عدم المساواة فى الدخول متلازمة مرضية للدول الأعلى دخلاً
إنقاذ الأسر متوسطة الدخل يدعم النمو الاقتصادى فى مواجهة الركود
انتخاب ترامب نتيجة الإضرار بمحدودى الدخل وتفاقم الاستقطاب السياسى
64-69 % حجم الطبقة الوسطى فى دول غرب القارة العجوز
فى الفترة من 1991 إلى 2010، توسعت الطبقة الوسطى فى فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة، ولكن، كما هو الحال فى الولايات المتحدة، تتقلص فى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
وبحسب تحليل راكيش كوشار لدراسة اعدتها مؤسسة بى دبليو سى الأمريكية فإن ثروات الطبقات المتوسطة فى أكبر الاقتصادات فى أوروبا الغربية تتحرك فى اتجاهات متعاكسة. وفى الفترة من عام 1991 إلى عام 2010، ارتفعت حصص البالغين الذين يعيشون فى أسر متوسطة الدخل فى فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة، ولكنها تقلصت فى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
وترتبط المسارات المتباينة باختلافات فى كيفية تطور دخل الأسر بشكل عام فى هذه البلدان. وشهدت فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة نموا ملحوظا فى دخل الأسرة المتاح بعد حساب الضريبة من 1991 إلى 2010.
وفى الوقت نفسه، كانت الإيرادات إما راكدة أو متراجعة فى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
ومن بين 11 بلدا من بلدان أوروبا الغربية التى شملتها الدراسة، شهدت أيرلندا أسرع نمو فى الدخل من 1991 إلى 2010 وأكبر توسع فى الطبقة الوسطى. كما شهد العديد من البلدان الأخرى فى أوروبا الغربية ارتفاعات كبيرة فى دخل الأسرة، غير أن ارتفاع الدخل لم يترجم إلى توسع فى الطبقات الوسطى فى هذه البلدان، وتشمل هذه المجموعة من البلدان الدانمارك ولكسمبورج والنرويج.
وبوجه عام، انخفضت حصة الطبقة الوسطى من السكان البالغين فى سبعة من أصل 11 بلدا من بلدان أوروبا الغربية، وهو ما يشبه انكماش الطبقة الوسطى فى الولايات المتحدة على المدى الطويل. وفى جزء منه، يعتبر تحول الطبقة الوسطى علامة على التقدم الاقتصادي، بصرف النظر عن التغيرات فى دخل الأسر عموما. ويرجع ذلك إلى أن التحول الاقتصادى يرافقه ارتفاع سلم الدخل للطبقة العليا من المجتمع فى جميع البلدان التى تعانى من انكماش الطبقة الوسطى. ولذلك هناك حركة نحو لسلم الدخل فى معظم البلدان ذات الطبقة الوسطى المتقلصة. وعموما، هناك حركة أكبر فى سلم الدخل أكثر من تلك التى تعانى من الانخفاض فى معظم البلدان من عام 1991 إلى عام 2010، ما أدى إلى تحسن عام فى الوضع الاقتصادي.
ولكن هناك أيضا تأجيجا للانقسامات الاقتصادية عبر الأسر فى العديد من بلدان أوروبا الغربية وفى الولايات المتحدة، حيث إن عدد البالغين ارتفع نسبيا فى الطبقات الدنيا والعليا من الدخل مقابل دخول عدد أقل نسبيا فى منطقة الوسط.
وفى هذا التقرير، يعيش البالغون «من الطبقة المتوسطة» فى أسر ذات دخل مستهلك يتراوح بين الثلثين وضعف معدل الدخل القومى المتاح للأسر المعيشية ويشمل الدخل المتاح الدخل من العمل والفوائد وإيرادات توزيعات الأرباح، وإيرادات الإيجار، والمساعدات الحكومية والتحويلات العائلية، بعد خصم ضرائب الدخل واشتراكات الضمان الاجتماعي.
ويتم تعديل تقديرات الدخل فى هذا التقرير وفقا لحجم الأسرة وفق أسعار عام 2011 ومعدل القوة الشرائية ويبلغ متوسط حجم اللسرة فى الواليات المتحدة 2.5 وبين 2 و3 فى بلدان أوروبا الغربية.
