أوضح تقرير لوكالة أنباء «بلومبرج»، إن ازدياد النزعة القومية الاقتصادية تسبب فى قيام الحكومات والنقابات بمحاربة الهيمنة الغربية على الموارد الطبيعية فى العالم.
وقال بول ميتشل، الباحث فى مؤسسة إرنست آند يونغ: «نحن نشهد صعود الحكومات القومية فى كل مكان، وهذا يترجم رغبة الدول فى الاحتفاظ بأصول الدولة والعمل عليها بنفسها.
وخلال العام الماضى توقف الاندماج بين شركة “هارمونى” لتعدين الذهب وشركة “أنجلوجولد أشانتى” المحدودة فى جنوب أفريقيا بسبب اللوائح الرامية إلى زيادة ملكية السود للموارد الطبيعية.
وفى منغوليا، السمة الرئيسية للانتخابات الوطنية هى مزيد من السيطرة على السلع القيمة، فى وقت هددت فيه محاولة إجبار شركات التعدين الأجنبية على وضع إيرادات مبيعاتها فى المصارف المحلية، عمليات مجموعة “ريو تينتو” فى الدولة، وأدت إلى خروج خطة إنقاذ صندوق النقد الدولى عن مسارها.
كما شهد العام الماضى، توقف محاولات شركة “فريبورت” لبيع حصتها من منجم النحاس والكوبالت فى جمهورية الكونغو الديمقراطية لمدة ثمانية أشهر انتهت فقط عندما دفعت الشركة 33 مليون دولار للحكومة، أى ما يعادل ثلث التسوية التى تضمنت العديد من الشركات.
وفى زامبيا، هددت شركة “جلينكور” السويسرية لتداول السلع بتسريح 4.700 عامل بعد أن أقدمت الحكومة على زيادة أسعار الطاقة.
جاء ذلك فى الوقت الذى وافقت فيه شركة “كوانتوم” المحدودة فى وقت سابق على رفع الرسوم الجمركية وفقاً لما ذكرته الحكومة.
وفى تنزانيا تواجه شركة مناجم الذهب “أكاسيا مينينج” التى تملكها أكبر منتجة للذهب فى العالم وهى شركة “باريك جولد” الكندية فاتورة ضريبية على مناجم الذهب تساوى 4 أضعاف الناتج المحلى الإجمالى للبلاد.
وقال ريتشارد أدكرسون، الرئيس التنفيذى لشركة “فربورت ماكموران”، إن الحكومات ترصد الشركات التى تجنى المزيد من الأموال فى جميع أنحاء العالم ثم تبحث عن طرق للاستفادة منها أكثر.
وأضاف أن هذه النزاعات الحكومية بالإضافة إلى مزيد من الاضرابات العمالية ومعدات التعدين القديمة، ستعطل الإمدادات المعدنية، ومما لا شك فيه أن بعض البلدان النامية أصبحت أكثر ترحيباً بشركات التعدين الأجنبية.
ففى أمريكا اللاتينية على سبيل المثال اعتمدت الأرجنتين وإكوادور، قواعد تنظيمية أكثر تشجيعاً للمستثمرين فى محاولة لاستغلال إمكاناتها المعدنية الهائلة.
ومع ذلك، فإن ازدهار أسعار النحاس خلال عقد من الزمان والذى بلغ ذروته عام 2011 جعل العديد من الحكومات حريصة بشكل متزايد على اقتناص قطعة من أعمال التعدين.
وتراجعت الأسعار لتصل إلى أدنى مستوياتها أوائل عام 2016 ولكنها انتعشت منذ ذلك الحين، وتم تداول النحاس فى بورصة لندن مطلع الشهر الحالى، عند أعلى مستوى له منذ 3 سنوات وسجل 6،924 دولار للطن فى نيويورك.
وقال جوس ماكفارلان، نائب رئيس التعدين والمعادن فى شركة “فيريسك مابلكروفت” للأبحاث، إن الناس ينظرون إلى الشركات على أنها تحقق أرباحاً طائلة رغم أن تكاليف العديد من الشركات زادت أيضا وسط ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وأشارت الوكالة إلى أن عمليات شركة “فريبورت” فى اندونسيا كانت دائماً مربحة، ولكن يصعب إدارتها وحقق منجم “جراسبيرج” الواقع فى بونكاك جايا، أعلى جبل فى إندونيسيا، والذى يمثل ما يقرب من 5 عائدات الشركة، أرباحاً بقيمة 14.8 مليار دولار فى العام الماضى وأنتج أكثر من مليار رطل من النحاس ومليون أوقية من الذهب.
ومنذ تعاملها المبكر مع الرئيس سوهارتو، الذى حكم البلاد 32 عاماً كانت الشركة هدفاً للجماعات المحلية الانفصالية والسكان الأصليين، فضلاً عن المنظمات الدولية المعنية بالبيئة وحقوق الإنسان.
واعتمدت “فريبورت” على الجيش الإندونسى لحماية العمليات من أعمال الشغب والاحتجاجات العنيفة. وفى عام 2011 أطلقت السلطات النار على العمال المضربين، مما أسفر عن مقتل أحدهم.
وبالنظر إلى هذه البيئة، فإن معهد “فريزر” وهو مركز أبحاث كندى، صنف إندونيسيا فى المرتبة 99 من بين 104 دول ذات امكانات تعدينية من حيث تفضيل المستثمرين للسياسات الحكومية.
ويجب على أدكرسون، الذى يبلغ من العمر 70 عاماً، التفاوض مع الحكومة الإندونيسية على شروط تخفيض الاستثمار فى “جراسبيرج”، ولا يزال يتعين على الجانبين الاتفاق على السعر الذى سيدفعه المستثمرون المحليون إلى “فريبورت” لتخفيض حصتها من 81% إلى 49%.
ولكن الآن على الأقل تعتزم “فريبورت” الحفاظ على تشغيل المنجم، ولكن فى يوم من الأيام قد تسمح التكنولوجيا المتقدمة للحكومات الوطنية بإدارة المناجم بشكل أساسى من تلقاء نفسها.
