بقلم – ديفيد جاردنر
كان الحماس الذى استقبلت به النخبة السياسية ونخبة الأعمال فى إيطاليا وفرنسا الرئيس الإيرانى حسن روحانى، الأسبوع الماضى كبيراً.
ولايزال الشرق الأوسط يدور فى دوامة الاضطرابات الطائفية، وترتقى الحرب بالوكالة بين إيران والسعودية فى سوريا إلى مستوى تهديد للأمن القومى، ولكن إعادة انفتاح إيران على الأسواق العالمية أشعل احتمالية تدافع المستثمرين على سوق ناشئ نادر، بالإضافة إلى أن صعود إيران سيساعد على إدخال السعودية فى مرحلة جديدة من المنافسة الاقتصادية مع منافستها المحلية.
ويبحث روحانى ووفده عقوداً فى إيطاليا بقيمة 17 مليار دولار لكل شىء، بدءاً من أنابيب نقل البترول إلى السكك الحديدية، وفى فرنسا، لأسطول جديد مكون من 114 طائرة إيرباص.
وهذه الصفقات مع الدولتين الأوروبيتين اللتين كانتا الأقرب إلى إيران قبل العقوبات التى أعاقت الدولة، ما هى إلا مجرد لمحة عما هو قادم بعد أن أُزيلت معظم العقوبات.
ويقدر بعض الاقتصاديين الإقليميين، أن حاجات إيران الاستثمارية غير الملباة تقدر بـ150 مليار دولار سنوياً على مدار السنوات الـ5 المقبلة، فى حين يتوقع صندوق النقد الدولى الأكثر حذراً أن ترتفع صادرات إيران من 75 مليار دولار العام الحالى إلى 115 مليار دولار فى 2020، ولكن ماذا فعلت السعودية رداً على ذلك؟
شرعت المملكة فى إصلاح عنيف لإدارة اقتصادها ونظام الرفاه الاجتماعى. وهذه الإصلاحات كانت تُناقش وتُرفض فى الماضى باعتبارها خطيرة جداً، وتشمل تخفيضاً لدعم الوقود الذى كان بمثابة استنزاف كبير فى وقت تنخفض فيه أسعار البترول.
كما أثار ولى ولى العهد محمد بن سلمان، فكرة التعويم الجزئى لـ«أرامكو» السعودية، وهى شركة البترول الحكومية، والجوهرة الثمينة للمملكة.
وشغل هذا القرار العالم بحساب التقييمات المحتملة، وربما كان هذا هو مقصد القرار «تغيير الانتباه بعيداً عن إيران».
فالرياض تعلم أنه عندما ينظر الغربيون إلى السعودية يرونها كمغنم كبير، وربما يكون الاقتصاد لايزال مغلقاً نسبياً أمام المستثمرين الأجانب، إلا أنه لا يستهان به.
ورغم أن السعودية قد تبدو دولة مترهلة تقوم على المحسوبية، فإنها فى الماضى خلقت واحات من التميز، مثل «أرامكو السعودية» التى أعادت شراءها من الولايات المتحدة فى السبعينيات، وكذلك شركة «سابك» للبتروكيماويات.
ويشير انهيار أسعار البترول، وتحدى إيران، والحاجة إلى توفير المعيشة للشعب الشاب المتحمس، الذى يقع بشكل خاص فريسة للتطرف الجهادى الخاص بـ«داعش»، إلى أن القيادة السعودية الجديدة بحاجة إلى التغيير.
وسيستغل جيران المملكة الفرص الضائعة عليها، فموانئ دولة الإمارات العربية المتحدة قد تصبح مركزاً لشحن البضائع من وإلى إيران، وقد تساعد قطر الغنية بالبترول إيران على استغلال احتياطياتها الضخمة.
وربما تحجم البنوك العالمية عن دخول إيران بسبب مخاطر الطرف المقابل، مما سيفتح فرصاً ذهبية للبنوك ذات الخبرة المحلية من دبى إلى بيروت.
ومع ذلك، تستطيع السعودية التفوق على إيران من الناحية الاقتصادية بدلاً من التركيز على الجوانب الدبلوماسية والعسكرية، فحتى عندما كانت إيران تحت العقوبات، تفوقت على المملكة فى ميادين المعارك، وجنت مكاسب أكثر مما جنتها السعودية رغم إنفاقها عشرات المليارات على الحرب بالوكالة.
وعندما قطعت الرياض مؤخراً علاقاتها الدبلوماسة مع طهران، لم يسر وراءها سوى البحرين، ومجموعة من الدول فى القرن الأفريقى بما فى ذلك الصومال وجيبوتى.
ولاتزال فكرة تحويل عمالقة الخليج العربى منافساتهم إلى الحلبة الاقتصادية فى مهدها الأول، ومع ذلك، ففى وقت تتغير فيه الحسابات الجغرافية السياسية للعالم لإعادة دمج إيران، ويزداد فيه التدقيق الدولى على الروابط بين الوهابية السعودية والتطرف الجادى، ربما تود الرياض إعادة تقييم نقاط قوتها.
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»