قال الكاتب الصحفى المخضرم باتريك وير، إن الحكومة يجب أن تكون حذرة جداً بشأن البرنامج الإصلاحى الطموح الذى تطبقه حاليا حتى لا يجعل المشاكل المالية لمصر أسوأ من ذى قبل.
وقال وير الذى عمل فى مصر لمدة 26 عاما إن طوفان زيادة الأسعار الذى يضرب مصر حاليا بعد الإعلان عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولى على اقتراض 12 مليار دولار، يستحضر ذكريات أول اتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولى الذى أدى لاحتجاجات قوية فى الشارع آنذاك.
وقال فى مقال له نشره موقع ذا ناشيونال الإماراتى، إن الشكاوى تصاعدت من زيادة أسعار الكهرباء بأثر رجعى لتقليص عجز الموازنة، رفعت الحكومة أيضا أسعار المياه والسجائر وتقول إن لديها خططاً لتحرير أسعار المواد البترولية وخفض قيمة الجنيه، وهو ما يجعل الأوضاع مشابهة لنظيرتها قبل 40 سنة.
أضاف أنه فى العام 76 وبعد الشعبية الكبيرة التى حققها السادات نتيجة نجاح الجيش فى عبور قناة السويس واختراق التحصينات الإسرائيلية، ارتفعت الواردات بعد الحرب، وأصبح دعم المواد الغذائية يكلف الحكومة من 500 إلى 600 مليون جنيه سنويا، بينما ارتفع عجز الموازنة إلى 1.4 مليار جنيه فى 1975 مقابل 250 مليون جنيه فى 1973، فى حين ارتفع عجز الميزان الجارى إلى مليارى دولار بينما ارتفعت الفائدة إلى 19% على الديون قصيرة الأجل التى كانت تعتمد عليها البلاد بشكل متزايد.
وقام السادات بجولة فى دول الخليج، التى كانت تقدم المساعدات لمصر بعد الحرب، فى ربيع 1975 بحثا عن تمويل لمواجهة التزامات ديون مصر الضخمة قصيرة الأجل، فى هذه الأثناء كانت الدول الخليجية المانحة قد أصابها التعب لكنها قدمت فى نهاية المطاف 2.5 مليار دولار، لكن المدفوعات كانت قد تأخرت وأجبرت مصر على تأجيل سداد ديون قصيرة الأجل بقيمة 450 مليون دولار.
وواجهت البلاد خطر التأخر فى سداد الديون مجدداً فى أوائل عام 1976 ومرة أخرى هرع السادات إلى الخليج فى فبراير من ذلك العام، حيث قيل أنه حصل على تعهدات بقيمة 300 مليون دولار من السعودية والكويت، واستدعى فريق صندوق النقد الدولى الذى وصل إلى القاهرة فى مارس. وفى أبريل من نفس العام وافقت السعودية والكويت وقطر والإمارات على وضع مليارى دولار فى صندوق لتمويل الاقتصاد المصرى.
رفضت مصر خفض قيمة الجنيه المقوم بأعلى من قيمته، وفى مايو 1976 بدأت نظاما جديدا لسعر الصرف يعتمد على سعرين، الأول رسمى بقيمة 39 قرشا للدولار لاستيراد السلع الاساسية للحكومة مثل المواد الغذائية والبترولية، والثانى بسعر 68 قرشا للدولار يستخدمه القطاع الخاص والسياحة والمصريون فى الخارج.
فى مقابل الحصول على القرض وافقت مصر على على خفض الإنفاق على دعم المواد الغذائية، وفى 17 يناير 1977 قالت الحكومة إنها رفعت الخبز على الجودة 50% والدقيق 67% والسكر 4% والأرز 20%، وغاز الطهى 46% والبنزين بمعدلات تصل إلى 31%، كما رفعت أسعار السجائر وأزالت الدعم عن الشاى، ولم تكن هناك زيادة فى أسعار الخبز البلدى الذى يؤكل على نطاق واسع.
فى اليومين التاليين اندلعت أعمال شغب فى جميع أنحاء البلاد وأقامت الحكومة المتاريس وفرضت حظر الجول ليلا، وسقط 77 قتيلا فى القاهرة وحدها واعتقل نحو 1250 شخصا، وبعد ظهر يوم 19 يناير أعلنت الحكومة إلغاء كل الزيادات التى شهدتها الأسعار.
ويقول وير إنه بعد أربعة أيام أعلنت الولايات المتحدة إقراض مصر 20 مليون دولار بشكل فورى، وخلال أسابيع وافقت على تقديم 170 مليون دولار، وفى أبريل من نفس العام أقر صندوق النقد الدولى 3 اتفاقيات استعداد ائتمانى بقيمة إجمالية 125 مليون دولار ووافقت دول الخليج إقراض مصر 1.5 مليار دولار وهو ما مكن مصر من سداد ديونها مرتفعة التكلفة، وبدلاً من خفض الدعم، توسعت الحكومة فيه، وارتفع الإنفاق عليه من 15.5% من الإنفاق الحكومى فى 1977 إلى 20.5% فى 1980، وضاعفت الحكومة إنفاقها فى النصف الأول من العام 1977، ما قفز بعجز الموازنة إلى أكثر من مليار جنيه مقابل 177 مليون جنيه كانت مستهدفة.








