيبها من الغاز، بل وعرض سعر أعلى من المعروض من إيجاس لعلمها بأن البديل هو استيراد الغاز المسال ذى السعر المرتفع.
والتحدى الذى يواجه الحكومة هنا فى خلق مناخ جاذب للاستثمار الصناعى بعمل توازن بين احتياجات الكهرباء واحتياجات الصناعات الثقيلة، وتخصيص جزء من كشف «ظهر» يتم بيعه مباشرة من شركة إينى الى الشركات المستهلكة للغاز أو أى استثمارات جديدة، تحت رعاية ايجاس مع تفعيل دور الـGas Regulator الذى أعلنت عنه إيجاس من قبل، كما سيتم شرحه فى التحدى القادم.
4 – أعلنت الوزارة وايجاس مؤخراً عن البدء فى تحرير سوق الغاز محلياً أو ما يسمى عالمياً Gas Deregulation، والذى يعطى الحق لمستهلكى الغاز من استيراده مباشرة أو شرائه من شركات البحث والتنقيب مثل شركة اينى، ويرجع اهتمام ايجاس بتفعيل هذا النظام الى سببين مهمين:-
الأول: ان هذا هو الاتجاه العالمى للدول المستهلكة للغاز والذى يفعل اقتصاديات السوق الحر فى توازن العرض والطلب بين منتجى ومستهلكى الغاز دون تدخل الحكومة بينهم سوى كرقيب Gas Regulator.
الثانى: انهاء نظام الهيمنة Monopoly للحكومة على قطاع الغاز، الذى وضع ايجاس فى موقف يلزمها بشراء الغاز من شركات البحث والتنقيب طبقاً لاقتصاديات هذه الشركات على أن يتم بيع الغاز بالسوق المحلى بالسعر الذى يتناسب مع كل صناعة أو مستهلك بصرف النظر عن تكلفته، ما خلق فرقاً يسمى «دعم الغاز»، وإن استمرار الوضع الحالى دون تغيير سيزيد من الدعم ولن يقلصه، لذا نجد أن الحكومة امام فرصة ذهبية لاستغلال كشف «ظهر» لتفعيل نظام الـGas Deregulation لخلق نظام جديد مبنى على التوازن بين العرض والطلب وانهاء أو تقليص الدعم، ولكن التحدى يكمن فى ان خلق هذا النظام الجديد يحتاج الى مجموعة من القوانين والتشريعات التى تحتاج الى وقت كاف من الدراسة قد تصل الى 3 سنوات على الأقل، حتى تخرج هذه التشريعات بالشكل اللائق والمتوازن بين كافة الأطراف، كما حدث فى أغلب الدول التى سبقتنا فى هذا الطريق.
مما سبق يتضح أن الحكومة ممثلة فى وزارة البترول والهيئة العامة للبترول وايجاس أمام تحديات كبيرة، جزء منها موروث من فترات ماضية والآخر ناتج عن تأخير تفعيل حلول لبعض هذه التحديات. ولكى نكون واقعيين فإن مواجهة هذه التحديات بشكل كامل وعلمى ستتطلب وقتاً طويلاً، وهذه رفاهية لا نستطيع تحملها فى الوقت الحالى، وكذلك اللجوء الى الحلول السريعة وغير الكاملة يجعل هذا الاتفاق مصدر مشاكل مستقبلية لكافة الأطراف، وبهذا يكون الوضع الأمثل الآن هو الحلول الوسطية لهذه التحديات، على قدر الامكان، مع وضع الآن آليات لحلها خلال الثلاث سنوات القادمة بشكل لا يخل من اقتصاديات كافة الأطراف.
معلومات عن الكشف «ظهر»
هذا الكشف محكوم باتفاقية شروق البحرية الموقعة مع ECAS فى يناير 2014، وهى اتفاقية تقليدية لاقتسام الانتاج مثل أغلب الاتفاقيات البترولية المعمول بها فى مصر، وطبقا لهذه الاتفاقية فإن الشريك الأجنبى (إينى) له الحق فى 40% من الانتاج ليخصص لاسترداد التكاليف التى سيصرفها للتنمية والانتاج على أن يتم اقتسام باقى الانتاج 35% للشريك الأجنبى و65% إيجاس.
لتحديد حجم المشروع يجب عمل بعض الافتراضات عن خطة التنمية طبقا لما تم اعلانه على لسان شركة اينى وبعض السادة المسئولين كالآتى:-
حجم الكشف 30 تريليون قدم مكعبة يكون القابل للانتاج منه حوالى 70% أى 20 تريليون قدم مكعبة.- الانتاج اليومى المبدئى سيكون فى حدود 500 مليون قدم مكعب فى حوالى عام 2017 يصل إلى 2،5 بليون قدم مكعب فى عام 2020 مما يجعل الانتاج السنوى ما يقرب من1.0 تريليون قدم مكعبة، أى أن هذا الكشف يمكن انتاجه واستهلاكه بالكامل فى السوق المحلى فى 20 عاماً، وهذا يمثل من 50 الى 60% من انتاج مصر الحالى.
– تكلفة التنمية ستكون من 7 الى 10 مليارات دولار.
– سعر الغاز للسوق المحلى غير محددة فى هذه الاتفاقية وجار التفاوض عليها حاليا والذى من المتوقع أن يكون قريباً من 5 دولارات لمليون وحدة حرارية لكى يحقق عائداً استثمارياً مقبولاً لشركة اينى من 12 الى 15%.
ناجى اسكندر: خريج كلية هندسة جامعة عين شمس 1983 حاصل على ماجستير المعاملات البنكية الدولية والدراسات التمويلية من جامعة ساوث هامتون بالمملكة المتحدة، عمل ببعض شركات المقاولات البترولية والبنوك المصرية وخلال العشرين سنة الماضية عمل بشركة أموكو الآمريكية وشركة BP كمحلل اقتصادى ومفاوض متخصص فى مشروعات الغاز والغاز المسال فى عدة دول منها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وترينيداد ومصر، حالياً يعمل بمصر كاستشارى حر.








