يواصل القطاع المصرفى القيام بدوره كمضخة للدم فى شرايين الاقتصاد العربى، إلا أن بعض المشكلات الهيكلية تجعله جزءاً من المشكلة والحل أيضاً.
ففى الوقت الذى تعد فيه المصارف العربية الممول الرئيسى لمشروعات التنمية على جميع الأصعدة تبقى السيطرة الدولية على حصص الملكية عقبة أمام تدفق الاستثمار الأجنبى فى القطاع المالى خصوصاً فى دول الخليج رغم الإصلاحات التى شهدتها السنوات الأخيرة.
ووضع تراجع اسعار البترول الشديد السيطرة الحكومية على البنوك موضع اختبار حقيقى مع ضعف تدفقات السيولة النقدية فى وقت يعد فيه الطلب على تمويل المشروعات فى أعلى مستوياته.
وتقود المملكة العربية السعودية جهود إعادة صياغة القطاع فى المنطقة مع الاتجاه نحو مزيد من الخصخصة بما فى ذلك خصخصة قطاع البترول مع الاقتراب من طرح حصة من شركة أرامكو للبترول فى أسواق المال العالمية.
وفى مصر التى تسعى إلى تطبيق الشمول المالى تركز الجهود على تطوير التعاملات المالية إلكترونياً وقد بدات بالفعل عملية التحويل النقدى عبر الهواتف المحمولة ونجحت كذلك شركة فورى فى جذب نحو 20 مليون مستخدم لأكثر من 65 ألف نقطة تتواجد فيها خدماتها.
ووسط خطط تحول اقتصادى طموحة تسعى لإنجاز مشروعات عملاقة يبقى نجاحها مرهوناً بوجود قطاع مالى متطور بما يكفى يفتح أبوابه للاستثمار الأجنبى وفى القلب منه البنوك أهم مصدر تمويل لتلك المشاريع.
دعم هائل للبنوك المملوكة للحكومات الخليجية
كانت ملكية الدولة للبنوك فى أوروبا والولايات المتحدة، تجربةً مؤلمةً، فعندما تجبر على استخدام أذرعها المالية خلال الأزمات وحزم الإنقاذ، فإن العار واللوم لا يمكن تجنبهما فى كثير من الأحيان، وكذلك الصراعات حول ما إذا كانت البنوك التى تم إنقاذها فى 2008 ينبغى أن تكون محركات دفع لسياسة الحكومة وبرامج الضمان الاجتماعى أو السعى لتحقيق أقصى قدر من الأرباح.
وفى دول الخليج العربى، تمتلك البنوك المملوكة للدولة علاقة أكثر انسجاماً مع الحكومات، بحسب تقرير لصحيفة فانيانشيال تايمز.
وتشير صحيفة فاينانشيال تايمز إلى أن المحفزات المالية، وحزم الإنقاذ المالية من الدولة لا تسهمان فى نقل الثروة من الفقراء للأغنياء؛ لأن بالفعل الدولة هى المالك الرئيسى للأصول المصرفية فى الخليج.
وتقول إيلينا بونسيكا، المحللة فى أبوظبى؛ حيث تعمل فى شركة الرمز كابيتال، إن وجود أكبر البنوك فى مجلس التعاون الخليجى المملوكة فى الغالب من قبل الحكومات أو الأسر الحاكمة أو كلتيهما، يمنحها بالتأكيد ميزة تنافسية كبيرة.
وأضافت أنه ليس لديها الدعم الثابت من الحكومات فحسب، بل تقف، أيضاً، فى نقاط تُحسد عليها، عندما يتعلق الأمر بتأمين الأعمال الحكومية؛ بسبب قوة العلاقات. ومن الأمثلة على دعم الدولة الجهود الحكومية لدعم بنوك الإمارات العربية المتحدة خلال أزمة عام 2008.
وتقول مؤسسة الاستشارات المالية فى دبى «أكرديتوس»، إن أذرع دول مجلس التعاون الخليجى بما فى ذلك صناديق الثروة السيادية والمعاشات الحكومية والصناديق الاجتماعية تملك حصة فى أكثر من %80 من بين أكبر 50 مصرفاً من حيث قيمة الأصول فى تلك الدول.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك؛ «أبوظبى الأول»، أكبر بنك فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذى تمثل حكومة الإمارات العربية المتحدة فيه %37 من المساهمين. وتمتلك حكومة دبى ما يقرب من %56 من بنك دبى الوطنى. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك هيئة قطر للاستثمار %5 من بنك قطر الوطنى، وأكبر بنك فى المملكة العربية السعودية هو البنك الأهلى التجارى، وتمتلك فيه الحكومة %65 تقريباً مملوكة لثلاثة كيانات مرتبطة بالدولة.
