ربما ستجد هذه المقالة لا تحمل الكثير من الأخبار الجديدة، فنحن دولة نصنف من “الاقتصاديات الناشئة ” Emerging Markets والتي تعني بصورة أو بأخرى أن مازال أمامنا الكثير للحاق بركب الدول المتقدمة، وربما لاحظت في خلال العام الماضي -نتيجة لظروف كثيرة – وجود صعوبات اقتصادية ادت الي تخفيض توقعات النمو للاقتصاد المصري وهو بالتأكيد ما سينعكس علينا جميعا بصورة أو بأخرى والسؤال الذي يطرح نفسه وربما له العديد من الإجابات ماذا ينقصنا لكي نلحق بالركب ؟
وحتي نبدأ بصورة منطقية يمكننا النظر إلى ما نستطيع ان نفعله نحن كمواطنين فاعلين ومن وجهة نظر متواضعة أستطيع أن أقول إن الإيمان ليس ينقصنا وربما أقول أن المال ليس هو المشكلة فيكفيك ان تعرف بأن قائمة أغنى 20 عربي للعام 2023 ثلثها من المصريين منهم الأول والرابع والخامس اذن ماهي مشكلتنا المهمة هي الجودة فيما نؤديه من عمل وكذلك الأنتاجية وسنركز هنا علي الجودة.
وحتي أستطيع أن أشرح لك الموضوع بصورة مبسطة، لنفترض انك مثلاً قررت ان تشترى مشترك كهربائي وكان أمامك 3 أنواع الألماني 300 جنيه والتركي 200 جنيه والمصرى 120 جنيها، فما هو النوع الذى ستقرر شراؤه؟ أعتقد بأن قرارك سيكون الألماني والسؤال لماذا ؟ مع ملاحظة ان هذا النوع من السلع نوع بسيط ولا يحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة وكذلك فان متوسط العمر الإنتاجي منخفض، كما ان الاستثمار هو مبلغ زهيد الإجابة ببساطة هو الثقة في المنتج والجودة.
يمكنك طبعاً وضع اللوم علي التعليم والاستثمار او نحذو حذو محللي كرة القدم ونلوم التحكيم الظالم والملعب الغير ملائم، ولكن يبقي الأمر الأوحد يقينا اننا لا نضع الجودة امامنا عند ادائنا لأعمالنا في جميع مناحي الحياة خذ مثلاً إشارة التنبيه عند انحراف السيارة، قليلون من يعطوا الإشارة، كلنا تقريبا نشتكي من خدمات العملاء حتي مع العلم ان مشغلي الخدمة يوفرون “نص محدد” Script لا يمكن للموظف ان يحيد عنه ولكنها الجودة المفقودة، أتذكر عندما كنا نأخد تدريباً خارج مصر كان من ضمن التدريب على الرد على التليفون يتضمن التأكد من انك مبتسم بغض النظر ان الشخص على الطرف الآخر لايراك ولكنه يشعر بك.
محمد مهران يكتب: تأمين الحريق بين الفائدة والإفادة
مثال آخر عن فقدان الجوده هو الحصول علي المعلومة فأننى علي يقين بأن الكثيرين يفضلون المعلومة السرعية مثل ” الدحيح” على قراءة كتاب أو عمل بحث على الإنترنت عن افضل المعلومات علماً بان تلك المعلومات متوافرة في اقل من ثواني معدوده مهما كان الموضوع الذى ستبحث عنه بخلاف الفترات الماضية التي كانت المعلومة غير متوافرة واتذكر بأنني في بداية عملي في تأمين الطيران سعيت إلى قراءة كتاب في هذا النوع المتخصص وكان هناك كتاب ممتاز، ولكن كانت توجد منه نسختين فقط في الجمهورية أحدهما كان مستعاراً من مدير القسم والآخر كان في شركة أخرى.
وحتي نؤكد على ما ذكر بأن الجودة هي العامل الحاسم في النجاح أو لا قدر الله الفشل وربما يخدمنا مثال لشركة بوينج عملاق صناعة الطائرات الأمريكي والذى يملك حصة سوقية 42% من سوق إنتاج الطائرات، والتي يقدر العائد السنوي لها حوالي 78 مليار دولار (16% من الناتج القومي الإجمالي لمصر) كما ان أرباحها في عام حوالي 22 مليار دولار ومؤخراً فأن هذا الكيان العملاق علي وشك الأنهيار كما يظهر من وضع سعر السهم وكل ذلك كان نتيجة لمشاكل في الجوده للطائرة بوينج ماكس 737 (ولهذا حديث آخر، حيث ان قطاع التأمين الغلبان هو من سيدفع الفاتورة).
التفاؤل هو طبعي لذا فأنني أبحث عن صور مشرقة وفي الحقيقة فأن شركة V7 وهي شركة مصرية قدمت نموذج جيد للجودة عندما ابتكرت غطاء للزجاج وحرصت على الطبيعة الصحية للمشروب وكذلك شركة الخزف المصرية فتحي محمود التي تقدم منتجات تضارع مثيلاتها العالمية وتري الجودة ليس فقط في المنتج، ولكن في التغليف وطريقة العرض والصور المقدمة ، بالطبع هناك العشرات من الأمثلة الجيدة ولكن هناك الآلاف من الأمور التي يتعين عليها تغييرها ونتذكر جيداً ان مصر سيبنيها المصر شعبها وليس الاستثمار الأجنبي وليس صندوق النقد الدولى.
حفظ الله مصر