التجربة على مدار أكثر من 7 سنوات مضت أثبتت أن للإعلام دور فى غاية الخطورة فى بناء وعى ورأى لغالبية فئات المجتمع المصرى، خاصة الفئات التى لا تتعامل بشكل مباشر مع وسائل التواصل الاجتماعى أو تهتم وقد لا تقرأ أيضاً المطبوعات الورقية والتى كانت لوقت ليس ببعيد هى صلة الاتصال بين الرأى ومتلقيه على مدار سنوات ممتدة وطويلة، كانت للكلمات فى الفترة ما قبل ثورة الإعلام المرئى التأثير الأعظم على تغير شكل وأسلوب حياة المجتمعات بل وفى بناء أحلام وطموحات عريضة وهى أيضاً أصبحت معوال هدم لعزائم مجتمعات بنشر الثقافة التشاؤمية البائسة وفقدان الأمل فى مستقبل قد يبدو ببعضاً من العمل ذو طبيعة مختلفة.
هذا ما أود أن أشير إليه ورسالتى ليست للإعلام التقليدى وفقط ولكن إلى جميع أشكال الإعلام الحالى من تليفزيون وراديو ومواقع تواصل اجتماعى، والتى لم نتبن حتى اليوم برغم فاعلية وتأثير الإعلام على إيقاع المجتمعات أى خطة واضحة لبث وصناعة وعى مختلف لمجتمع آفتة الكسل والتواكل، بل وساهمت الدراما بجميع صورها على تبنى أفكار ليس لها فى صلة بواقع الحياة من أحلام الثراء السريع باستخدام جميع الطرق غير المشروعة والملتوية، أعتقد قد حانت فرصة ذهبية لأن يتخذ الإعلام الوطنى دوره فى بناء استراتيجية طويلة المدى ليست لإبراز إنجازات تتحقق اليوم ولا فى المقابل البحث عن عقابات تواجهه الدولة وإبرازها وحسب ولكن فى أن يتبنى الإعلام الوطنى رسالة فى بناء جيل يعى تماماً أولوياته وكيفية بناء مجتمع منتج يعمل بشكل متصل متناغم مع بعضه البعض فى سبيل تحقق إستراتجية الدولة المصرية اليوم من زيادة معدلات الإنتاج وتخفيض أعداد البطالة التى تجاوزت فاتورة هذا الخلل أكثر من مائة مليار جنيه سنوياً، نريد اليوم من الإعلام المصرى أن يتحمل مسئولياته فمن المؤسف والمخزى أن تتحول فجأة جميع وسائل الإعلام الى الشكل الترفيهى الذى مهما كانت حجم الرسائل التى قد يتضمنها هذا المنهج لن يساهم فى بناء وعى حقيقى يظل راسخ فى أذهان أجيال قد نعلق عليها آمال فشلنا نحن ومن سبوقنا فى تحقيقها.
لا أود الحديث عن هذا المبنى العريق الواقع على ضفاف النيل وهو الجهاز الرسمى للدولة كجهاز إقتصادى يخسر كما يهوى البعض تسميته، ولكن هو الجهاز الذى مازال برغم طاقاته الجبارة وكفائته الغير محدودة يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، فمن خلال كوادر ابنائه الذى أعرفهم عن قرب وأثق فى طاقاتهم وعلى يقين أنهم قادرين على إخراج تلك المهمة الوطنية على أكمل صورة فى تبنى برنامج متكامل على جميع شاشته المتعددة فى تشكيل وعى مجتمعى عن مايجب أن نكون عليه وما يحتاجه اقتصادنا الوطنى لعلاج هذا الخلل الكارثى فى مؤشراته وبنيته وكيف للطاقات الشابة المهدرة فى أن تتبنى سياسات وأسلوب مغاير تماماً فى التعاطى مع فكرة دمج نجاح هذا الجيل فى إخراج هذا الوطن من كبوته وجعل مستقبل أبنائنا أفضل ولو قليلاً من أجيالنا، وبالتالى نجاح دولة بأكملها ويصبح هذا الوعى أرخص استثمار يحقق أعلى عائد ممكن باتباع سياسة النفس الطويل.
لماذا لا يقدم الإعلام المصرى مفاتيح الدولة وإبراز ماتقدمه من خدمات لمن يريد أن يفتح طاقة نور له ولعمله؟ لماذا لا نسلط الضوء عن مكاتب التمثيل التجارى المنتشرة فى العالم حتى يتسنى للصناعات الصغيرة والمتوسطة بفتح فرص تصديرية لها تعود بالنفعل على اقتصاديات مشروعاتهم وكذلك مصدر مهم وملح للعملة الصعبة للدولة وميزانها التجارى.
لماذا لا يتبنى الإعلام المصرى إبراز الصناعات الأكثر احتياجاً وبشكل متكرر وإبراز أجهزة كجهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة والصندوق الاجتماعى وجهاز تحديث الصناعة حتى يتم توجيه الشباب التى تصارع من أجل فتح مقاهى وفقط كأول ما يخطر على مزاجها عند ذكر فكرة مشروع متوسط وحتى تحولنا لاقتصاد خدمى استهلاكى بحت ونحن نملك عدد ضخم من الأجهزة التى تكلف الدولة أموالاً طائلة لا تستطيع تسويق خدماتها للمجتمع، وشريحة ضخمة ومهمة من هذا المجتمع فى الأصل لا تعلم عنها شىء.
لماذا لا يذكر الإعلام المصرى وينشر ثقافة التعامل مع الأدوات المالية المختلفة، خاصة الغير مصرفية كوسيلة لتمويل مشروعاتهم بحجم تكلفة أقل ومرونة أكبر وحتى وإن كانت تلك المعلومات صعبة على فئات وشريحة كبيرة فى المجتمع، ولكن تكرارها وطرق عرضها حتماً ستنير عقول كثيرة لتقوم بالبحث عن تلك الفرص والبدائل.
لماذا يصر الاعلام المصرى الحديث عن الاقتصاد كأرقام ونسب ومؤشرات والمصطلحات المعقدة كسعر الصرف والتضخم والنمو وغيرها من الامور التى جعلت الاقتصاد جزيرة منعزلة وهو أكثر العلوم إرتباطاً بالمواطن وببساطة يستطيع التعاطى معاها والاستفادة منها ببعض الوعى والفهم
لماذا لا يتبنى الإعلام المصرى الحقيقى بناء وعى بجانب الترفيه؟ هذا الوطن يصارع اليوم من أجل البقاء، فإذا لم نصل للقمة.. فلا يجب أن نعود للقاع!!