لكن المخاطرة تظهر فى شكوى المصرفيين الأجانب لعدم تكافؤ الفرص، لا سيما فى أسواق رؤوس أموال الديون.
وتظهر بيانات شركة «ديلوجيك»، أن البنوك الخليجية هى الثامنة والتاسعة والعاشرة فى جداول الدورى لرسوم أسواق رأس المال فى دول مجلس التعاون الخليجى فى الأشهر التسعة الأولى من العام الماضى.
وتظهر الأبحاث التى أجرتها شركة برايس ووترهاوس كوبرز، أن الحكومات كانت فى عام 2015 مستثمرين رئيسيين فى 39 من أكبر 100 شركة مدرجة فى دول مجلس التعاون الخليجي، ومستثمرين محدودين فى 39 شركة أخرى.
وقال شبير مالك، المحلل لدى المجموعة المالية (هيرميس)، إن العلاقات مع الدولة يمكن أن تساعد التصنيف الائتمانى للبنك، ويمكن أن يساعد التصنيف الائتمانى القوى البنك على خفض تكاليفه المالية.
ولملكية الدولة عيوب أخرى؛ منها تعرض بنوك دول مجلس التعاون الخليجى لخطر الإقراض بمعدلات غير واقعية أو لمشاريع تخدم الحكومة على حساب الربحية، وتعتبر أزمة دبى مثالاً على ضعف هياكل البنوك فى إشارة إلى تحطم أسعار الأصول عام 2010، ما أثر على أرباح البنوك.
ويخشى الخبراء أنه فى حالة فشل الحكومات فى الاقتراض من الخارج، وهو الخيار الذى لجأت إليه منذ انهيار أسعار البترول، فإنها قد تلجأ لسحب الودائع البنكية، ما يؤثر عليها.
عمليات الخصخصة فى السعودية تجذب المصارف الأجنبية
أسعار البترول تدفع المملكة إلى إعادة تشكيل مواردها المالية
لم تعد المملكة العربية السعودية تقاوم البنوك العالمية، بعد أن أعلنت، فى العام الماضى، عن خطط بيع واسعة للأصول الثمينة، بما فى ذلك ما يرجح أن يكون أكبر طرح عام أولى فى العالم مع بيع جزء من شركة أرامكو السعودية.
وهرع جامعو الثروات إلى الرياض؛ سعياً لاستغلال أعمال أرامكو السعودية والعديد من المشاريع، ضمن رؤية السعودية 2030 لإعادة تشكيل الموارد المالية للدولة الرامية للتعامل مع انخفاض أسعار البترول.
وقال تقرير صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، إن العالم لا يرى كثيراً، مثل هذا التحول الكبير فى الوضع الاقتصادى لبلد أو منطقة.
وقال سيورد لينارت، الرئيس العالمى للخدمات المصرفية للشركات، الرئيس الإقليمى لوسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا فى مؤسسة «جى بى مورجان»، أحد المستشارين الثلاثة لخطط طرح أسهم شركة أرامكو فى البورصات العالمية، إن خطط الإصلاح بشكل عام توفر فرصاً كبيرة للبنوك.
وقال عتيق رحمن، الرئيس التنفيذى لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا فى سيتى جروب، إن المملكة العربية السعودية هى أكبر مصدر لفرص تحقيق الإيرادات الإضافية فى المنطقة، وقد أعيد فتح بنك الاستثمار فى الرياض بعد غياب دام 13 عاماً كدليل على وجود هذه الفرص.
وتشتكى المصارف الأجنبية الانخفاض الشديد فى الرسوم فى البنوك الخليجية عموماً، والسعودية خصوصاً، وتصفها بحسب الصحيفة البريطانية بأنها أسوأ من آسيا.
