«بلومبيرج»: «الرياض» و«طهران» على شفا الهاوية
بدأت السعودية وإيران العام الجديد بإحياء عداء قديم، والتحدى الذى يواجهه بقية العالم، هو عدم السماح بأن يؤدى تهور الدولتين إلى صراع سنى – شيعى أوسع عبر الشرق الأوسط.
واندفع النظام الإيرانى – الذى حكم على 700 شخص بالإعدام فى النصف الأول من 2015 – إلى إدانة إعدام السعودية لرجل الدين الشيعى البارز، نمر باقر النمر، واقتحمت الجموع فى طهران السفارة السعودية، ما دفع الرياض لطرد السفير الإيرانى يوم الأحد الماضى.
وفى ظل انخفاض أسعار البترول، والارتفاع الكبير فى العجز، اضطرت الحكومة السعودية لزيادة الضرائب وتخفيض دعم الوقود، ولن تحتمل أى اضطراب شعبى، خاصة أن الملك سلمان، لم يمر سوى عام على اعتلائه العرش، ولا يزال يوطد أركان حكمه.
ويوجد سياق آخر يجب الانتباه له، فلا يوجد شك أن السعوديين يخشون من رغبة إيران فى قيادة الكتلة الشيعية عبر الشرق الأوسط بأكمله لتحدى الهيمنة السنية، وهم محقون فى ذلك، هذا بجانب الإتفاق النووى بين إيران والقوى الغربية، والذى يُقلق السعوديون من أن تكون الولايات المتحدة، حليفتهم القديمة، تستبدلهم بإيران كحليف.
ولا ينبغى أن يتوهم أحدًا بأن حمل السعوديين على تعديل وجهات نظرهم أو تغيير سلوكهم سيكون أمرًا سهلًا، ولكن هناك بعض النصائح التى يمكن تقديمها، أولها، أنه بدلا من محاولة إخماد الاضطرابات المحلية باستخدام التعصب الدينى، يمكن أن يبذل السعوديون جهدا فى تنويع اقتصادهم بعيدًا عن أسواق البترول المتقلبة.
كما يتعين على السعوديين التأكد من أن العبء الرئيسى لتضييق الحزام الاقتصادى سيقع على فاحشى الثراء، وليس الطبقة المتوسطة، وأن يواصلوا محاولاتهم الوليدة للتحرير السياسى، وإنهاء التمييز المؤسسى ضد الشيعة.
ويمكن أن يقدم البيت الأبيض بعض الجزرات لآل سعود، فبدلا من تهديدهم بمنع صفقات السلاح، وهو ما سيكون غلطة، يمكن أن يجعل الصفقات المستقبلية متوقفة على مجهوداتهم لتقليل التوترات الإقليمية.
كما ينبغى على أمريكا أن تتعهد بتقديم تكنولوجيا لخلق نظام دفاعى صاروخى مشترك بين دول الخليج لردع إيران.
ومن جانبه، لا ينبغى أن يغض الرئيس باراك أوباما الطرف عن الانتهاكات الإيرانية مثل اختبارات الصواريخ وحقوق الإنسان، لأن ذلك يغذى عدم الثقة لدى السعوديين، ويشجع النظام الإيرانى على البحث عن الأشياء الأخرى، التى يمكن أن يفلت من العقاب عليها.
وفى عالم أكثر رشدًا، كان ليؤدى قتال الدولة الإسلامية إلى تعاون إقليمى أوسع، وإلى تخفيف للتناحر الطائفى الإسلامى، ولكن هذا يبدو أملا باهتا، وتبقى الأولوية الأكثر إلحاحًا لأمريكا وحلفائها هى التركيز على منع الأمور من التدهور.
«فاينانشال تايمز»: حماقة المعركة السعودية مع إيران
يسجل الخلاف الدبلوماسى المحتدم بين السعودية وإيران بداية مشؤومة لعام 2016 فى منطقة الشرق الأوسط.
ولا يتضح الدافع المحدد لإعدام السعودية لرجل الدين الشيعى، نمر النمر، فقد أعدمت السلطات 43 سنى جهادى مذنبين بأحكام إرهابية يوم السبت الماضى، وربما أرادت إظهار الحياد من خلال إعادمها بعض الشيعة، ولكن الشيخ لم يكن إرهابى، فقد كان معارض من الأقلية، وانتقد تمييز الأسرة المالكة، والتمييز ضد الشيعة فى المملكة، لذا، بالتأكيد يستحق قتله إدانة عالمية.
وفى نفس الوقت رد فعل إيران على الإعدام المتهور من شأنه إثارة الغضب، خاصة أنها ليست دولة مناصرة لحقوق الإنسان، فقد أعدمت ما يقرب من 1000 شخص، وهو أكثر بكثير من إعدامات السعودية، ولكن وفاة الشيخ النمر ورقة فى أداة المتشددين الإيرانيين العازمة على تقويض النفوذ الدولى لحسن روحانى، واقتحامهم للسفارة السعودية ربما نجح فى ذلك.
ولطالما رأت الرياض أن لإيران يد فى الصراعات التى تدور فى المنطقة بما فى ذلك سوريا والعراق واليمن والبحرين، ويمثل الإتفاق الأمريكى مع إيران بشأن برنامجها النووى العام الماضى نقطة تحول، حيث شجع المملكة على الإيمان بأنها يجب أن تتصرف بعدائية أكبر لحماية دفاعاتها، ولكن الأفعال السعودية لم تؤد سوى لتعميق الفوضى.
وربما شعر الملك سلمان بأنه مضطر للتعامل بقسوة مع المعارضين الشيعة فى وقت حساس للاقتصاد السعودى، ووسط تزايد المخاوف الأمنية نتيجة ظهور «داعش».
وينبغى على الولايات المتحدة أن تدرك إلى أى حد المخاطر المرتفعة فى الشرق الأوسط، فبعد معضلة الغزو العراقى، بدأت أمريكا تطبق نهج سحب اليد، مصرة على أن القوى المهيمنة فى المنطقة يجب أن تتحمل مسئولية أكبر عن الأحداث، ومع غياب أمريكا بشكل متزايد، استجابت السعودية وإيران بمضاعفة دعمهم للوكلاء الطائفيين.
وتعد المصالحة بين الرياض وطهران ضرورية إذا كان هناك أى أمل لإنهاء الحرب الأهلية فى سوريا، ورغم كل الكآبة، لا يزال هناك مجال لحث الرئيس باراك أوباما للطرفين على الحوار، خاصة أن معظم القيادة الإيرانية ترغب فى الخروج من عزلتها، والسعوديون من جانبهم، بحاجة للغطاء العسكرى والدبلوماسى الأمريكى.
وإذا كان لهذا الحوار أن يرى النور، ينبغى على واشنطن أولا توجيه رسالات صارمة للسعوديين والإيرانيين، فهذا هو وقت التعقل والاحتواء، وليس التهور.








