لاحظتُ أن هناك 4 مدارس مختلفة فى التفكير بشأن كيف ينبغى أن تُدار اقتصادات الولايات المتحدة ومعظم العالم المتقدم.
ويكمن التحدى لمجلس الاحتياطى الفيدرالى، والبنوك المركزية الأخرى فى معرفة ما هى المدرسة الصحيحة؟
ودعونا نطلق على المجموعة الأولى من الاقتصاديين، وصف «المحايدون».
وهؤلاء يقولون إنه طالما أن التضخم منخفض ومستقر، فإن البنوك المركزية سيكون لها تأثير متواضع وقصير الأجل على متغيرات مثل الوظائف والنمو الاقتصادى.
كما يعتقد هؤلاء أن وسائل الإعلام تعطى انتباهاً مبالغاً فيه للسياسة النقدية، مما يجعل المسئولين الحكوميين يتجاهلون القضايا الأكثر أهمية، مثل كيف نجعل الاقتصاد أكثر إنتاجية؟
والمجموعة الثانية، هم «التضخميون».
وهؤلاء يقلقون من أن الطلب على العمالة بدأ بالفعل فى رفع الأجور، مما سيعطى دفعة لدوامة تضخمية سيصعب على البنوك المركزية السيطرة عليها، ولأن التغيرات فى أسعار الفائدة تأخذ وقتاً حتى يتدفق أثرها إلى الاقتصاد، فهم يعتقدون أن «الفيدرالى» هو المتسبب فى هذا الارتفاع فى الطلب على العمالة.
وتتمثل المجموعة الثالثة فى «متوقعى نشوء الفقاعات».
فهؤلاء مثل المحايدون، يتشككون فى فعالية السياسة النقدية، حتى أن العديد منهم سيقول إن التضخم يقوده بشكل كبير قوى تكنولوجية وديموجرافية خارج سيطرة البنوك المركزية.
وهؤلاء يعتقدون أن أسعار الفائدة المنخفضة تتسبب فى صعود أسعار الأسهم والسندات بشكل غير مستدام، وتشجع على الاقتراض بكميات خطيرة، وهو ما يمهد لكارثة اقتصادية ومالية.
أما المدرسة الأخيرة فتركز على الفجوات، وترى أن النشاط الاقتصادى أقل بكثير من المستوى الذى من شأنه أن يولد تضخماً مفرطاً، رغم أن البنوك المركزية تخفض أسعار الفائدة لمستويات منخفضة للغاية فى محاولة لتعزيز النشاط.
ولدعم وجهة نظرهم، يشير المنتمون لهذه المدرسة إلى أن التضخم لايزال أقل من المستويات المستهدفة من قبل البنوك المركزية، وأن المقاييس التى تقوم عليها توقعات التضخم طويلة الأجل لاتزال منخفضة.
ويجادل بعض اقتصاديى المجموعة الرابعة بأن البنوك المركزية ينبغى عليها السعى وراء أشكال مختلفة من المحفزات النقدية، مثل اعتماد أسعار الفائدة السلبية أو تمويل الإنفاق الحكومى بشكل مباشر، بل إنهم يقولون، إن لم تكن البنوك المركزية قادرة أو راغبة فى تقديم المحفزات النقدية المطلوبة، فإنه ينبغى على الهيئات المالية الأخرى القيام بذلك، وهو اقتراح يثير حفيظة التضخميين، والكثير من المحايدين، الذين يعتقدون أن الحكومة كبيرة بما يكفى.
إذاً، من هو المحق؟ فى الواقع، وبالنظر إلى الدلائل المتاحة، لا أعتقد أنه من الممكن إهمال أى من وجهات النظر تلك باعتبارها خاطئة تماما، وهذا يعنى أن صناع السياسة يتعين عليهم التصرف على افتراض أن تلك المدارس كلها صحيحة.
فالمحايدون محقون فى أننا ينبغى أن نفكر فى طرق لتحسين إمكانات النمو على المدى الطويل، فيمكننا على سبيل المثال، تحسين رأس المال البشرى باستخدام طرق بديلة لتمويل التعليم بدءاً من مرحلة التمهيدى حتى الجامعة.
وقد يكون التضخم وشيكاً، ولكن من وجهة نظرى، لا ينبغى أن يتعامل الفيدرالى مع مخاوف التضخميين من خلال خنق النمو فى الوقت الراهن، وبدلاًَ من ذلك، يجب على البنك المركزى أن يكون واضحاً بشأن رغبته فى رفع أسعار الفائدة بحدة فى حال ارتفاع التضخم «الأساسى» بشكل مستدام فوق المستوى المستهدف عند 2%.
وإذا كان متوقعو نشوء الفقاعات محقين بشأن أسعار الأصول المتضخمة بشكل مصطنع، فهذا لا يعنى بالضرورة أن أى انفجار لاحق فى فقاعة سيتسبب فى ضرر بالغ للاقتصاد، وصحيح أن ذلك ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية فى 2007-2009، إلا أن ذلك كان عائداً بقدر كبير إلى أن السلطات النقدية والمالية لم تقم بما يكفى لإنعاش الاقتصاد العالمى سريعاً، ويبنغى على الساسة أن يعدوا أنفسهم للتصرف بطريقة أفضل المرة المقبلة.
أما أصحاب وجهة النظر الرابعة، فمحقون بشدة فى أن التضخم وتوقعات التضخم منخفضة للغاية فى العالم المتقدم.
وعلى هذه الجبهة، هناك الكثير مما يمكن عمله من قبل السلطات النقدية والمالية، وقد يساعد المزيد من المحفزات على تعزيز لايزال توسع اقتصادى مخيبا للآمال بشدة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»