ووفقا للمعايير العالمية، فإن البلدان الواردة فى هذا التقرير كلها ذات دخل مرتفع. ويستند ترسيم مستوياتها الدنيا والمتوسطة والعليا إلى الرفاه النسبى للأسر المعيشية داخل هذه البلدان. والأسر المتوسطة الدخل فى أوروبا الغربية والولايات المتحدة هى فى أعلى مستويات الدخل على الصعيد العالمي، حيث إن معظم الأسر ذات الدخل المنخفض فى هذه البلدان تعتبر ضمن الطبقة الوسطى العالمية.
وقد تعكس بعض النتائج التى توصل إليها التقرير تأثير الركود الكبير فى الفترة 2007-2009 فى جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وربما فى أعماق أيرلندا وإيطاليا وإسبانيا. وبشكل أكثر تحديدا، من المرجح أن مستويات الدخل فى عام 2010 كانت أقل مما كان يمكن أن تكون بدون حدوث الركود فى معظم البلدان.
ويشير التقرير الى ان فترة ما بعد عام 1990 فى أوروبا اتسمت بعدة أحداث اقتصادية وسياسية هامة خصوصا فى أعقاب معاهدة إعادة توحيد ألمانيا فى عام 1990 ومعاهدة ماستريخت بشأن الاتحاد الأوروبى فى عام 1993. كما بدأ نفاذ اتفاق شنجن فى عام 1995، مما أتاح التنقل دون جوازات السفر فى معظم أنحاء أوروبا، وبدات التعامل باليورو فى عام 2002.
لكن اقتصادات أوروبا الغربية لم تتشابه رغم بزوغ السوق الأوروبي الموحد. فاقتصادات الجنوب، مثل اقتصادات إيطاليا وإسبانيا، لم تزدهر مثل بلدان الشمال مثل النرويج وهولندا. وحصلت ايرلندا، على سبيل المثال، على لقب النمر الاقتصادى بسبب التوسع الكبير فى نموها الاقتصادى منذ عام 1990. كما توسع الاقتصاد البريطانى بسبب الإصلاحات التى وضعت فى الثمانينيات من القرن الماضى وفقا للمحللين.
أما ألمانيا، وهى أكبر اقتصاد فى أوروبا الغربية وتعتبر قوة عالمية، فقد كافحت من عام 1991 إلى عام 2010. وكان النمو فى نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى فى ألمانيا فى التسعينيات من بين أقل البلدان التى شملها البحث فى هذا التقرير. ويشير المحللون إلى دور إعادة الوحدة الألمانية فى الأداء الاقتصادى الباهت فى التسعينيات. وعلى الرغم من أن ألمانيا حققت اداء أفضل من العديد من الاقتصادات الغربية الأخرى من 2000 إلى 2010، إلا أنها شعرت أيضا بتأثير الركود الكبير وظل النمو الشامل بطيئا.
كما تختلف بلدان الاتحاد الأوروبى فى مستويات الدخل والإنتاجية، ونتائج سوق العمل، والقدرة التنافسية الشاملة وتظهر هذه الفروق بشكل اكثر وضوحا بين البلدان المشمولة فى هذه الدراسة وإيطاليا وإسبانيا.
وتندرج البلدان المختارة فى أوروبا الغربية أيضا تحت ثلاث مجموعات واسعة استنادا إلى دخلها الإجمالى ونسبة البالغين فى الطبقة المتوسطة. وتتألف مجموعة واحدة من إسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وأيرلندا. وقد تراوح متوسط الدخل القومى المتاح فى هذه البلدان الأربع بين 30 الف دولار و39 الف دولار فى عام 2010، وتراوحت حصص الطبقة الوسطى بين 64% و69%، فى بلدان أوروبا الغربية التى شملتها الدراسة.