ويقول «رحمن»، إن الوضع كله تغير فيما يتعلق باحتياجات المملكة ومتطلباتها عما كان عليه قبل عقد من الزمان؛ حيث حصلت البنوك على قدر كبير من رأس المال المطلوب، سواء من الدين أو رأس المال العام أو الخاص فى البلاد. ويعنى ذلك أن المعاملات يجب أن يكون لها مشاركة دولية، وهذا هو أحد الأسباب التى تجعل الخبير المصرفى يعتقد أن بيئة الرسوم ستكون متوافقة مع المعايير العالمية.
وبخلاف دعم أعمال الخصخصة للرسوم، فإن نشاطاً آخر مثل إصدار الديون السيادية فى السعودية يمكن أن يكون مربحاً. ويتيح إصلاح سوق الأسهم السعودى فرصاً للبنوك التى تتاجر بأعمالها هناك، كما أن البنوك متفائلة بشأن آفاق عمليات إدارة الثروات.
وعزز قطاع المصارف العربى جزئياً المنافسة المتزايدة من البنوك المحلية، وخاصة فى أسواق رأس المال، حيث تظهر بيانات «ديلوجيك» بنوك الخليج فى ثلاثة من أفضل 10 بنوك من حيث قيمة الصفقات حتى الربع الثالث من 2017.
وحققت البنوك الأجنبية نجاحاً كبيراً، فى السنوات الأخيرة، مثل بنك أوف أميركا ميريل لينش؛ حيث زاد حجم العملاء 4 أضعاف منذ 2012 وكانت الربحية أقل كثيراً.
وإذا أصبحت المملكة العربية السعودية نموذجاً يُحتذى به للبلدان التى تشهد أوضاعاً مماثلة، فإنَّ ذلك سيكون دفعة أكبر، على الرغم من أن الأسواق الأخرى فى المنطقة أصغر.
المحمول يحل مشكلة فقر الحسابات المصرفية فى مصر
%32 فقط من المواطنين يمتلكون حساباً بنكياً أغلبها لصرف الراتب
تعتبر مصر من البلدان التى تعانى نقصاً شديداً فى الأموال النقدية والمدفوعات الإلكترونية بالمقارنة بجميع المعاملات، والتى تكون حجمها كبير نسبياً فى المنطقة العربية.
لكن أشرف صبرى، مؤسس شركة «فورى»، أقدم وأكبر شركة مدفوعات إلكترونية فى البلاد، لديه خطط طموحة من شأنها أن تشجع سكان مصر الذين يزيد تعدادهم عن 100 مليون نسمة على تنفيذ مجموعة واسعة من المعاملات المالية عبر هواتفهم النقالة.
ويأمل فى أنه من خلال النقر على الهاتف المحمول يتم نقل كل شىء حتى يتمكن المواطن من دفع كل شىء من خلال جهاز رقمى واحد.
انطلقت شركة فورى فى عام 2010، وقد استحوذت بالفعل على نشاط دفع الفواتير لملايين المصريين إلكترونياً، ويتم عرض شعارها الأصفر والأزرق الساطع الآن فى 65 ألف متجر صغير وصيدلية ومحل فى جميع أنحاء البلاد، والتى تشكل شبكة من نقاط جمع النقدية حيث يمكن للعملاء دفع فواتير مجموعة من الخدمات والمرافق.
ويقول صبرى لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، إن خدمات فورى مصممة خصيصاً لتلبية احتياجات الغالبية العظمى من المصريين الذين ليس لديهم حسابات مصرفية، و%32 فقط من السكان لديهم حسابات وفقاً للبنك المركزى، ويضيف أن نسبة كبيرة من أصحاب الحسابات هم موظفون مدنيون يستخدمون بطاقات السحب الخاصة بهم مرة فى الشهر لسحب رواتبهم نقداً وفقط حيث يعد الدفع نقدا عند استلام السلع هو الطريقة المفضلة لدفع المصريين الذين يتاجرون عبر الإنترنت، ويؤكد أنه مع توسع سكان مصر بنحو %2 أو 2 مليون شخص سنويا، يزداد الطلب على جميع الخدمات، بما فى ذلك الخدمات التى تقدمها الحكومة، مما يخلق المزيد من الفرص للحلول الرقمية، ويشير إلى أن حركة المرور فى القاهرة مزدحمة جداً.
