طرح أحد السعوديين سؤالا الأسبوع الحالى مضمونه: «إذا كان برنامج التقشف يمثل نهاية للرعاية الأبوية من قبل الدولة، فهل نحن كبرنا، أم تيتمنا؟» فى إشارة إلى مفاجأة العام الجديد غير السارة، التى أعلنت عنها أكبر دولة منتجة للبترول لرعاياها البالغ عددهم 22 مليون مواطن.
وسيطرح آخرون أسئلة مشابهة، فى الوقت الذى تبدأ فيه المملكة- التى تعانى من انهيار أسعار البترول– تحولا اقتصاديا منتظرا منذ وقت طويل، ويتطلب مشاركة جميع المواطنين.
فبعد سنوات من أسعار البترول المرتفعة والسخاء الحكومى، أعلنت الرياض عن ميزانية صارمة، ورفعت أسعار الكهرباء لأكبر المستهلكين، وأسعار الوقود والغاز على الجميع.
وهذه مجرد البداية.. وهناك حاجة لمزيد من الزيادة فى الأسعار لتقليل دعم الطاقة الذى يكلف وزارة المالية 13% من الناتج المحلى الإجمالى. ومع ذلك، سيكون التقشف تقشفا بأسلوب السعودية. فلا يزال الجازولين رخيصا، حتى بمعايير الخليج. والسعوديون لن ينزلوا إلى الشوارع غاضبين. ومع ذلك، قد يعيد أكثرهم ثراء، التفكير فى شراء سيارة رابعة أو خامسة، أو فى تشغيل مكيفات الهواء الخارجية.
وتصريحات الأسبوع الماضى هى بداية الوضع الطبيعى الجديد فى دولة تخشى أى نوع من التغيير.. وبالإعلان عن موازنة 2016، تعد الحكومة – التى لم تفرض ضرائب أبدا على شعبها – المواطنين لما سيكون فترة مطولة من انخفاض أسعار البترول وزيادة عبء الرسوم الجديدة.
وهذه الإجراءات ضرورية بعد قرار المملكة فى 2014 بالتخلى عن سياسة تخفيض الإنتاج عند الضرورة لبث الاستقرار فى الأسعار. ومع ذلك، لن تظهر نتائج هذه المقامرة قبل عامين مقبلين. لكن على ما يبدو سيلتزم النظام بالخطة على الأقل فى الوقت الحالى، مراهنا على أن الاحتياطات الأجنبية الضخمة، بجانب إصدار السندات، والتشديد المالى، سيكونا كافيين للإبحار عبر العاصفة.
وإذا كانت فترة من الاضطرابات الاقتصادية هى ما ينتظر السعودية، فستكون فترة صعبة ولكن مفيدة للمجتمع الذى يجد نفسه فى سباق مع الزمن. وتقدر شركة «ماكينزى» للاستشارات أن الشباب دون سن 25 يشكلون نصف الشعب، مما يعنى أن الزيادة السكانية المقبلة ستضخ أكثر من 45 مليون سعودى فى سن العمل داخل سوق العمالة.. وبالتالى ستكون هناك حاجة لخلق وظائف بثلاثة أضعاف الوتيرة الحالية.
ومنذ وقت طويل، أدرك حكام السعودية، والشعب أيضا إلى حد ما، أن البترول لا يمكن أن يضمن رخاء المملكة إلى الأبد، وأنه سيحين الوقت الذى ينبغى أن تنهى فيه دولة الرفاهية المترفة، التى تولد الكسل واللامبالاة.
ومنذ التسعينات تم وضع السياسة التى يطلق عليها «السعودة»، وهى تشجيع المواطنين السعوديين على العمل والشركات على توظيفهم.. ولكن لكى تنجح، ينبغى أن يمتلك السعوديون مهارات أفضل، ويجب تغيير نظامهم التعليمى الذى يعتمد بشدة على التعليم الدينى، ويفتقر للتفكير التحليلي.
ويقول المسئولون السعوديون إنهم جادون فى تطبيق الإصلاحات ووقف التبذير، ولكن خططهم تحتوى على تناقضات يجب التخلص منها. فكيف على سبيل المثال، يمكن لأعداد كبيرة من النساء أن تعملن، بينما هم ممنوعون من القيادة أو العمل مع الرجال؟
وهل ستظل الطبقة المتوسطة ومجتمع الأعمال صامتين، حتى بعد تآكل دولة السخاء التى ترعى العقد الاجتماعى بين الحكام والمحكومين؟ وكم سيستغرق الأمر قبل أن يطلب السعوديون معاملتهم كناضجين يجب أن تؤخذ آراؤهم فى الاعتبار؟
ويمكن سماع همسات الانتقاد فى الرياض، وليس فقط بسبب سياسة البترول التى سحقت سعر السلعة التى تقدم 90% من إيرادات الحكومة.
وعلى «تويتر»، الذى يطلق عليه بعض السعوديين «برلمانهم»، تساءل نقاد النظام عما إذا كانت السياسة الخارجية الأكثر تأكيدا على الذات (وبالتالى الأكثر تكلفة) ستتماشى مع التقشف فى الداخل.
ومع ذلك، التزم الملك سلمان، وابنه ولى ولى العهد، محمد بن سلمان، والمسئول عن السياسة الاقتصادية والدفاعية أيضا، بتطبيق السياستين الداخلية والخارجية.
ويشكل الانفاق العسكرى والأمنى ربع موازنة 2016، وقبل 10 أيام من الإعلان عنها، تعهدت الحكومة السعودية باستثمار 30 مليار ريال سعودى فى مصر ودعم حاجات القاهرة من البترول.
وقال أحد نقاد الحكومة من باب الدعابة: «السيسى يحصل على صفقة أفضل من السعوديين».
المصدر- صحيفة «فاينانشال تايمز».