أما المجموعة الثانية من البلدان فتشمل ألمانيا وفرنسا وفنلندا، حيث يبلغ متوسط دخلها الوطنى المتاح نحو 40 ألف دولار إلى 41 ألف دولار، وتتراوح حصتها من 72% إلى 75%. وتتألف المجموعة الثالثة من لكسمبورج وهولندا والدنمارك والنرويج. وتراوح متوسط الدخل فى هذه البلدان بين 43 الف دولار و65 الف دولار، وارتفعت حصة الطبقة الوسطى من 75% إلى 80% فى عام 2010.
وتمثل الولايات المتحدة استثناء كبيرا لهذه العلاقة العامة بين الدخل القومى وحصة الدخل المتوسط. وقد تجاوز متوسط الدخل فى الولايات المتحدة البالغ 53 الف دولار متوسط الدخل فى جميع البلدان ما عدا لكسمبورج فى عام 2010. وكما لوحظ، فإن الطبقة الوسطى من حصة الولايات المتحدة (59%) أقل من أى من البلدان المختارة من أوروبا الغربية.
تعكس التجربة الأمريكية فرقا ملحوظا فى كيفية توزيع الدخل فى الولايات المتحدة مقارنة مع العديد من البلدان فى أوروبا الغربية. وبشكل أكثر تحديدا، فإن الولايات المتحدة لديها طبقة كبيرة من الدخل الأعلى نسبيا، وضعت بعيدا عن الطبقة الكبيرة نسبيا ذات الدخل المنخفض نسبيا. ولا يتجلى ذلك فقط فى كونه معدلا متوسطا لعدد السكان فى فئة الدخل المتوسط ولكن أيضا كمستوى أعلى من عدم المساواة فى الدخل. وقد ارتفعت الفجوة بين عائدات الأسر القريبة من الفئة الأعلى توزيعا للدخل والأرباح والأسر فى قاع الدخول فى الولايات المتحدة.
وبالمقارنة مع أوروبا الغربية، فإن الطبقة الوسطى فى الولايات المتحدة أصغر، ولكن دخلها أكبر، ففى عام 2010، كانت الأسر فى الولايات المتحدة أكثر انقسما من الناحية الاقتصادية من الأسر فى بلدان أوروبا الغربية التى تم فحصها فى هذا التقرير. وتعد الولايات المتحدة هى البلد الوحيد الذى كان أقل من ستة من كل عشرة بالغين ضمن الطبقة الوسطى. وفى الوقت نفسه، بالمقارنة مع تلك الموجودة فى العديد من دول أوروبا الغربية، كانت حصص البالغين من الأمريكيين منخفضى الدخل كبيرة بنسبة 26% مقابل 15% لفئة اصحاب الدخل الأعلي.
فالطبقة الوسطى تمثل وجودا هاما فى بلدان أوروبا الغربية التى جرى تحليلها، حتى وإن كانت تتقلص فى كثير من البلدان. وتراوحت حصة الطبقة الوسطى من 64% فى إسبانيا إلى 80% فى الدنمارك والنرويج فى عام 2010. وكانت حصة البالغين الذين كانوا أقل دخلا أدنى فى هولندا (13%) والأعلى فى إسبانيا (24%)، والدخل الأعلى تراوحت الأسهم من 6% فى النرويج إلى 14% فى المملكة المتحدة.
ومن الناحية المالية، فإن الطبقة الوسطى الأمريكية تتفوق على الطبقات المتوسطة فى دول أوروبا الغربية من حيث الدخل المتاح للأسر المعيشية، باستثناء لوكسمبورج. وكانت الأسر المتوسطة الدخل فى لكسمبورج تعيش على 71.799 الف دولار سنويا فى عام 2010، فى المتوسط، يليها 60.884 الف دولار فى الولايات المتحدة بينما تعيش الطبقة الوسطى فى إيطاليا على دخل متوسط قدره 35.608 الف دولار.
وبالمثل، فإن دخل الأمريكيين فى 2010 من ذوى الدخل المرتفع (135.709) الف دولار لم تجد سوى نظرائهم فى لوكسمبورج (154.350 دولار).
وبلغ متوسط دخل الأسر ذات الدخل المرتفع فى إسبانيا 77.946 الف دولار، وهو أدنى مستوى فى هذه الفئة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الأمريكيين ذوى الدخل المنخفض هم من أصحاب الحزم من حيث الدخل المتقارب مع ذوى الدخل المنخفض فى لوكسمبورج والنرويج وهولندا والدنمارك.
