أثبت مشروع «صدارة» الذى تبلغ قيمته 20 مليار دولار، وأنجز فى سبتمبر الماضى بالمملكة العربية السعودية، أنه أكبر مرفق للمواد الكيميائية.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن هذا المشروع بمثابة بيان قوى من شركة «أرامكو» السعودية للتكيف مع بيئة الطاقة المتغيرة وعلامة على الإصلاحات داخل الاقتصاد السعودي.
وأضافت أن زيادة الاستثمارات فى المواد الكيميائية، تربط الشركة بخطة الإصلاح الاقتصادى الطموحة التى أطلقها ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، لفك اعتماد المملكة المتزايد على البترول.
وفى صميم برنامجه الإصلاحي، سيتم بيع حصة فى «أرامكو» للمستثمرين الدوليين خلال 2018. كما سيتم تحويل عائدات الطرح إلى القطاعات غير النفطية من التكنولوجيا والسياحة، إلى الرعاية الصحية والتعدين.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه من الصعب التحول إلى تنفيذ بنود خطة ولى العهد دون تحسين قدرات «أرامكو» على مستوى الاحتياطيات النفطية. الأمر الذى سيساعدها على بلوغ قيمة 2 تريليون دولار، وليكون اكتتابها العام فى الأسواق العالمية هو الأكبر فى التاريخ.
وأوضح رئيس استراتيجية السلع لدى مجموعة «آر بى سى كابيتال ماركتس»، هيليما كروفت، أنه فى بعض الأحيان يبدو ثمة تناقض بين عمل «أرامكو» الإضافى لإطالة عمر البترول لأنهم يعرفون أن المملكة لا تستطيع إنهاء هذه العلاقة الاعتمادية تماما، وهو ما يفسر محاولات الشركة لتوسيع نطاقات العمل الخاصة بها حتى وإن كانت الصدارة فى الاقتصاد السعودى لن تكون للقطاع النفطي.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن مصنع «صدارة» الذى يستخدم البترول والغاز لإنتاج مجموعة من المواد الكيميائية المتخصصة فى كل شيء من مستحضرات التجميل إلى قطع غيار السيارات، هو المكان الذى يشهد التوفيق بين هذه الرسائل التى تبدو متناقضة للعالم.
ويكشف مشروع «صدارة» الذى يعتبر مشروعا مشتركا مع شركة «داو كيميكال» الأميركية، الحملة السعودية الرامية إلى جذب مزيد من رؤوس الأموال الخاصة والعالمية لتطوير صناعات ذات قيمة أعلى مثل البتروكيماويات التى يمكن أن تقوم على الموارد الطبيعية فى المملكة بدلا من أن تحل محلها.
وقال الرئيس التنفيذى لشركة «أرامكو»،أمين ناصر، إن الحكومة تنظر إلى محركات متعددة بدلا من النظر إلى البترول الخام باعتباره المحرك الوحيد للاقتصاد، مضيفا: «هذا أمر جيد».
وقالت الصحيفة إن تصوير شركة «أرامكو» كحليف للتنويع الاقتصادى بدلا من كونها عقبة، أمر بالغ الأهمية لتجنب الانطباع بأن إدراج الشركة فى سوق الأسهم يعبر عن بيع مجموعة من الإمكانات من قبل حكومة يائسة للحد من الاعتماد على البترول.
ووصف الأمير محمد، الذكاء الاصطناعى والتشغيل الآلى والطاقة المتجددة كأولويات للمملكة العربية السعودية، فى حين أعلن وزير المالية محمد الجدعان، فى مايو الماضى أن المملكة لن تهتم بأسعار البترول بحلول عام 2030 حتى لو كان سعر البرميل صفرا.
وكشفت الصحيفة البريطانية أن هذه الطموحات تبدو هدفا بعيد المنال،إذ لا يزال قطاع البترول يمثل اليوم 87% من الإيرادات الحكومية ويدعم القوة الجيوسياسية للدولة.
وأضافت الصحيفة أن طرح «أرامكو» أمر بالغ الأهمية لاستراتيجية التحول ليس فقط بسبب مليارات الدولارات التى تهدف الرياض إلى جمعها، ولكن أيضا كعامل تحفيز لخصخصة قطاعات مختلفة من الاقتصاد.
ومن المقرر أن تعلن الرياض قريبا عن الأماكن التى سيتم فيها طرح الشركة، وتتراوح الخيارات بين بورصات لندن ونيويورك وهونج كونج وطوكيو، إلى جانب التداول المحلى أو عملية البيع الخاص للمستثمر الاستراتيجى والذى يعد أيضا أمرا مطروحا.
وأوضح ناصر، أن حملة التطهير التى أجرتها السلطات مؤخرا، وحملة الاعتقالات التى طالت الأمراء وعشرات السياسيين ورجال الأعمال بتهم الفساد، ينبغى أن يرحب بها المستثمرون كدليل على الالتزام بالشفافية الاقتصادية.
ومع ذلك يرى العديد من المراقبين، أن هذه الحملة مجرد تذكير بالمخاطر الكامنة فى بلد تحكمه عائلة ملكية مشحونة بالخصومات، وتقع فى واحدة من أكثر المناطق تقلبا فى العالم.
وسيشكل الاستثمار فى «أرامكو»، رهانا على قدرة البلاد على التنقل فى بيئة الطاقة المتغيرة، فى الوقت الذى تدير فيه مجموعة من التوترات السياسية المحلية والإقليمية.
وتعد «أرامكو» نموذجا للاقتصاد الأكثر ديناميكية، والمجتمع المفتوح الذى يحاول الأمير الشاب الترويج له، إذ تفخر الشركة بتوظيف أفضل وألمع الشباب السعوديين فى وقت تسعى فيه جاهدة للحصول على أعلى معايير التميز التشغيلى ولها قوة عاملة متعددة الجنسيات إضافة إلى هياكل المحاسبة والحوكمة المماثلة لأكبر شركات البترول العالمية.
وكشفت البيانات أن الشركة أنتجت 145 مليار برميل من البترول منذ أول عملية حفر ناجحة قامت بها منذ ما يقرب من 80 عاما، وتزعم أن لديها ما لا يقل عن 260 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة المتاحة بما يكفى لتلبية أجمالى الطلب العالمى لمدة 7 سنوات و400 مليار برميل من الموارد الممكنة الأخرى.
ويعتقد بعض المحللين، أن الطلب على البترول يمكن أن يصل إلى ذروته فى أقرب وقت ممكن أواخر عشرينيات الألفية الحالية إذا انتشرت السيارات الكهربائية سريعا بينما يعتقد آخرون أن الذروة ستكون بعد ذلك ولكن الجميع تقريبا يوافقون على أنه بعد قرن من الهيمنة النفطية تواجه الصناعة منافسة شرسة.
وقال بول ستيفنز، الباحث فى مركز «شاثام هاوس» فى لندن، إن «أرامكو» تعلم جيدا أنها بحاجة إلى تأمين أسواق بترول المملكة قبل تراجع الطلب، إذ تظهر بياناتها أن الطلب على البترول سينمو حتى عام 2040 على الأقل مدفوعا بارتفاع الكثافة السكانية ومستويات المعيشة فى العالم النامي.
