بقلم/ جون سفاكياناكيس
وُصفت رحلة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى آسيا على أنها إما زيارة روتينية لتعزيز العلاقات التجارية القوية بالفعل بين السعودية وآسيا، ومحاولة لتنويع العلاقات بعيدا عن الولايات المتحدة، أو أنها طريقة لجذب الاستثمارات للسعودية وتعزيز استثماراتها هناك، والواقع أنها خليط مما سبق، وبالفعل البترول جزء هام من القصة، ولكنه ليس الفصل الوحيد.
وتأمل السعودية من خلال المبادرة، القيام بمشروعات استثمارية فى ماليزيا، واندونيسيا، واليابان، والصين، فى أن تُبادل بالمثل وأن يكون لها نفوذ فى آسيا، وبدأت الشراكة بين السعودية وآسيا تزداد أهمية على مدار العقد الماضي، وزادت العلاقات قوة فى 2016 عندما تجاوزت آسيا الاتحاد الأوروبى لتصبح أكبر شريك تجارى مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وتستورد اليابان 83% من احتياجاتها من البترول من الخليج، وأكثر من ثلث هذه الكمية يأتى من السعودية. وتتمتع الدولتان بعلاقات دبلوماسية ممتازة تعود إلى عام 1938 عندما زار مبعوثون للسعودية، اليابان لافتتاح مسجد، كما أن «تويوتا لاند كروزر» هى السيارة الأكثر مبيعا وانتشارا فى السعودية.
وطلبت المملكة، من «تويوتا» مجددا أن تقوم بدراسة جدوى لإنتاج سيارات محددة فى الدولة.
وبالنسبة للسعودية، يعد الحصول على التكنولوجيا ومحتويات ذات قيمة مضافة عالية، امرا ضروريا.
وقد يأخذ قرار تجميع السيارات فى المملكة وقتا طويلا، ولكن إذا قدمت المملكة الحوافز المناسبة، فسيكون التشجيع على إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة تنتج قطع غيار لقطاع المركبات العالمى بديلا جيدا.
وتعلقت الزيارة إلى اليابان أيضا بإدراج أرامكو السعودية فى بورصة طوكيو، بمجرد ان يتم بيع أسهمها للجمهور، وتشتد المنافسة من البورصات الأخرى خصوصا بورصات نيويورك، ولندن، وهونج كونج، وسنغافورة على ما قد يكون أكبر طرح عام للجمهور على الإطلاق.
كما يعد دور الصين ونفوذها فى الأسواق العالمية مصدر إغراء كبيرا للسعودية. فهى اكبر مستهلك للطاقة فى العام وثانى مستورد للخام بعد الولايات المتحدة، ومثلها مثل اليابانيين، تتحرك الصين بدافع حاجتها لتأمين مصادر الطاقة، وهذا يعطى السعودية الفرصة لتقوية حضورها السوقى فى آسيا وسط ارتفاع التنافسية مع روسيا.
ورغم ان السعودية تشحن بترولا إلى الصين اكثر من الولايات المتحدة، فإن الصين تشترى خاما من روسيا أكثر مما تستورده من المملكة.
وأشرف الملك سلمان خلال زيارته للصين، على التوقيع على صفقات محتملة بقيمة 65 مليار دولار فى كل شيء بدءا من الطاقة إلى التصنيع وحتى إنشاء مدينة ملاهي.
ورغم أن بعض المحللين سارعوا لوصف المبلغ بأنه قليل وليس لافتا للأنظار، فإنه يقدم إشارة على تعمق الروابط بين الدولتين.
والأكثر أهمية من ذلك، إن هذه هى المرة الأولى التى توضع فيها أهداف ثنائية محددة وتشق فيها قنوات مؤسسية للكيانات الحكومية، ما سوف يساعد على تحقيق تلك المشروعات، والاتفاقيات، وسوف يتم توزيع هذه المشروعات على سنوات عديدة حتى لا ترهق موازنة الحكومة، خاصة احتياطياتها، وهذا من شأنه أيضا الحفاظ على ارتباط العملة بالدولار.
وفى أحدث تقرير لوكالة التصنيف الائتمانى «فيتش»، فإن ميزانية الحكومة لا تزال قوية مقارنة بنظرائها ذوى تصنيف «A» و«AA».
والجدير بالملاحظة، أن الصين تفكر بشكل متزايد فى إنشاء ممر نقل تجارى إلى أوروبا، وتعد احدى استراتيجيات الصين الرئيسية، هى بناء موانئ خاصة بها تربط المحيط الهندى بالبحر الأحمر وقناة السويس ليتصلوا بالأخير مع ميناء بيريوس اليونانى الذى أصبح واحدا من أكبر الموانئ واكثرها كفاءة فى أوروبا بفضل ملّاكه الصينيين الجدد.
وتعد اللوجيستيات جزءا رئيسيا من رؤية السعودية 2030، نظرا لأن المملكة تسعى لرفع تصنيفها العالمى فى الخدمات اللوجيستية إلى المركز الـ 25 بحلول 2030 من 52 فى 2016، وتمر أكثر من 10% من التجارة البحرية العالمية عبر البحر الأحمر كل عام.
وفتح توسع السعودية فى تكرير البترول الخام، الطريق لدخولها إلى اندونيسيا وماليزيا، وكانت زيارة الملك لإندونيسيا هى الأولى لحاكم سعودى فى 47 عاما.
ويوجه الاستثمار بقيمة 6 مليارات دولار بين أرامكو السعودية و«بيرتامينا» الإندونيسية إلى توسيع مصفاة اندونيسية لتكرير البترول.
وفى ماليزيا، تم الانتهاء من صفقة بقيمة 7 مليارات دولار، مع الشركة الوطنية للبترول لتطوير مصفاة بالإضافة إلى إمدادها بـ70% من الخام، وهذا يعد أكبر استثمار لـ«أرامكو السعودية» خارج المملكة.
ولكن كل ذلك لا يعنى ان السعودية تتجاهل حلفاءها القدامى، ففى الوقت الذى كان فيه الملك سلمان يزور الصين، سافر الأمير محمد بن سلمان فى زيارة سريعة للقاء الرئيس دونالد ترامب، واعلن البيت الأبيض فى بيان عن استثمارات بقيمة 200 مليار دولار فى السنوات الأربع المقبلة بين البلدين ستركز على قطاعات الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
وبالنسبة للسعودية، تعد كل من أمريكا وآسيا ورقتى لعب فريدتين على الطاولة من شأنهما المساعدة فى تنويع الخيارات الدبلوماسية الاقتصادية للمملكة.
إعداد/ رحمة عبدالعزيز
المصدر/ وكالة أنباء «بلومبرج»