ويتفاوت شريحة الدخل المتوسط بين البلدان لأن المعايير تختلف فى كل بلد ففى عام 2010، كان متوسط الدخل المتاح يمكن أن يصل إلى 31.885 الف دولار فى إسبانيا، ولكنه يصل إلى 65.466 الف دولار فى لكسمبورج فى عام 2011 حيث تم حساب الأسعار بما يعادل القوة الشرائية وتوحيدها بحساب حجم الأسرة ثلاثة افراد. وهذا يعنى أن الأسرة فى إسبانيا كانت متوسطة الدخل فى عام 2010 إذا كان دخلها المتاح هو فى حدود 21.257 الف دولار إلى 63.771 الف دولار، فى حين أن الأسر المتوسطة الدخل فى لكسمبورج كانت تعيش على 43.644 الف دولار إلى 130.932 الف دولار.
وفى الولايات المتحدة، كان متوسط الدخل المتوسط فى الولايات المتحدة يبلغ 52.941 الف دولار فى عام 2010، وكان متوسط الدخل المتوسط 29.294 الف دولار إلى 105.881 الف دولار لأسرة من ثلاثة أفراد. وكان هذا مستوى يشبه مستوى معيشة الأسر المتوسطة الدخل فى النرويج. ولكن الأسر متوسطة الدخل فى هولندا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وفنلندا وأيرلندا والمملكة المتحدة تخلفت عن الركب، كما فعلت الطبقة المتوسطة الدخل فى إيطاليا، كما حدث فى إسبانيا.
ويتشابك حجم ورفاهية الطبقة الوسطى مع بعض التحديات الاقتصادية الرئيسية التى يواجهها العالم المتقدم لتحسين النمو فى هذا القرن حيث إن عدم المساواة فى الدخل آخذ فى الارتفاع فى كثير من البلدان، والنمو الاقتصادى يعانى من فقر الدم، والتوزيع الاقتصادى أقل مما كان عليه فى الماضي.
وغالبا ما تعكس الطبقة الوسطى الأصغر حجما أو الطبقة الوسطى الأقل فقرا نسبيا توزيع الدخل بشكل غير متساوٍ. وفى المقابل، فإن زيادة عدم المساواة فى الدخل تشكل مناخا ضارا للنمو الاقتصادى. وقد يؤدى الانخفاض النسبى فى دخل الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى حدوث ضغوط على الاستهلاك الكلى فى الاقتصاد، ويؤدى إلى الاقتراض المفرط من قبل هذه الأسر، أو يوفر مثبطات للاستثمار فى التعليم.
كما أن الطبقة الوسطى الأكثر حيوية قد تحسن أيضا النظرة الاقتصادية للأجيال القادمة. ففى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تزود المجتمعات ذات الطبقات المتوسطة الأكبر احتمالا أكبر بأن الأبناء سوف يتمتعون بحركة تصاعدية مقارنة بحالة الآباء من حيث توزيع الدخل. وتبين أيضا وجود علاقة مماثلة بين البلدان، حيث يكون توزيع اثار التنمية بين الأجيال أكبر فى البلدان التى يقل فيها التفاوت فى الدخل.
وقد تساهم المشكلات الاقتصادية للطبقة الوسطى، أو بشكل أكثر عمومية للطبقات غير المنتمين إلى للدخول المرتفعة، فى إحداث تغييرات فى المسارات الاجتماعية والسياسية لبلد ما. فعلى سبيل المثال، قد ترتبط الزيادة فى عدم المساواة فى الدخل فى أمريكا بارتفاع الاستقطاب السياسي. وفى الآونة الأخيرة، كانت الأصوات التى حصل عليها الحزب الجمهورى فى مجتمعات الطبقة المتوسطة فى أمريكا وبين الناخبين من الطبقة العاملة عوامل رئيسية فى انتخاب دونالد ترامب فى عام 2016. وقد جدد هذا الاهتمام بمدى تأثير التباطؤ الاقتصادى المستمر والأتمتة والعولمة على الصفوف الوسطى.








