افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية
أصبح التباين الكبير بين الاقتصاد السياسى للصين والنظم الاقتصادية فى الغرب، مجدداً، المحرك الضمنى لمجهودات مكافحة بروز الحمائية التجارية.
وصعّدت الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، الأسبوع الماضى، الضغوط على الصين بشأن التجارة والدعم وحقوق الملكية الفكرية.
وفى خطوة نادرة تجاه التعاون الدولى من قبل حكومة ترامب، أصدرت الدول الثلاث بياناً على هامش اجتماع منظمة التجارة الدولية فى بوينس ايريس الأسبوع الماضى، يتناول “القدرة الإنتاجية المفرطة بشدة” فى الصلب والقطاعات الأخرى ودور الدعم غير القانونى والشركات الحكومية فى هذه التخمة.
ولم يسم البيان، الذى تناول أيضاً النقل الجبرى لحقوق الملكية الفكرية، الصين بشكل مباشر، ولكن المسئولين أوضحوا أن الصين هى الهدف الرئيسى للبيان، كما أنها ليست الوحيدة، والهدف وراء التحالف الثلاثى هو عكس الاتجاه نحو الحمائية من خلال انتزاع تنازلات من قبل بكين، ولكن من وجهة نظر أوسع، تمثل هذه التوترات المتزايدة اختباراً وجودياً للنظام التجارى العالمى.
واحد القضايا المطروحة، هى إذا كان النظام الاقتصادى الصينى الهجين والمدفوع من قبل الحكومة أصبح بعيداً عن مبادئ السوق الحر لدرجة تجعل التعاون المثمر مستحيلاً، وتبدد الأمل فى أن انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية، سيحقق تقاربها من النظام الاقتصادى الحر.
ورفعت بكين دعاوى قضائية فى منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة وأوروبا نتيجة فشلهم – حسب زعمها – فى الوفاء بوعودهم بإعطاء الصين “حالة اقتصاد السوق” خلال الـ 15 عاماً منذ أن انضمت للكيان التجارى العالمى، وتريد الصين، اعتبارها رسمياً اقتصاد سوق، لأن مثل هذا التوصيف يعزز قدرتها على مكافحة قضايا الإغراض المقامة ضدها.
وتشتكى الشركات متعددة الجنسيات العاملة في الصين من تدهور بيئة الأعمال، وقالت حوالى 50% من الشركات الأوروبية هناك إن ممارسة الأعمال فى عام 2016 أصبح أكثر صعوبة من العام السابق له، وبالمثل، أوردت غرفة التجارة الأمريكية فى تقرير فى 2017 أن أكثر من 3 أرباع الشركات العضوة فيه بشعرون بأنهم غير مرحب بهم.
ويضع تصنيف البنك الدولى لسهولة ممارسة الأعمال ، الصين فى المرتبة 78 من بين 183 دولة، فى حين تضعها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية في المركز الرابع قبل الأخير من بين 62 دولة بسبب القيود الكبيرة التى تضعها على الاستثمار الأجنبى، وبعض الأسباب التى تقف وراء هذا التصور، تنبع من مبادرتها التكنولوجية.
فقد أعلن فى 2005 عن سياسة “مصنوع فى الصين 2025″، والتى تستهدف حصصاً سوقية أعلى فى 10 قطاعات عالمية، وهذه الخطة قومية بالدرجة الأولى وتستهدف تعزيز “الابتكار الذاتى” والاعتماد على الذات فى صناعة المكونات الرئيسية.
وصعود الصين سريعاً سلم التكنولوجيا، وضعها في منافسة متزايدة مع الشركات الأمريكية والأوروبية، كما تسبب فى موجة استحواذات من قبل الصين على كبار العلامات التجارية فى السوق الأمريكى والأوروبى.
فعلى سبيل المثال ارتفعت الاستثمارات الصينية فى الاتحاد الأوروبى بنسبة 77% فى 2016 إلى 35 مليار يورو، فى حين اتخفضت الاستثمارات الأوروبية فى الصين بنسبة 23% إلى 8 مليارات يورو، وواصلت الهبوط العام الحالى.
وتجادل الولايات المتحدة وأوروبا بأن الدعم الحكومي غير القانونى، والتمويل الحكومى، والسياسات المحاسبية للشركات المملوكة للحكومة الصينية، ساهمت فى الفائض الإنتاجى الصناعى الذى يغرق الأسواق العالمية بالصلب والألومنيوم والسلع الاخرى الرخيصة.
وقد تكون هذه الاتهامات مبررة، ولكن هذا لا يجعل نجاح النهج ثلاثى الأطراف مرجحاً أكثر، لأن المشكلات التى حدتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى واليابان هى مشكلات متأصلة فى طبيعة حكومة الحزب فى بكين، كما أنها ناتج للاقتصادى السياسى، الذي يبدو أنه لا نية لدى الصين مطلقاً فى تغييره.
إعداد: رحمة عبدالعزيز