وأشار إلى أن التعامل الرقمى سيكون إلزامياً، وليس هناك حل آخر فالحكومة تحتاج إلى مضاعفة البنية التحتية المادية للتعامل مع النمو السكانى وهذا أمر صعب ولذلك فالحلول الرقمية سوف تقلل من حركة المرور والحد من الفساد من قبل موظفى الدولة.
ويشير إلى مثال التجديد السنوى لتراخيص السيارات من قبل إدارة المرور – وهى خدمة تقدمها فورى الآن بموجب اتفاق مع الحكومة، حيث يمكن لأصحاب السيارات تفعيل الخدمة عبر الإنترنت أو عن طريق الهاتف، ودفع الرسوم إلكترونياً أو عند نقطة جمع الأموال والحصول على الرخص التى تصلهم إلى عنوانهم.
ويشكو صبرى من أن هناك مسألة تحتاج إلى حل فيما يتعلق بخدمات الدولة هى أن رسوم فورى يدفعها العميل وحده مضيفاً أن نظام الدفع فى مصر ليس لديه نموذج محفز لأن الحكومة لا تدفع، مقابل معالجات المدفوعات الإلكترونية، فالقانون الحالى لا يسمح بذلك وهذا مفهوم يجب أن يتغير.
ثغرات الهيكل التشريعى تشوه مكانة «دبى» كمركز مالى فى المنطقة
اللجان القضائية المحلية تعرقل قضايا التحكيم الدولى لفض النزاعات
أثار الاختلاف بين المحاكم على الولايات القضائية، حالةً من الانزعاج فى الإمارات العربية المتحدة؛ حيث أسهمت الاختلافات بين المحاكم الدولية ومحاكم دبى الداخلية إلى تغيير المشهد القانونى فى الإمارة، ما يهدد بتقويض مكانتها كمركز مالى عالمى.
وجاءت الاحتكاكات، العام الماضى، عندما أنشأت الحكومة لجنة قضائية مشتركة لاتخاذ قرار بشأن النزاعات المحتملة فى الاختصاص بين محاكم دبى والمحاكم المزدحمة بشكل متزايد فى مركز دبى المالى العالمى.
وأتاحت قدرة اللجنة على إقامة إجراءات فى مركز دبى المالى العالمى، التى تشتهر ببيئة صديقة للمستثمرين، إرسال صدمات من خلال المجتمع القانونى الموجود فى الإمارة التى تعد المركز التجارى الخليجى.
ويرى المسئولون الحكوميون، أن اللجنة القضائية المشتركة تجلب الوضوح الذى تشتد الحاجة إليه، ويصرون على أن الخلافات لن تؤثر على نمو مركز دبى المالى العالمى. غير أن المحامين ورجال الأعمال يخشون السماح للشركات المترابطة بتجاوز محكمة المركز المالى لصالح النظام القضائى المحلى.
يقول ستيوارت باترسون، وهو شريك فى مؤسسة هربرت سميث فريهيلز، ومقرها مركز دبى المالى العالمى، إن هذا الوضع يؤثر على صورة دبى كمكان للقيام بأعمال تجارية. وأضاف أن هذه اللجان تثبط استخدام محاكم مركز دبى المالى العالمى، وتدفع بالتحكيم إلى ولايات قضائية أخرى.
وقد تم إنشاء محاكم مركز دبى المالى العالمى؛ لتوفير الوضوح القانونى لجحافل البنوك ومديرى الأصول والمحاسبين الذين أقاموا منذ ذلك الحين فى المركز المالى غير المتنازع عليه فى المنطقة الغنية بالبترول، وهو مجمع متزايد من المبانى المتشابكة التى يعمل فيها أكثر من 21 ألف شخص.
وقد أرادت الشركات الأجنبية، منذ فترة طويلة، تجنب الإجراءات غير الواضحة فى محاكم دبى، والمعروفة بأنها يجرى سحبها، مع تأخير التنفيذ.
ويشغل رئيس المجلس الأعلى للقضاء، الذى يملك صوتاً، منصب رئيس محكمة التمييز فى دبى، وهى أعلى محكمة فى الإمارة. وقد برزت المشكلة عندما بدأت الشركات الأجنبية فى استخدام محاكم مركز دبى المالى العالمى لإنفاذ أحكام التحكيم التى تم الحصول عليها من الأجانب ضد المدعى عليهم المحليين الذين يقعون خارج المركز المالى.